- القبس - على صفحة الكاتبة والناشطة اليمنية بشرى المقطري، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تقرأ هذه الأسطر الشعرية للشاعر عبد الحكيم الفقيه: «هم كفروك لأنهم لا يتقنون سوى التخبط والخطابة/هم كفروك لأنهم أموات هذا العهد حقا لا غرابة/هم كفروك لأنهم لا يؤمنون بحق هذا الشعب في فن الكتابة». قصيدة تأتي كنوع من التضامن الحماسي مع الكاتبة التي تتعرض لحملة عنيفة من التكفير، على خلفية مقال لها بعنوان «سنة أولى ثورة»، وهو المقال الذي كتبته حول ثورة الشباب في اليمن ومسيرة الحياة «الراجلة»، وما واجهته خلال رحلتها من تعز إلى صنعاء الشهر الماضي، وكان متطرفون قد اتهموا الأديبة بشرى المقطري بالإلحاد والمس بالذات الإلهية. غير أن الأمر قد يتعدى ذلك، حيث يكشف جانبا من صراع «ما بعد الثورات»، حين تتنازع قوى سياسية على تأويل الثورة لمصلحتها. وهو ما أشارت اليه المقطري في مقالها سابق الذكر، الذي يكشف، من وجهة منظر المقطري، عن التواطؤ على الثورة من قبل السلطة والتيارات المحافظة والنزعة القبلية.
وقفات احتجاجية منذ أيام اورد موقع اليمن السعيد الاخباري خبرا مفاده قيام عدد من خطباء المساجد في محافظة تعز بوقفة احتجاجية امام احد المساجد، احتجاجاً على كتابات بعض المثقفين والأدباء والكتاب الشباب، حيث انطلقت مسيرة من جامع الصحابة السلفي في الحارة التي تقطنها الكاتبة والناشطة الحقوقية بشرى المقطري الى منزلها، تطالب ب«تحكيم الشريعة» و«اعدام من يسبون الله ويستهزئون به»، وكانت اللافتات واللوحات موقعة باسم «شباب الثورة».
من الأدب إلى الثورة بشرى المقطري القاصة التي بدت واعدة واستقبلت بترحاب من الوسط الثقافي اليمني كواحدة من كاتبات جيل التسعينات المتميزات، تجاوزت حدود الكتابة الأدبية تفاعلا مع قضية التوريث منذ عام 2005. هكذا كانت من أوائل الناشطات اللاتي وقفن في وجه «التوريث» في اليمن، وقبل أن تندلع ثورة الشباب في 11 فبراير، كانت المقطري قد أسست مع مجموعة من زملائها حركة نحو التغيير «ارحل»، وتعرضت لمضايقات النظام ومطارداته وللتهديد بالقتل، وأطلق الرصاص على منزلها، حيث ردت على ذلك بقولها «الرصاص لم يرعبني ولن يستطيع النظام من خلال تهديداته القبيحة أن يجعلني حبيسة المنزل». في مقابل ذلك أدان عدد من المثقفين والأدباء والمفكرين اليمنيين هذه الحملة الشرسة، التي تهدف إلى النيل من أديبة الثورة اليمنية المقطري، وأوضحوا أن هذه الحملة تأتي من قبل جماعات متطرفة تتخذ من الدين الإسلامي منطلقاً ووسيلة لممارسة الإقصاء، وإصدار أحكام الموت على المثقفين والمبدعين ممن يحملون أفكاراً مستنيرة، وأكدوا أن فتاوى التكفير لن تُثني الفكر المستنير عن مواصلة رسالة التنوير. وأشاروا إلى أن مثل هذا التطور الخطير يهدف إلى ترهيب الكاتبة بشرى المقطري ومنعها من ممارسة حقها القانوني والدستوري في التعبير عن رأيها.
حملة ظالمة بدوره، أدان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين هذه الحملة الظالمة التي تتعرض لها المقطري، التي تعد أحد أعضاء الاتحاد، مُحذراً من التأويلات المغرضة التي تؤدي إلى التحريض على الأذى الجسدي والمعنوي، وأكد وقوف الاتحاد إلى جانب الكاتبة، مشدداً على حق الآخرين في الاختلاف مع الكاتبة، فيما لا يخرج عن حدود الرأي والرأي الآخر. وقالت الأمانة العامة لاتحاد الأدباء في بيان لها: «بقلق تتابع الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ما تعرضت له عضو الاتحاد الكاتبة بشرى المقطري من محاولات لمصادرة حريتها والحجر على رأيها بحجج واهية تتوسل الدين وتتوكل عن الله جل شأنه.. واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين إذ يؤكد أن الدين مقدس وموضع احترام الجميع وفوق أن تصفى من خلاله الحسابات السياسية.
تضامن عربي تفاعل القضية حدا ببعض المثقفين والفنانين العرب الى إصدار بيان مماثل، يدين ما تتعرض له الكاتبة والناشطة بشرى المقطري. وأكد الموقعون على البيان الانضمام إلى الذين تضامنوا مع المقطري من أدباء وكتّاب اليمن وشبابه ومواطنيه، لإدانة محاولات مصادرة حريتها وفي الدعوة إلى مقارعة رأيها بالرأي، وحملوا وزير العدل والسلطات الحكومية مسؤولية الحفاظ على حياتها وسلامتها. كما دعا الموقعون هيئات الدفاع عن حقوق الانسان والحريات والمؤسسات الثقافية والنسائية العربية والدولية إلى التعبير عن غضبتها تجاه هذه الحملة، والمساهمة في ردع سوابق خطيرة لما ينتظر المنطقة كلها، لو قيّض لتلك القوى ان تواصل ادعاءها باحتكار تأويل الدين وممارسة التحليل والتحريم وزج المقدّس في الخلافات والاجتهادات السياسية، والعمل على كبت الحريات العامة والعداء لحقوق المرأة. وقد وقّع على البيان العشرات من المثقفين، منهم إلياس خوري ومارسيل خليفة ويوسف عبدلكي وعلي الدميني وعباس بيضون.
وحدة الفرقاء والملاحظ في حرب التكفير المستعرة هي أن الفريقين رجال الدين والكتاب المستهدفين يمثلون فريقا واحدا منخرطا ومؤيدا ومتبنيا للحركة الاحتجاجية المستمرة منذ عام كامل أو ما يسمى ب«ثورة الشباب»، وإن كان لكل وجهته. فقد حشد رجل الدين عبدالمجيد الزنداني علماء دين لتكفير المقطري في بيان حمل
توقيع 70 من علماء الدين. ودعا البيان الذي اصدره الزنداني مع العلماء إلى إغلاق الصحف والمواقع الالكترونية التي نشرت مقال بشرى المقطري، وطالبهم بالتوبة. ينتقل الصراع السياسي الى مجال الدين والثقافة، بعد غياب طويل عن الممارسة السياسية الشفافة، وفي غياب مشروع حضاري، يبدو وكأن الأمر صراع مستتر على السلطة بأقنعة مختلفة.