ثمة في العالم ثقافتان: ثقافة الجدران وثقافة الجسور. ثقافة الجدران هي ثقافة الاستعلاء والاستقواء والتمترس.. ثقافة التعصب والكراهية.. أما ثقافة الجسور فهي ثقافة التواصل والتلاقح.. ثقافة التصالح والتسامح. وعادة عندما تنشب حروب ونزاعات بين دولة وأخرى تكون الجسور هي أول الضحايا، ويكون الأشخاص الذين يقومون بتجسير العلاقة بين البلدين هم أول المشتبه بهم. وفي حالة الحروب والنزاعات الداخلية كالحروب الأهلية العرقية المذهبية أو في حالة الصراع على السلطة، كما هو الحال في الكثير من دول العالم الثالث، تكون الجدران والحواجز أول من ينتعش. ومع انتعاش الجدران المذهبيه والطائفية والعنصرية والحزبية ينتعش المزايدون والطائفيون والعنصريون والانتهازيون والمتمصلحون المتعطشون إلى الدم والكراهية والحرب. وتراهم يرتقون ويرتفعون مثلهم مثل الحواجز والجدران الشائكة التي تتولد وتتناسل في فترة الصراع وفي زمن الحرب. وبالنسبة لنا نحن اليمنيين كنا وما زلنا ننحاز إلى ثقافة الجدران: نتحزّب ونتعصّب ونتألّب ضد بعضنا البعض ونتمترس بجدراننا، كلٌّ يتمترس بجداره ويبصق في وجه جدار الآخر. والسبب في ذلك يرجع ربما إلى كون اليمنيين عرفوا الجدران والحواجز وتعايشوا معها. فقد كانوا – بسبب عدم وجود أنهار وبسبب شحة المياه واعتمادهم على مياه الأمطار – يبنون الجدران والحواجز المائية والسدود، وكانت حروبهم وخلافاتهم ونزاعاتهم تتمحور جميعها حول الماء أو حول السلطة. كانوا دائما مشدودين ومتوترين وموتورين ومتعطشين للحرب بنفس تعطشهم للماء. أبدا لم يعرفوا السلام والاستقرار والاسترخاء، ولا عرفوا لغة التسامح ولغة الجسور. بل إن اليمني مهما تعلم وتثقف وتأهل تجده يبحث عن جدار يحميه ويحتمي به.. وهو لا يشعر بالأمان إلا عندما يكون لصق الجدار.. جدار القبيلة.. الطائفة.. الحزب.. جدار السلطة أو جدار المعارضة.