الشباب الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم للمطالبة بتغيير النظام خرجوا من الوليمة بخفي حنين بصورة أشعرتهم بالندم على تضحياتهم، ولكن بعد أن وقع الفأس بالرأس خداعاً، وتأكد لهم أن الأحزاب المعارضة التي ركبت موجة الثورة استخدمتهم وقوداً وحطباً لتحقيق ما لديها من الأهداف السياسية المتسترة خلف الشعارات الثورية الفضفاضة بصورة أصابتهم بالصدمة الناتجة عن خيبة الأمل، بعد أن تحولت الثورة إلى أزمة سياسية وتحولت الأزمة السياسية المركبة إلى صفقة سياسية دبرت بين الأحزاب دون علمهم، وتحولت التضحيات إلى غنيمة ألحقت بالشعب والوطن الكثير من الأضرار السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، إلى درجة لم تكن تخطر لشهدائهم على بال، وهم يتقدمون الصفوف وسط حملة دعائية قلبت الحقائق رأساً على عقب وبرعت في استثارة ما لديهم من النزعات الحماسية والانفعالات العاطفية المجنونة، ودفعتهم بقصد أو بدون قصد، وبوعي أو بدون وعي، إلى تقديم كل ما لديهم من إمكانيات الاستعداد للتضحية بالوقت وبالجهد وبالمال وبالدم والروح، ليجدوا أنفسهم أمام نفس الوجوه المتكررة إذا لم يفتقدوا إلى الخبرة، فهم من الذين أكل عليهم الدهر وشرب، لا نجد بينهم أي نوع من أنواع التجديد والتجدد الواعد بتحقيق ما لدى الشباب من التطلعات، باستثناء التداول السلمي للسُلطة الذي حدث بين الرئيس السابق والرئيس الجديد عبدربه منصور هادي.. أقول ذلك وأقصد به حكومة الوفاق الوطني التي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، التي أوكلت رئاستها ونصفها لأحزاب اللقاء المشترك، لم تقدم جديداً شبابياً، فيما إذا علمنا أنها مشدودة إلى الماضي وغير مستعدة للانفتاح على المستقبل والتعامل مع الجديد، في ما جاءت به من القيادات التنفيذية الحالية من التشبيب والتجديد والتغيير، همها الأول والأخير إحلال مبدأ التقاسم والمشاركة محل مبدأ التداول السلمي للسلطة المعبر عن إرادة الشعب، الديمقراطية الحرة.. لقد اكتشف الشباب أن حركتهم العفوية والتلقائية المتأثرة بما حدث في بعض الدول العربية الداعية إلى التغيير الثوري التي استخدمت من قبل القوى التقليدية المنضمة للثورة الشبابية لتحقيق ما لديهم من الأطماع السياسية في السلطة مضافاً إليها ما لديهم من النزعات الانتقامية والثأرية المحصورة في نطاق أشخاص، وتحميلهم كل ما في القواميس السياسية من الإسقاطات المسفة وما أن انتقلت من المعارضة إلى الحكم حتى أدارت ظهرها للشباب المستقلين، وأولئك الذين ينتمون إلى الحراكيين والحوثيين والرابطيين وغيرهم من الجموع المؤيدة من السياسيين ومن المظلومين والعاطلين عن العمل، الذين تسحقهم البطالة ويمزقهم الفقر والظلم، وباستثناء الذين تم توظيفهم بتوجيهات من الرئيس السابق كدفعة أولى، سوف يليها الدفعة الثانية والثالثة، مضاف إليهم الخمسة الآلاف الذين استفادوا من توجيهاته بالحصول على مرتبات الضمان الاجتماعي، لم تقم حكومة الوفاق الوطني بأي جديد، والأسوأ من ذلك أنها لم تلتزم بالإيفاء بما صدر عنهم من التوجيهات الهادفة إلى توظيف جميع الخريجين خلال ثلاثة أعوام رغم ما حصلت عليه من أموال ناتجة عن زيادة خيالية في الأسعار، لأن الحكومة وجدت نفسها منشغلة بالتزامات ونفقات وتعويضات حزبية، ورحلات سياحية وعلاجية وإعفاءات ضريبية والتزامات أخرى كتقاسم الوظائف وتشغيل الحزبيين والأقارب، والدخول في تعاقد وتعهدات مخالفة للدستور والقانون بدون مناقصات تنافسية، والحديث عن تفعيل قانون التدوير الوظيفي الذي صدر في عهد الحكومة السابقة، واتخاذه غطاء