اعتاد بعض المتحدثين والكتاب أن يطلقوا عبد الصمد القليسي سؤالا عاما، وهو ما الذي لدى المعارضة بعد أن يتحقق مطلبهم بسقوط النظام أو رحيل النظام أو خروج النظام؟ (سيان). وفي حدود ما قرأت وسمعت وتابعت فإنني لم أجد أية إجابة على هذا السؤال الجوهري الذي سيتوقف عليه مصير البلاد. احتمالات الانتقال إلى مرحلة جديدة ثلاثة: الانتقال الفوري أو نهاية العام أو في الموعد الدستوري. والذي يريد حلا وسطا لاشك سيقف مع فكرة الانتخابات البرلمانية المبكرة. في ظل حكومة وفاق وطني يشمل كافة أطياف المجتمع اليمني تضع التعديلات المطلوبة على قانون الانتخابات ولجنتها؛ تُجرى بعدها انتخابات رئاسية تنافسية يفي الرئيس علي عبد الله صالح بما وعد به وهو عدم التمديد. أما هذا الذي يجري في الساحات بفعل البلاغة الخطابية واستخدام الوسائل السمعية والبصرية المؤثرة، والّتقوي بتزايد أعداد المشاركين الذين يعانون مصاعب الحياة؛ فإنه يفتقر إلى رؤية واضحة وبرنامج محدد، وسيجلب لاشك المزيد من العاطلين والناقمين على الوضع إلى صف المعارضة. ولا أبرئ النظام من التسبب في هذه البطالة والنقمة، لكن ذلك لن يكون كافيا لإقامة نظام بديل بين غمضة عين وانتباهتها. وأستطيع أن أضمن أن نتائج التسرع ستقود إلى فوضى أمنية وخيمة العواقب على الوطن بأسره. وأكاد أسمع الرد الذي عادة ما يتردد وهو أن السلطات عادة ما تخيف المواطنين من الفوضى وأن ذلك مجرد "تهويش" وتهويل لا علاقة له بالواقع. ولا أحد يستطيع أن يقول أنني كنت يوما ما بوقا للسلطة فيما كتبت أو أكتب، ومع ذلك فالمعارضة تراني جزءا من النظام فيما يرى النظام عكس ذلك. ولا يرى الإثنان أن بين الأبيض والأسود ألوانا أخرى. وهذه إحدى بركات مبدأ "دبليو بوش": (من ليس معي فهو ضدي). وإذا كان النظام يعتنق هذا المبدأ فإن تبني المعارضة له يكشف الوجه الخفي للديمقراطية الموعودة. هنا أضع عددا من الأسئلة أتمنى على المتزاحمين في الساحات (وقياداتهم) الإجابة عليها لدحض أقوال المهوشين والمهولين، ولطمأنة الناس بأن أمن البلاد سيكون مستتبا في حال قدرتهم على إسقاط النظام وإصرارهم على الإنجاز الفوري لهذا المشروع الخرافي. والعنوان الرئيسي هو: ما هي الآليات التي يمتلكونها لحفظ النظام؟ ويتفرع عن هذا العنوان الأسئلة التالية:
كيف سيحمون طرق المواصلات بين أرجاء الوطن بما يكفل إمداد الناس باحتياجاتهم الأساسية؟
كيف سيحمون المؤسسات الخدماتية الأساسية لكي تواصل دورها الحيوي في خدمة المواطنين؟ (المياه والكهرباء والاتصالات والجوامع والمستشفيات والمستوصفات إلخ؟)
كيف سيحمون الممتلكات العامة والخاصة ابتداءً من منازل المواطنين في المدن الرئيسية إلى البنوك والفنادق وشركات القطاعين العام والخاص والمختلط؟
هل يعتقدون أن القوات المسلحة اليمنية ستفعل ما فعلته شقيقاتها المصرية والتونسية؟ وهل يعتقدون أن المؤسسات الأمنية ستنضم إلى صفوفهم؟ إنهم يخطئون الحساب إن كانوا على قناعة بهذا الأمر. وإن أحسن الاحتمالات- وهو أسوأها- هو انقسام هاتين المؤسستين أو تشرذمها نتيجة لتعدد الولاءات.
هل يعرفون حجم المظلومين والجياع في المدن والأرياف؟ وهل يُقَدرون ما يمكن أن يقدموا عليه في حال انفلات الأمن؟ والجوع كافر كما يقول إخواننا المصريون، فكيف إذا اجتمع الجوع مع الجهل مع السلاح؟!
أتصور أن شبابنا في الساحات قد ركنوا في إصرارهم على ما فعله زملاؤهم في تونس ومصر وحققوه. لكن ذلك كان بسبب انحياز الجيش قيادات وأفراد لمطالبهم. ومع ذلك فإن ألف مارد ومارد سيخرج لهم من ألف قمقم وقمقم من الداخل والخارج، وسيعبثون بإنجازهم شر عبث وبمختلف الطرق والوسائل. وقد ظهرت البوادر وأصبحت واضحة للعيان. أما عندنا فيبدو أن العقلية القبلية هي المسيطرة على الحاكم والمعارض بما في ذلك شباب "الفيس بوك". فلو سألتهم واحدا واحدا: من الذي سيحافظ على أمن البلاد في حالة الانفلات؟ فسيكون الجواب: كل واحد يحافظ على نفسه! وبالطبع فإن قيادات النظام وزعامات المعارضة لديها ما يكفي من الحراسات الظاهر منها والخفي، أما المواطن فالحارس الله. ولا بد من الإشارة إلى ما تناقلته وسائل الإعلام عن انضمام بعض من هيئات التدريس الجامعي إلى تجمع الشباب. ومن الطبيعي أن نرى رجال السياسة يتصدرون الموقف سواء كانوا على رأسه أو في ذيله؛ فذلك عملهم الذي لا عمل لهم سواه. ولا ضير أن يكون بعض أعضاء هيئة التدريس حاضراً في الموقف، لكنني لا أجد تصدرهم مناسبا لمراكزهم العلمية. فالمفترض بل الواجب عليهم أن يقدم كل متخصص منهم خلاصة معارفه للجموع؛ فيبصرها أستاذ الاجتماع بالبيئة الاجتماعية التي يشتغلون فيها. ويبصرهم أستاذ التاريخ بالخلفية التاريخية التي ظهرت حركتهم في سياقها. ويبصرهم أستاذ السياسة بالمناخ السياسي الذي يحيط بهم في الداخل وأبعاده الإقليمية والدولية. ويبصرهم أستاذ الاقتصاد بالمخاطر الاقتصادية التي ستترتب على اختلال الأمن؛ والتي سيتحمل تبعاتها الوطن والمواطن على حد سواء. أما أن تحضر هذه القامات لمجرد المشاركة بالهتاف تأييدا لبقاء النظام أو دعوة لسقوطه فذلك هو العجب العجاب. يبقى لي في الختام أن أقول أن الحل الوسط بين التغيير الفوري والتغيير في الموعد الدستوري موجود. وإذا كانت الوسطية ليست منهجكم فيجب أن تتخذوها منهجا لحماية البلاد والعباد؛ وإرضاء لضمائركم إن أنتم لا تخافون الله.