علي البخيتي 21 سبتمبر 2015م سأغلق تلفوناتي الآن واتوقف عن مواصلة النشر على صفحتي واي أنشطة أخرى وأعتكف، عذراً من كل الأحبة والأصدقاء الذين خيبت ظنهم ولم أتمكن من انصافهم، عيناي اغرورقت بالدموع وأشعر بألم في صدري وغصة في حلقي، أرى وطني ينهار، واليمن الجديد الذي سعيت اليه بعيد المنال، سامحوني. تلك العبارات كتبتها بتاريخ 23 سبتمبر 2014م، أي بعد يومين على دخول الحوثيين صنعاء، فقد لمست عن قرب تحول هائل في الأهداف التي أعلنت للتحرك الشعبي في حينه، وبالفعل كان حدسي صحيحاً، واليوم نرى جميعاً وطننا ينهار أمام أعيننا، ونشعر أن الحلم بيمن جديد بات بعيد المنال. *** اسقاط الجرعة، اسقاط حكومة الفساد وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تطبيق مخرجات الحوار الوطني، تلك الأهداف الثلاثة التي رُفعت كعناوين لحراك شعبي –في منطقة جغرافية محددة- بدأت سلمية وتحولت الى مسلحة تمكنت من حسم الحرب لصالحها في 21 سبتمبر 2014م. لا أحد يستطيع انكار أن تمكن الحوثيون من هزيمة علي محسن الأحمر والإخوان المسلمين في تلك الواقعة قوبل برضى كثير من الأطراف، واحتفل الكثيرون حتى في المناطق الجنوبية، بل وخرج البعض في الضالع ومحافظات أخرى واطلقوا الرصاص في الهواء ابتهاجاً بذلك النصر الذي أحرزه الحوثيين ضد من اعتبرهم الكثير طغمة حاكمة وفاسدة حكمت اليمن لعقود. حتى الرئيس المنتهية ولايته "هادي" كان مرتاحاً لنتائج 21 سبتمبر، إضافة الى الكثير من الأطراف الدولية وعلى رأسهم دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدةالأمريكية الذين أبدوا ارتياح كبير لتلك النتائج وبالأخص اغلاق جامعة الايمان والمعاهد الدينية المرتبطة بالأجنحة المتشددة للإخوان المسلمين في اليمن وغيرهم من المجموعات المصنفة غربياً كخطر محتمل. الحزب الاشتراكي شعر أن 21 سبتمبر انتقمت له من أهم خصوم حرب 94م، والمتهم الأول بتدبير وتمويل اغتيال أكثر من 149 من قيادات الحزب قبل حرب 94م، وهكذا كل طرف رأى ذلك التحرك ونتائجه من خلال مصالحه الخاصة. حتى أن بعض الأجنحة داخل حزب التجمع اليمني للإصلاح شعرت أن ضرب الجناح العسكري والقبلي في الحزب قد يمكنهم من استعادة قرار الحزب بعد مصادرة تلك الأجنحة له لعقود، وتعاملوا مع الحدث من باب "رب ضارة نافعة"، وسعوا الى التأقلم مع ذلك الحدث بكل الوسائل وترك علي حسن الأحمر والقشيبي وآل الأحمر يواجهون مصيرهم مع الحوثيين ولم يصدر حزب الإصلاح حتى بيان ادانة عندما فجر الحوثيون منزل مؤسس حزب الإصلاح عبدالله حسين الأحمر، بل أعلن الحزب مراراً أنه لا شأنه له بتلك الحروب والمعارك ولن ينخرط فيها. *** متى وكيف تحولت ثورة 21 سبتمبر الى نكبة؟ عندما كان الحراك الشعبي –اطلق عليه الحوثيون لاحقاً اسم ثورة 21 سبتمبر- متسق مع أهدافه المعلنة كان يحظى باهتمام ودعم الكثيرين حتى من خارج مكون الحوثيين، وبتغير أهداف واسم ذلك التحرك تحول الى نكبة بكل المقاييس، ليس على خصوم الحوثيين فقط انما على اليمن بشكل عام وعلى الحوثيين بشكل خاص. بدأت النكبة عندما تجاوز التحرك أهدافه الثلاثة المعلنة، وعمل على اسقاط النظام ومن ثم الدولة ومؤسساتها والحاقها بمؤسسات الحوثيين البدائية، بدلاً من استيعاب الحوثيين في مؤسسات الدولة ودمجهم فيها كما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار، وهنا لا بد من الإشارة الى أن الأطراف السياسية التي كانت تحكم اليمن قبل 21 سبتمبر 2014م تتحمل