الاتجاهات العملية الواقعية التي بدأت تتراءى من جديد وتتبلور في فكر وميول وسلوك العديد من القيادات السياسية والشخصيات الثقافية الإعلامية ورجال المال والأعمال والشخصيات الاجتماعية في دول الجزيرة والخليج العربي - وإن كانت تعبر عن الموقف الايجابي الشعبي والرسمي الداعم لليمن والاهتمام الجدي بمشاكله الداخلية - فهي في حقيقة الأمر استجابة عملية لطبيعة المتغيرات المتسارعة في المنطقة.. واستشعار مخاطرها الآنية والبعيدة المدى، وهذه القناعات تمخضت عن بروز مفاهيم جديدة تمثل في مظهرها إضافة نوعية لمجمل القواسم المشتركة التي تربط اليمن بدول مجلس التعاون الخليجي مثل مفهوم " الأمن اليمني الخليجي المشترك". وعلى الرغم من قناعتي بحاجة بلداننا الماسة لمثل هذا الوعي المتنامي بحتمية وضرورة الشراكة الأمنية، إلا أن النوايا الصادقة وحدها لا تكفي لترجمة هذه المفاهيم أو القناعات وتحويلها إلى واقع حياتي معاش، بل لا بد من العمل المتواصل.. وبذل المزيد من الجهد والمثابرة الرسمية والشعبية.. والبحث المضني للعثور على أبسط الفرص الممكنة للاستفادة منها قبل فوات أوانها. الأمن الإقليمي لدول المنطقة لا يمكن له إلا أن يكون شاملا وتكامليا بين مختلف دول المنطقة، وليس من الحكمة أن يعتني المرء بنفسه فقط ولو من باب أولى، وبشكل يضر بالطرف الآخر، فطابع التطرف الإرهابي المعاصر وتطور أسلحته وأدواته وقواه الاجتماعية وأعماله العابرة للحدود، لا يدع لأية دولة أملا في أن تتجنبه أو تحمي نفسها منه، حتى وان كانت تمتلك أحدث وأكبر قوة دفاعية، وأمنية. مخاطر التهديدات الإرهابية تتضافر مع زيادة حدة وسرعة التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة وهواجس السيطرة عليها ومحاولة احتوائها ضمن دائرة مصالح ونفوذ وهيمنة قوى إقليمية أو دولية، وهذه أمور لا يمكن إغفالها عند الحديث عن أمن المنطقة، ومن الخطأ وضع الحسابات الأمنية على قاعدة الاكتفاء بالرهان على بلد آخر.. حتى وإن كان قويا ومهما جدا.. وله مصالح استراتيجية حيوية، تحتم عليه لعب دور حاسم في حماية أمن المنطقة، مثل هذا التوجه كما أثبتت التجربة من شأنه أن يشجع غطرسة قوى الإرهاب ويجعل من المنطقة رهينة يسهل ابتزازها أو إرهابها. أمننا المشترك ينبع أساسا وقبل كل شيء من الإطار المحيط بنا الذي تربطنا به كثير من الوشائج والعديد من نقاط التماس، وعوامل التأثير التبادلي سلبا وإيجابا، وهناك حاجة موضوعية وتاريخية للتعايش بسلام مع هذا الإطار والتعامل المشترك معه على أساس المساواة في الحقوق والنفع المتبادل، وعلينا أن ندرك حق الفهم ان التطلعات والأهداف التوسعية لقيادات بعض الدول ليست اطلاقا هي نفسها تطلعات وأهداف شعوبها أو المصالح الحقيقية الدائمة لهذه البلدان. إن العالم بشكل عام ومنطقتنا بشكل خاص تمر بعملية تغيرات عاصفة ومتسارعة يتولد معها عدم إمكانية التنبؤ بكل ما يترتب عنها من آثار وتبدلات في السياسة والمواقف والتصرفات الملموسة، وليس بوسع أحد أن يحافظ فيها على الحالة القائمة إلى ما لا نهاية، وهذا يحتم عدم إغماض العين عن حقيقة الأحداث والمتغيرات على الصعيد القطري والإقليمي وما قد يترتب عنها من تناقضات وصراعات اجتماعية أو سياسية واختلالات أمنية قابلة للتمدد وتجاوز حدودها الجغرافية وصولا إلى الآخر. لقد أصبح واقعنا الإقليمي صغيرا جدا وهشا إلى الحد الذي لا يتحمل نمط التفكير والأعمال السلبية التي ظلت على مدى سنوات طويلة مشروعة من الناحية السياسية باعتبارها شكلا من أشكال الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي بين الدول. أمننا المشترك لا يمكن تعزيزه والمحافظة عليه إذا لم نقطع الصلة بنمط التفكير وأساليب العمل القديمة التي ظلت قائمة على أساس مقبولية وجواز إذكاء أو تشجيع ودعم نزاعات الصراعات الداخلية، وهذا يتطلب ضرورة التعاطي مع مشاكل الآخر وقضاياه الداخلية من منظور رؤيته الرسمية لها، والداعية إلى الأخذ بالأساليب والإجراءات والطرق العملية السياسية المشروعة والرسمية بعيداً عن العنف والخراب. وحتى يتحقق هدفنا المشترك في التكامل الأمني ونضمن له النجاح والانتقال إلى رحاب واسعة من التكامل لا بد له أن يقترن بنظام شامل للأمن الاقتصادي والإقليمي الذي يضمن حالات الاستقرار الداخلي اجتماعيا وسياسيا وردم هوة الفروقات التنموية والمعيشية بين اليمن وجيرانه.