يشيع التكفير في عصور التخلف والانحطاط والجهل والصراعات السياسية، وعندما يتسيد الاستبداد الفكري والسياسي والتعصب الديني والادعاء بالاصطفاء.. المكفرون ينطلقون من فكرة كونوها عن أنفسهم، وهي أنهم مختصون بفهم الشريعة ومعرفة القصد الإلهي، يقولون: "نحن لا نُكفّر إلاّ من كفره الله ورسوله".. يعتبرون ثقافتهم هي الثقافة الصحيحة، وآراءهم هي أحكام الله، فمن خالف وجهات نظرهم كفروه، ومن قدّم أفكاراً لا تروق لهم كفروه، ومن خرج عن المألوف أو ابتداع وأبدع جديداً كفروه، ومن قال بالدولة المدنية كفروه، ومن أنكر باطلهم نسبوا إليه الإساءة للمقدسات وكفروه.. ومن سخريات القدر أن المكفرين وجدوا من يكفرهم أيضاً. يقال إن الخوارج كانوا أول المكفرين، وقبلهم لم تكن ظاهرة التكفير موجودة، ومعروف أن صحابة هاجمهم القرآن، وخرجوا عن طاعة الرسول، ومع ذلك لم يكفر أحد منهم.. برزت ظاهرة التكفير في زمن الخوارج الذين وضعوا قضية التدين في حالة الاختبار، والوصاية على الضمير الديني، كما قال عابد الجابري: وما قادهم إلى ذلك هو السياسة وليس الدين، ولكن المكفرين اليوم أجرأ على التكفير من الخوارج، وطوائف المكفرين أكثر من فرق الخوارج.. لقد استخدم التكفير سلاحاً لقهر الخصوم السياسيين أو التخلص منهم، وليس له علاقة بالحمية الدينية ولا بالدين، بدليل أن كثيراً من الفقهاء الأولين تم تكفيرهم من قبل من هم أقل منهم شأنا.. فقد رُمي بتهمة التكفير الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أبي حامد الغزال، والإمام ابن تيمية رائد التكفيريين، وفي القرن الماضي كفر الإمام محمد عبده أفقه فقهاء عصره، وفي عصرنا هذا وجد من يكفر رجال دين مصريين وسعوديين كبار بمن فيهم عبدالعزيز بن باز، وعبدالعزيز آل الشيخ، بل أن إمام السلفيين محمد بن عبدالوهاب وجده من يكفره.. ورغم أن رجال الدين السلفيين يدعون أنهم يتشددون في أمر التكفير، ويزعمون أنه خطير، وله ضوابط شرعية، فإنهم من الناحية العملية يكفرون بسهولة، بل أن رئيس جماعة سلفية يكفر رئيس جماعة أخرى، وفي اليمن شواهد كثيرة لذلك.. في مصر قرر الشيخ محمد خميس العزمي منظر حركة التوحيد والجهاد أن الرئيس المصري محمد مرسي كافر حتى لو طبّق 99.99% من الشريعة، وجماعة الإخوان كفار والسلفيين الذين قبلوا بالحل الديمقراطي كفار، وهذا الدكتور سيد إمام الشريف منظر الجهاديين يجزم بكفر الشيخ السلفي المشهور محمد حسان..