المسؤولية الأكبر عن تلك الأحداث –الى تاريخ 21 سبتمبر- بسبب رفضهم اشراك الحوثيين في السلطة وادخالهم من بوابة الدولة ومؤسساتها ما دفع الحوثيون الى الدخول من النافذة، وكان الدخول عنيفاً ومدمراً، وتحول الى عملية سطو على الدولة ومؤسساتها وسلطاتها، إضافة الى ما أثاره من مخاوف إقليمية دفعت عشر دول الى التدخل عسكرياً بطلب من قوى سياسية يمنية رئيسية تعرضت للتنكيل والاقصاء والتهميش من الحوثيين بعد انقلابهم على السلطة وعلى كل التوافقات السياسية واعلانهم خيارات أحادية كارثية كان على رأسها اعلانهم الدستوري، ذلك التدخل الدولي وان بدت شعاراته جميلة كحراك الحوثيين عند انطلاقه الا أنه تحول أيضاً الى عدوان على اليمن ارضاً وانساناً، ولم يقتصر ضرره على سلطة الحوثيين الانقلابية، بل تجاوز ذلك بمراحل، وقد كتبت عن كوارث العدوان وبالتفصيل أكثر من مقال. *** بدأت النكبة كذلك من اللحظة التي صُور لعبدالملك الحوثي أنه قائد ثورة شعبية وطنية، وتناسى من أدخل في رأسه تلك التسمية وذلك التصور أن أغلب أبناء الشعب لا ينظرون اليه كقائد ثورة وطنية، بل كقائد مجموعة طائفية مذهبية مناطقية، ولا يرون فيه الا زيديته وشماليته وهاشميته. لم يدرك الحوثيون الحساسيات المناطقية والمذهبية والسلالية وتأثيرها العميق على الصراع، وانجروا الى دخول مناطق لا حاضنة شعبية لهم فيها، وتعرضوا جراء ذلك لهزائم وخسائر فادحة في الأرواح، كما خسروا التأييد السياسي الذي كانوا يحضون به في الجنوب والوسط، وأصبح في كل بيت جنوبي ثأر مع الحوثيين، وهكذا الحال في الكثير من المناطق الوسطى وفي الشمال كذلك، وأدت تلك الحروب الى شروخ هائلة في النسيج الاجتماعي اليمني، قسمت المواطنين على اعتبارات عصبوية، ودفعت الكثير للانخراط في الحرب الأهلية تحت تلك العناوين البدائية. *** يحتفل الحوثيون بتاريخ 21 سبتمبر على اعتباره عيد وطني، ويريدون معه إزاحة عيد 26 سبتمبر من الصدارة ومن وجدان اليمنيين وان بشكل غير معلن، ففي قرارة انفسهم يعتبرون يوم 26 سبتمبر انقلاب وان كانوا لا يجرؤون على البوح بذلك علناً، وقرروا مؤخراً اعتماده كإجازة رسمية، فيما لا تعترف أغلب مكونات الشعب بهذه الثورة ولا بزعامة عبدالملك الحوثي، وهنا تكمن النكبة والكارثة، والتي تتلخص في أن الحوثيين –وهم اقلية مذهبية- يريدون اجبار شعب بكامله على تقبل خياراتهم الأحادية معتمدين على القوة المسلحة ومستغلين عدوان خليجي غاشم، ويريدون إعادة عجلة التاريخ الى ما قبل 26 سبتمبر 1962م وان بشكل جديد، جمهورية عاصمتها صنعاء، لكن يديرها السيد من صعدة، ولهذا تحديداً يعتبر غالبية اليمنيون أن تاريخ 21 سبتمبر 2014م يوم نكبة وطنية، بناء على النتائج الكارثية التي أفرزها لا على الشعارات التي رُفعت أثناء الحراك الذي أوصل الى ذلك اليوم، فمتى يتوقف الحوثيون عن الاحتفال بذكرى النكبة وتمجيدها؟، وعليهم أن يعرفوا أن أول تسوية سياسية سيكون على رأس أولوياتها الغاء قرارهم باعتبار تاريخ النكبة عيد وطني واجازة رسمية، وعندها سيدركون كم كانوا حمقى عندما اعتقدوا أنه يمكنهم اجبار شعب بكاملة على خيارات لا يعترف بها ولا يشعر أنه جزء منها، وعندها كذلك سيعرف الجميع كم كانت الخسائر فادحة ومؤلمة، والتي تكبدها الوطن بسبب حماقة الحوثيون تلك، وسيجبرون عاجلاً أم آجلاً على التنازل عنها، وإلغاء ذلك التاريخ من سجل الأيام والعطل الوطنية، حيث أصبح تاريخاً مشؤوماً بسبب نتائجه الكارثية التي أوصل البلد اليها.