قال الملك الفرنسي (لويس السادس عشر) وهو في سجنه بعد أن أيقن أن الثورة الفرنسية كانت في أبعادها الأيديولوجية والسياسية نتيجة طبيعية لما دعا إليه(فولتير) و(روسو) حيث قال متحسراً ولكن بعد فوات الأوان «لقد دمر هذان الرجلان فرنسا», ويعني بذلك تدمير النظام الملكي نتيجة عدم قدرة الأسرة المالكة الفرنسية على الاستفادة من الملكية البريطانية.. وقال القائد العظيم نابليون بونابرت “لقد كان في وسع العائلة الفرنسية المالكة البقاء في الحكم لو سيطرت على الأقلام, وحرية الكتابة،لقد قضى ظهور المدافع على النظام الإقطاعي وسيقضي القلم والحبر على النظام الاجتماعي الحديث”. وقال (فولتير)إن الكتب تحكم العالم, أو على الأقل فإنها تحكم الشعوب التي لها لغة مكتوبة.. لاشيء يقضي على العبودية كالتعليم”.. ولاشيء يؤثر على السياسة كالصحافة المتحررة من الاستبداد. أقول ذلك وأقصد به أن صحافة اليوم غدت هي القوة المعنوية المفجرة للثورات وأن الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة هي الملهم الأكثر تأثيراً لكل الثورات إذا أمكن للسياسيين حسن استخدام الصحافة لتحقيق مالديهم من الأهداف الموضوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية المحققة للتقدم ومايترتب عليه من الرخاء والرفاهية والسعادة، لأن الشرعية الثورية في الإعلام سلاح ذو حدين ، قد يكون أداة للبناء ، وقد يكون أداة للهدم ، قد يكون أداة بيد قوى الثورة لتحقيق ماتتطلع إليه الشعوب والأمم من التقدم والرقي الحياتي والحضاري في نطاق حسن استخدام مالديها من الموارد والطاقات الطبيعية والبشرية وقد تكون أداة بيد القوى المضادة للثورة لتدمير مالدى الشعوب والأمم من الموارد الطبيعية والبشرية بصورة تقلب الرأي العام رأساً على عقب من النقيض إلى النقيض ومن التقدم إلى التخلف ومن الوحدة والأمن والاستقرار والتنمية إلى التمزق والفوضى والدمار والقتل.. الخ. أعود فأقول إن الإعلام في عصر القنوات الفضائية والانترنت والآلات والأدوات التقنية والالكترونية جعل الاتصال بين الأفراد والجماعات والتنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية عملية سهلة تمكن الشعوب والأمم من استخدام حق التظاهر والاعتصام للمسيرات الملايينية المطالبة بإسقاط النظام في الحق والباطل بكل مايحتوي عليه من السلطات الدستورية الملكية أو الجمهورية بكافة مؤسساتها الإدارية، المدنية والعسكرية والأمنية المكتسبة بأقل قدر من التضحيات إلى درجة قد تصل في غياب الضوابط الدستورية والقانونية والتنظيمية إلى حد القضاء على الدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية والعسكرية ،لأنها في غياب الاقتناع بالولاء للمؤسسات الديمقراطية تعجز عن استبدال النظام الأفضل بالنظام الأسوأ.. لأن الفوضى عملية تدمير بطيئة للحياة والحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية والوحدة والأمن والاستقرار.. لاتخلف للشعوب سوى الدماء والدمار والدموع.. فها نحن نلاحظ مايحدث في ماتسمى ببلدان الربيع العربي ،للإعلام وظيفة مضادة لما كان يطلق عليه الثورة لأن الذين استخدموا الإعلام بنجاح تحت شعار المطالبة بإسقاط النظام يجدون أنفسهم عاجزين عن استخدام هذا السلاح للدفاع عن شرعيتهم الثورية الجديدة مثلهم في ذلك مثل من سبقوهم من الأنظمة السابقة المتهمة بالديكتاتورية و الرجعية وقد أصبحوا في نظر الملايين