لتحقيق ما رسم لها من أجندات حزبية تتنافى مع قانون التدوير الوظيفي ولائحته التنفيذية فيما يحدث من تصفية الحسابات وإقصاءات جماعية للمحسوبين على المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، واستبدالهم بالأسوأ، وأذا أخذنا بعين الاعتبار ما أقدمت عليه حكومة الوفاق الوطني من رفع الدعم بأكثر مرات عديدة مما كانت تطلق عليه الجرع القاتلة، وما ترتب على رفع الدعم عن المشتقات النفطية من زيادة كبيرة في الأسعار، تبين لنا من ثم أن الخطابات الدعائية والسياسية في واد والحقائق المعيشية والاقتصادية والاجتماعية للشعب في واد آخر، يستدل منها على أن العودة إلى ما كان سائداً قبل الثورة المزعومة أصبح هدفاً متقدماً مقارنة مع ما هو كائن في شتى المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والعسكرية، والأمنية...إلخ، من إحلال جماعي للإخوان الإصلاحيين وحلفائهم وشركائهم في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. حتى المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وقرارات مجلس الأمن الدولي، يبدو أنها سوف تخضع لنفس المقاييس التقليدية، في ما نلاحظه على تركيبة اللجنة الفنية التحضيرية من التفاف على الشباب، بل وعلى شركاء التسوية السياسية، حيث يلاحظ أن حصة المؤتمر الشعبي العام وحلفائه أصبحت أقل من حصة التجمع اليمني للإصلاح بواقع 5% للمؤتمر وحلفائه إلى 6% للإصلاح، أما حصة المجلس الوطني للثورة فقد أصبحت خيالية من الناحية النسبية 16%، ولكن معظمهم محسوبون على منظمات شبابية، ومنظمات مجتمع مدني، وتجمعات حراكية لا علاقة لها بالحراك، ولا بالمجلس الوطني لقيادة الثورة التي خرج منها أنصار الله وبعض المنتمين للحراك الجنوبي، لأن الحركة السريعة والنشيطة للإصلاح وساحاته الشبابية هي المستفيدة من ذلك التمثيل الذي لا مجال فيه للاتحادات النقابية الجماهيرية، مثل الاتحاد العام لعمال الجمهورية، والاتحاد العام لنساء اليمن، والاتحاد العام للتعاون الزراعي، والاتحاد العام للعاملين في الثروة السمكية، ناهيك عن الأحزاب والتنظيمات السياسية الجديدة والقديمة التي تطالب بعدالة التمثيل.. أما عن أولئك الذين يطالبون بفك الارتباط والانفصال فحدِّث ولا حرج، برغم الاستجابة لرفع سقف مطالبهم كشرط للدخول في الحراك الوطني، ولكن دون جدوى. لأنهم يتحركون ضمن أجندات خارجية تدل على خطورة التدخلات الإقليمية، ومعنى ذلك أن الشباب غير المعمدين من الإخوان المسلمين، وحامي الثورة يوما بعد يوم، يجدون أنفسهم مستبعدين من كل حساب وكل مشاركة، إلى درجة جعلت البعض يشعرون بالندم على مشاركتهم بالثورة، ولكن بعد فوات الأوان، فنجدهم يقولون بحسرة (ليس بالإمكان أفضل مما كان)، فلا يجدون بديلاً ممكنا سوى الاستمرار بالمعارضة تحت راية أنصار الله، وتحت راية حراكية انفصالية، لاسيما وأن اختلال التوازن بين طرفي التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة قد يدفع المهمشين إلى مواقف رافضة للشمولية الناتجة عن دكتاتورية الحزب الواحد، الذي أظهر قدرة نادرة في براعة التكتيك والمناورة السياسية، سواء في إحكام سيطرته على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية أو سيطرته على مؤتمر الحوار الوطني، لتمكين نفسه من إعادة صياغة ما لدينا من منظومة دستورية وقانونية منفرداً أو بمشاركة صورية لا تحقق قيام الدولة المدنية الديمقراطية، دولة النظام وسيادة القانون، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يخطط له من تجمعات قبلية وتجمعات دينية، تطالب بتمثيل فاعل للمشايخ والعلماء.