يواجه اليمن أحداثا مؤسفة وخطيرة تقود هذا البلد نحو مآل يشبه انفراط عقده., فقد تكالبت عليه نوائب الدهر بتحديات صعبة وخطيرة تهدد استقراره وأمنه وتكاد مجابهتها تستعصي عليه, وعالمنا - والعربي منه على وجه الخصوص - ينظر بلامبالاة وكأن الأمر قدر لا مفر منه, رغم أن هذه الأخطار قد يتطاير شررها فيصيب أمن واستقرار المنطقة. لقد تضافرت تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية إلى جانب أخرى طبيعية لتشكل وجه المأساة التي تجري فصولها على أرض هذا البلد العريق.
وتشمل هذه التحديات صراع الخلافات والمنافسات السياسية والنزاعات حول تقسيم الدخل النفطي, إضافة إلى نمو الحركات الإسلامية المتشددة علاوة على تزايد عمليات القرصنة على مرمى حجر من السواحل اليمنية.
فمن ناحية تعاني اليمن من وضع اقتصادي متردٍ ساهم فيه استشراء الفساد الإداري والمالي في أجهزة الدولة وانخفاض عائدات الدولة المالية من جراء تقلص إنتاج النفط بسبب نضوب الموارد النفطية المتاحة, علماً بأن النفط يمثل 75% من الدخل القومي, ولا يبدو كما يذكر الباحث المتخصص في شؤون اليمن كريستوفر بوسيك في دراسة قصيرة لمؤسسة كارنفي أن اليمن مهيأ للانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط, وهذا من شأنه أن يزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي في البلاد.
وهناك تناقص الموارد المائية حتى انخفض مستوى المياه الجوفية إلى عمق 6,6 قدم, وزيادة عدد السكان بنسبة تصل إلى 7% في العام, حيث يتوقع أن يصل العدد إلى 40 مليون نسمة خلال العقدين المقبلين, وازدياد المناطق العمرانية المأهولة مع ما يترتب على ذلك من زيادة في المتطلبات, إضافة إلى تفشي الأمية والولاءات القبلية الضيقة وأطماع بعض القوى في الاستحواذ على أكبر قدر من المكاسب.
ويضاف إلى ذلك تحديات أمنية تتمثل حالياً في المواجهات الجارية بين الحكومة من جهة والحوثيين في منطقة صعدة, إضافية إلى تنامي الحركات المتشددة بمن فيهم أنصار تنظيم القاعدة الذي شن عدة عمليات خلال السنوات الأخيرة .
وكان برنامج مؤشرات التنمية البشرية الذي تقوم بإعداده الأممالمتحدة قد وضع اليمن في المرتبة 153 من أصل 177 دولة, كما أشار إلى أن 43% من السكان يعيشون تحت خط الفقر, في حين يقدر معدل دخل الفرد بما بين 650 - 800 دولار سنوياً.
لقد وجدت الحكومة نفسها في السنوات الأخيرة في مواجهة حركة مسلحة بقيادة الشيخ بدر الدين الحوثي الذي قتل في عمليات عسكرية شنتها القوات الحكومية في عام 2004م, وخلفه في قيادة الحركة عبد الملك الحوثي الذي يتهم الحكومة بالتعاون مع الأمريكيين والصهاينة.
ورغم أن هذه الحركة - التي تتألف عناصرها من الزيديين الشيعة - لا تزال محدودة, فإن معظم الخبراء يعتقدون أن استمرارها يضعف الحكومة والبلاد .
وقد جرت محاولات لإصلاح ذات البين شملت تدخل دولة قطر للعب دور الوسيط, ولكن لا يبدو أن الأمور قد آلت إلى السلام بين الطرفين.
وقد أدت المواجهات إلى مقتل المئات من الجانبين وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين.
ولكن الأمر الأخطر الذي تحمله هذه المواجهات الأخيرة هو تصاعد السخط الشعبي في بعض المناطق الجنوبية من البلاد من الممارسات الحكومية, حيث تعاني هذه المناطق من نسبة عالية من البطالة, ونظمت احتجاجات في عام 2007م, واتسع نطاقها في اذار ونيسان 2008م لتشمل عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين عبروا عن غضبهم من استبعادهم من وظائف حكومية ومناصب أخرى, وحرمانهم من الخدمات الحكومية, إضافة إلى معاناتهم من تزايد نسبة التضخم. ويطالب ما يسمى بالحراك الجنوبي الذي ينشط في المحافظات الجنوبية (عدن وحضرموت ولحج) بالمساواة وبحصة أكبر من خدمات الرعاية الاجتماعية وغيرها, ويتهمون المسؤولين السياسيين بالفساد.
وحملت هذه التطورات الأخيرة التي اتسع نطاقها مؤخراً أبعاداً جديدة تهدد حلم الوحدة الذي دفع اليمنيون في الشمال والجنوب ثمناً باهظاً لتحقيقه, وأظهرت تطورات الأحداث عمق واتساع الشرخ بين الحكومة وأعداد كبيرة من السكان الذين بدأ بعضهم يصف الوضع القائم بأنه "احتلال" ويطالبون ب"الاستقلال", حيث تم التعبير عن ذلك في بعض المنشورات ومدونات الانترنت.
وقد عكست بعض تصريحات الرئيس اليمني مؤخراً وتصريحات صدرت من بعض قادة المعارضة تحذيرات من مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية قد تفضي إلى تفكيك البلاد.
وتضيف هذه المواجهات أعباء اقتصادية وسياسية تزيد الطين بلة وتفاقم العناء. كذلك ألقت هذه الأحداث بظلالها القاتمة على القطاع السياحي في اليمن الغنية بتراثها. فبعد أن كان هذا القطاع يدر دخلاً لا بأس به للبلاد, ساهم الوضع الأمني المتردي وعمليات الخطف والقتل إلى تراجع النشاط السياحي حتى أصابه ما يشبه الجدب.
وتشمل هذه التحديات أيضاً صراع الخلافات والمنافسات السياسية والنزاعات حول تقسيم الدخل النفطي, إضافة إلى نمو الحركات الاسلامية المتشددة, علاوة على تزايد عمليات القرصنة على مرمى حجر من السواحل اليمنية.ومكمن الخطورة أن يتسع الخرق على الراتق فلا يجد أهل اليمن سبيلاً لاحتواء الوضع المتفجر, كما أن هناك قوى دولية عديدة تعكف على مراقبة الأوضاع في اليمن, كل من منظور مصلحتها, ولن تتوانى بعض تلك القوى عن التدخل بصورة أو بأخرى إذا ما استشعرت الخطر. كل ذلك يستدعي وقفة صلبة من جانب كل الحادبين على مصلحة اليمن من أجل إبطال مفعول الأزمة المحدقة بها.
فالدول العربية الخليجية تستطيع مد يد العون لجارتها, التي باتت تصنف كأفقر دولة عربية, بزيادة استثماراتها في اليمن وتوفير فرص العمل للمواطنين اليمنيين, مع العمل على التوسط بين الأطراف المتناحرة ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.
* أستاذ الدراسات الدولية في الجامعة الأمريكية بواشنطن