في الكواليس جنين تتخلَّق أعضاؤه على مهلٍ في ظلمات ثلاث: ظلمة حالة المراوحة المزدوجة الثورية والسياسية عند حدود ((اتفاقية السلم والشراكة)) الشبيهة بجدول مواقيت صلاة على جدار ((كباريه)).. ثم ظلمة التسويات الثنائية المعقودة في ساعات متأخرة من ليل وطني بلا كهرباء.. وأخيراً ظلمة انعدام المعطيات ذات القيمة المساعدة على استشراف أفق المخاض الدائر في كواليس العتمة.. ((من يفعل ماذا، بمن ولماذا؟!)).. تدلف حائطك على فيسبوك، تحت وطأة إدمان العادة لا الشغف، فتمطرك عشرات الصور الملتقطَة على هامش اللقاءات المكوكية من ((بروكسل إلى برلين إلى جنيف إلى القاهرة إلى بيروت وطهران و...))؛ وعبثاً تحاول أن تعثر على متنٍ لهذا الهامش الرومانسي، فتنكفئ لتعمل ((بحكمة صالح الصماد: الصورة واضحة لدى السيِّد.. وكفى)).. وهل سُمِّيَ ((الصُّماد)) صُماداً إلا لأنه صمد أمام وسوسات شياطين فضوله التي تتنطَّط، متخذةً من رأسك مسرحاً ل((الأكروبات)).. كن حسن الظن إذاً، وإلى أن تتضح طبيعة الجنين الذي يتكوَّر على مهل في عماء الكواليس، تسلَّ بمطالعة تفاصيل لم تكن لتحيط بها علماً لولا الصور الواردة طفواً على سطح هذا النشاط المكوكي، من قبيل: اكتشاف أن ((سلطان السامعي)) أصلع، وهو الذي ظل يوارب هذا السرَّ دهوراً خلف غترة مهيبة.. بوسعك أيضاً مشاهدة ((عبدالوهاب الآنسي)) ببدلة وكرافتة، يبدو معها- بسحنته الباردة- شبيهاً بصيرفي في ((تاجر البندقية لشكسبير)).. وهذه صورة ل((حسين العزي)) في ((جنيف)) ببنطال جينز، وثالثة ل((حمود سعيد)) ببدلة ((سبورت)) منهمكاً في تمارين إحماء على كورنيش النيل.. وخامسة ل((البخيتي بجنبية وسماطة)) في ((بروكسل)).. وسابعة وعاشرة، ولا حصر لما يمكنه أن يثير دهشتك ويلهمك الصبر الذي يحتاج إليه، في العادة، أقارب نُفَسَاء متعسرة يرابطون على مدخل قسم ولادة.. ربما لا يمكننا الحديث عن ((رأي عام أو توجهات رأي عام))، بالمعنى الدقيق للمصطلح في اليمن.. على النحو الذي تضطر معه الفعاليات السياسية إلى وضع الشارع في صورة المستجدات أولاً فأولاً، تحت وطأة خناق رقابي تصطدم بأسوار استفهاماته أينما ذهبت! فضلاً عن ذلك لدينا شارع متألم منفعل، يفرط في الثقة بوعود الساسة، ثم يفرط في المكر بهم والكيد لهم والنقمة عليهم، حين تتكشَّف وعودهم عن محض مضاربات في بورصة جوعه وأوجاعه وآدميته المقهورة.. شارع ينام بجروح لزجة مفتوحة يقظة متوجسة، يحطّ الذباب والساسة على شفيرها، بأعداد وفيرة، فلا تميز وسط جلبة الطنين وكثرة اللاعقين، بين صديق وعدو إلا على محك التعافي أو استفحال الداء.. إن الجوع والخوف حين يقترنان بانعدام القدرة على الرؤية أبعد من تخوم اللحظة الراهنة، يجعلان من الحضيض الشعبي بحيرة من الرمال المتحركة، التي يتعيَّن أن يتلافى المطمئنون إلى سكون سطحها خطر ابتلاع وشيك، بأن يفعلوا شيئاً.. شيئاً آخر عدا ارتداء نظارات ((السبع المدهش، وجيمس بوند وأدهم صبري))، والتنطيط في مطارات العالم..