التقى المحلل السياسي والكاتب في جريدة الإندبندنت روبرت فيسك بزعيم القاعدة أسامة بن لادن ثلاث مرات، ولولا أن القدر اختار هذه النهاية لابن لادن لكان روبرت فيسك يود أن يلتقيه مرة أخرى ليسأله عن رأيه في الثورات العربية! السؤال الذي كان روبرت فيسك يود أن يطرحه على بن لادن يتعلق بجهاد الأخير في سبيل إقامة الدولة الإسلامية وبعدائه للأنظمة العربية الخائنة، وفق تعبير بن لادن! وعن رأيه في مقدرة هؤلاء الشباب على الإطاحة بالزعامات الخائنة، على الرغم من أن ثوراتهم قد خرجت دفاعاً عن الوطنية والحريات ولم تخرج باسم الإسلام ولا طلباً لإقامة الدولة الاسلامية! لا أتصور أن بن لادن كان سيجد جواباً بخلاف الكلام المكرر حول الدولة الإسلامية المرتقبة والتي ستعيش البشرية في كنفها بأمن وأمان. المشكلة مع المطالبين بالدولة الإسلامية أنهم لا يطرحون أبداً منهج هذه الدولة! فبخلاف تطبيق الأحكام الشرعية العقابية من جلد وقطع لليد وغيرهما، فإن هؤلاء لم يقدموا مشروعاً مقبولاً وملموساً تقوم عليه هذه الدولة، ويكون الإسلام فيها فعلاً هو الحل! ولعل الشواهد والأمثلة الراهنة خير دليل، فهناك دولة بائسة في أفغانستان تدعي أنها إسلامية، وهنالك دولة قمعية دكتاتورية كإيران تتحدث باسم الإسلام! وهنالك نظام ظالم وقمعي في السودان يتشدق بأنه نظام إسلامي! لقد غابت الدولة الإسلامية الحقيقية بغياب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن بعده كانت كل الدول الإسلامية دولاً تسودها وتحركها الأطماع والطموحات السياسية البشرية العادية، لذلك، فقد عجزت أن تمثل الإسلام حقاً، سواء كانت الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو أياً مما جاء ذكره في تاريخ ما بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ثورات اليوم هي ثورات عملية وصادقة، أدرك شبابها بعد تجارب تاريخية مريرة ومكلفة مع جماعات وتيارات ارتدت عباءة الإسلام لتخترق بواسطته عقول الضعفاء والسذج من شعوب عالمنا العربي! شباب اليوم أدركوا أن المصلحين والثوار المتحدثين باسم الدين والعقيدة ما هم سوى أصحاب سياسة ومنفعة، لا يختلفون عن أي حزب سياسي يحمل أجندته الدنيوية التي هي في حاجة إلى أموال ورجال وإعلام وقاعدة. الدولة الإسلامية ستبقى في أذهان هؤلاء الشباب أشبه بالمدينة الفاضلة التي لم يحن وقت رجالها بعد، لذلك فقد انطلقوا جماعات وأفواجاً يدفعهم واجبهم الإصلاحي وحسهم الوطني، فأسقطوا زعامات ودكتاتوريات بقيت خالدة بحراسة جماعات وتيارات الإسلام السياسي، فكان أن سقط الأخير من الأجندة الشبابية مع سقوط تلك الأنظمة السياسية.