عبدالرزاق الجمل في مصر لم تتمكن الولاياتالمتحدةالأمريكية من تفصيل رئيس على مقاس مصالحها وعلى مقاس أمن إسرائيل، كما فعلت في اليمن. لهذا تحدث الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي بكل أنفة عن التبعية للخارج، ووعد بتحرير الشيخ عمر عبد الرحمن المعتقل في أحد سجون أمريكا منذ سنين. وقد تعلمنا أن أمريكا حين تعجز عن فرض أمر واقع على غيرها، تتجاوب مع الأمر الواقع الذي يفرضه الغير عليها. لذا أنا على يقين بأن الشيخ عمر عبد الرحمن سيخرج من سجنه في أمريكا وسيعود إلى بلده مصر، وعلى يقين بأن الصحافي اليمني المتخصص في شئون تنظيم القاعدة عبد الإله حيدر شائع الذي تعتقله "أمريكا" في سجن الأمن السياسي "اليمني" بالعاصمة صنعاء منذ سنتين، لن يخرج قريبا، رغم أنه في طرف الشارع الذي يكون منزل الرئيس هادي في طرفه الآخر، وخلفه مصلى الثورة الذي أُديت فيه يوما صلاة "جمعة رفض الوصاية". إنها لمفارقة عجيبة أن يتحدث رئيس مصر الجديد عن قضية عمر عبد الرحمن قبل أن يمتلك كل صلاحيات الرئيس، بينما يتحدث الرئيس هادي في خطاب القسم عن الحرب على تنظيم القاعدة كواجب ديني ووطني. ونعلم جميعا أن الحرب على القاعدة ليست واجبا وطنيا ولا دينيا، بل واجب أمريكي صرف. إذن.. في مصر شعب، وفي اليمن أتباع فقط، والرئيسان في البلدين انعكاسٌ طبيعيٌ لوضعي شعبيهما، فعلى سبيل المثال، نصف هذا الشعب يدين بالولاء للسعودية، ونصفه الآخر يدين بالولاء لإيران، وكله في طريقه لأن يدين بالولاء لأمريكا. لهذا لم تقابل زيارة السفير "الأمريكي" لمدينتي زنجبار وجعار في محافظة أبين "اليمنية" بعد انسحاب أنصار الشريعة منهما، بأي استنكار شعبي. وحديثي هنا عن الشعب في الشمال، أما الشعب في الجنوب فتركيبته تختلف إلى حد ما، فلا يدين معظمه بالولاء لمشايخ قبائل وشيوخ دين يدينون بالولاء للسعودية أو إيران. لذلك انطلت عليه ثورة مزيفة كما انطلت عليه من قبل وحدة لا تقل عن الثورة زيفا، وقد ينتظر إصلاح مسار الثورة أعواما كما انتظر من قبل "إصلاح مسار الوحدة"، وربما يجد نفسه خارج أي مسار في نهاية المطاف. وعلى ما يبدو فإن اليمنيين كانوا بحاجة إلى ثورة على التبعية قبل الثورة على نظام صالح. وعلى ذكر زيارة سفير أمريكا لمحافظة أبين اليمنية، وفي سياق المقارنة بين الثورتين والرئيسين في مصر واليمن، أتساءل: هل يمكن أن تسمح حكومة مصر لسفير أمريكا لديها بزيارة محافظة شمال سيناء للتأكد من وجود تنظيم القاعدة فيها، رغم أن صواريخ التنظيم طالت إسرائيل من داخل تلك المحافظة، وخوف أمريكا على أمن إسرائيل يساوي خوفها على مصالحها، وهل ستسمح حكومة مصر لطيران أمريكا بالتحليق في أجوائها بحثا عن مطلوبين من القاعدة، ناهيك عن السماح بممارسة الإعدام خارج القانون الذي تمارسه طائرات أمريكا في اليمن ليل نهار؟. المخزي جدا أن الحكومة اليمنية الجديدة لم تعد تسمح فقط لطيران أمريكا بالتحليق في الأجواء اليمنية وقصف أهداف قاعدية مفترضة على الأرض، بل صارت تطلب من أمريكا ذلك، بحسب تصريح وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي لوكالة "فرنس برس" على هامش مشاركته في مؤتمر لمكافحة القرصنة عُقد في دبي الأسبوع الماضي. وقبل أيام قال سفير أمريكا لدى صنعاء إن تعاون القيادة الجديدة مع أمريكا في مجال مكافحة "الإرهاب" أفضل بكثير من تعاون القيادة السابقة، والتعاون هنا يُراد به السماح المطلق لطيران أمريكا بالتحليق في الأجواء اليمنية وملاحقة أهدافه، بحسب صحيفة "لوس انجلوس تايمز" الأمريكية التي قالت إن الرئيس عبد ربه منصور هادي أعطى طيران أمريكا التجسسي ما لم يكن يحظ به من قبل. أي في عهد الرئيس السابق صالح. لكن الفاجعة الكبرى هي في الأخبار التي أشارت إلى أن طيران أمريكا من دون طيار لم يعد يقلع من جيبوتي أو من القواعد الأمريكية في البلدان المجاورة فقط بل بات يقلع أيضًا من قاعدة العند الجوية في محافظة لحج اليمنية. أي أن يمن ما بعد الثورة صار شبه مباح لأمريكا التي أدمن مسئولوها العسكريون زيارة اليمن في الآونة الأخيرة، فلا يكاد مسئول أمريكي يغادر حتى يصل مسئول آخر، وكان آخرهم قائد القيادة الأمريكية المركزية جيمس ماتيس الذي قال يومًا "إن بعض القتل متعة". لكننا لا نعرف ما الذي يدور بين المسئولين اليمنيين ونظرائهم الأمريكيين، وتكتفي معظم وسائل الإعلام المحلية بالأخبار التي تنشرها وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عن الزيارة، والتي تقول في الغالب إنها للإطلاع على سير المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، رغم تناقضها الصريح مع بيانات السفارة الأمريكية. في نهاية الثورة ربما تحتاج الحكومة اليمنية الجديدة أن تقول العبارة التي سخرت من صالح حين قالها في بداية الثورة: "اليمن ليست مصر".. هزلتْ.