ومن هذا المنطلق كان التعامل مع المنطقة فرعا من فروع مفهوم الأمن العالمي من الزاويتين السياسية والاقتصادية, وبالتالي موقعا للمصالح الحيوية للدول الكبري, وبالتالي فإن قيام نظام أمني أقليمي يعتمد علي الدول الأعضاء بمنظومة مجلس التعاون الخليجي فقط لن يتم نظرا للظروف السياسية, والعسكرية, في المنطقة التي تسعي العديد من دولها الي إقامة علاقات أمنية مع الدول الفاعلة في النظام العالمي. ولاشك أن تحقيق أمن إقليمي فاعل بين مجموعة من الدول,يتطلب توافر عدد من الشروط في مقدمتها, الإدراك المتقارب, لرؤية المخاطر والتهديدات, وتقبل دمج جانب من الصلاحيات الأمنية السيادية في اطار اقليمي, اضافة لتوافر المرونة والقدرة السياسية للتعامل مع المتغيرات المتلاحقة, التي غالبا ما يتجاوز تأثيرها الثوابت, كما يصعب حصر مناقشة قضايا الأمن الإقليمي في اطارها الجغرافي المحدود, والمبرر لوجود أي ترتيبات أمنية اقليمية هو التوصل لأنسب أساليب التعامل المشترك مع الجوار الجغرافي, وكل هذه العوامل, تزيد من صعوبة أمن منطقة الخليج. وفي هذا السياق فإن الحديث عن تحديات الأمن في الخليج, هو حديث في موضوع مازالت تطوراته في حالة سيولة سياسية, ومتغيراته متلاحقة, ولم تكتمل ملامحه بعد, فهناك أوضاع اقليمية, كالوضع في العراق وفي الأراضي العربية المحتلة, لم تحسم بعد, وبالطبع ستؤثر بلاشك علي مستقبل الأمن في منطقة الخليج, التي تتأثر بما يحدث في منطقة انتمائها القومي, والجغرافي الأوسع نطاقا, مع العلم أن تحديات الأمن الخليجي عديدة, تبدأ بعدم ميل دول مجلس التعاون للتوسع في عسكرة مجتمعاتها, وصعوبة توجيه مزيد من عناصر القوة البشرية المحدودة بطبيعتها للأغراض العسكرية, دون تكلفة اجتماعية مرتفعة, بالاضافة الي مشكلة ندرة المياه, ومشكلات مكافحة المخدرات, والجريمة المنظمة عابرة الحدود, وهناك تحد آخر, وهو ما عانته وتعانيه عدة دول خليجية من ظاهرة الإرهاب والتطرف الغريبة علي المجتمع الخليجي, خاصة مشكلات الإرهاب الناجمة عن ذيول ونتاج الحرب في أفغانستان خلال الثمانينيات, وبداية الثورة الإيرانية, وسعيها لزعزعة استقرار الدول المجاورة, ثم جاءت تداعيات أحداث11 سبتمبر بتحديات اضافية, في مقدمتها الحرب علي الإرهاب, وهي نمط لحرب غير تقليدية, في مواجهة عمليات إرهابية متنوعة الجنسية والجغرافيا, والعقيدة الدينية بجانب حالات الانفلات الأمني في المنطقة وبخاصة بعد احداث الربيع العربي. ومن الواضح أن معضلة الأمن الإقليمي الأساسية في منطقة الخليج, مازالت تتمثل في صعوبة ايجاد نقطة التوازن في علاقات القوي الإقليمية, التي تشعر مختلف الأطراف الخليجية بالأمن والأمان, وكيفية تحقيق الموازنة بين العناصر الوطنية والاقليمية والدولية في المعادلة الأمنية والي أن تتحقق هذه الأمنية, وجدت دول مجلس التعاون, ان صيغة المشاركة الأمنية الإقليمية المقننة والمعززة بصداقات, وترتيبات أمنية دولية إقليمية قائمة علي الاحترام والمصالح المتبادلة, توليفة فرضتها ضرورة التعامل مع معطيات الواقع. كما أن مدي تدويل الأمن في منطقة الخليج يحكمه مستوي كثافة المصالح الدولية فيها, وقد أدي بروز مفاهيم دولية متعددة حول كيفية الحفاظ علي السلم والأمن في هذه المنطقة, إلي دخولها في منافسة أو تداخل مع المفاهيم الإقليمية المطروحة لهذا الأمن. وقد تأثر مضمون أمن الخليج بعدد من المتغيرات الاقليمية والدولية, يأتي في مقدمتها ان الميزان الاقليمي لعلاقات القوي في الخليج, ظل يميل بشدة لصالح دول الجوار, وهذا الخلل في علاقات القوي الإقليمية دفع دول مجلس التعاون, الي دعم التماسك الجماعي, والذي يجنبهم مخاطر التفرق, عبر العمل علي دعم علاقة الترابط بين التكامل والأمن, ليصبح التكامل الاقتصادي والأمن الاقليمي هدفين يعزز كل منهما الآخر, إدراكا بأن القوي العسكرية وحدها يصعب أن تكون ضمانا لتوفير الأمن الدائم لكل دولة, من دول الخليج منفردة.