من الفقراء والبؤساء والمحتاجين الذين تحركهم بطونهم الجائعة إلى اتهام الحكام الجدد بالفساد وباستخدام الديمقراطية وسيلة ديكتاتورية لأخونة الدولة وتمكين الأحزاب الإسلامية المنظمة من حصد النجاح في سياقات انتخابية مستبدة عجزت فيها الملايين غير المنظمة عن حصد ماهي بحاجة إليه من القيادات الشبابية والثورية ، لأن السلطة الجديدة التي وعدت الدهماء بمنجزات أقرب إلى المعجزات الأسطورية والخيالية غير القابلة للتحقيق في غياب الحد الأدنى من الأمن والاستقرار وضياع هيبة الدولة ،ناهيك عن محدودية وضعف الموارد المادية الجاهزة والوفيرة طبقاً لما صدر عنها من الوعود الزائفة التي تحولت في ظل السلطة إلى سلسلة من الكذب والخداع والسرقة للثورة. أقول ذلك وأنبه الحركات الإسلامية التي نجحت في استخدام عواطف العامة من الشباب حطباً لما رفعته من الشعارات الثورية المحاكية للخيال ولم تفكر في إشراك الشعوب بما حققته من المكاسب والغنائم التي حولتها من المعارضة المطلقة إلى سلطة مطلقة غير آبهة بما انتهجته من أساليب ووسائل انتهازية انتخابية لاترتقي شرفاً ونبلاً إلى مستوى الغايات الثورية المحكومة بسلسلة من المبادئ والقيم والمثل الوطنية والأخلاقية الرفيعة والموجبة للاحترام المجسد للثقة المستمدة من المصداقية ،لأن الحكام الجدد الذين استخدموا كل أنواع الخداع والزيف والكذب في ساحة المعارضة أصبحوا مضطرين إلى اتهام ثوار الأمس ومعارضة اليوم بما لديهم من المصطلحات التي أتقنوا إسقاطها على خصومهم ممن أطلقوا عليهم «بلاطجة» منكرين عليهم حقهم في المواطنة المتساوية، لأن بلاطجة الأمس قد تحولوا بالتأكيد إلى احتياطي يرفدون به ثوار اليوم, دون خوف من أي عقوبات أمنية وجزائية وقضائية محتملة. وعوداً على بدء أقول للإخوان المسلمين في الوطن العربي صادقاً ومخلصاً إنهم بحاجة إلى استعادة ماتجاهلوه من الدروس والمواعظ التاريخية وسيجدون بالتأكيد أن فلاسفة الأنوار الفرنسيين الذين استطاعوا دغدغة العواطف الثورية الكامنة للشعوب والأمم بحدود مالدى أبنائها من قدرة ثقافية وسياسية على الكتابة واستيعاب النظريات الثورية والأيديولوجية, مالبثوا بعد سقوط الملكية الفرنسية واستبدال الأنظمة الجمهورية الثورية بالأنظمة الملكية الرجعية البائدة إلى إرهابيين أفرطوا في الاستخدام المستبد للشرعية الثورية في زج البلاد إلى سلسلة من الصراعات والحروب الفوضوية الدامية والمدمرة إلى درجة جعلت الأمة الفرنسية تتراجع من النظام الجمهوري إلى النظام الامبراطوري ومن النظام الامبراطوري إلى النظام الملكي على نحو يكشف لنا تاريخ الثورة الفرنسية الكبرى يتكون عن خمس جمهوريات في ثورة ليبرالية واحدة.. لأن استبدال القداسات الثورية المتموضعة تحت عباءة رجال الدين الاقطاعيين الذين حاولوا التكيف مع الجديد الليبرالي مالبثوا أن فقدوا مبرر وجودهم تحت ضربات البرجوازية الليبرالية الجديدة التي استطاعت المضي قدماً في الفصل بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية وبين الدين وبين الدولة ،جاعلة الوطن للجميع والدين لله وحده على نحو لامجال فيه لإشهار سلاح القداسة الدينية والشرعية الثورية بوجه المنافسات الليبرالية الانتخابية المستندة إلى المواطنة المتساوية والمتوازنة بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة والدولة المدنية الحديثة دولة النظام وسيادة القانون.