تعافى الرئيس المصري حسني مبارك من الجراحة التي محمد صلاح أجراها في أحد المراكز الطبية الألمانية لاستئصال المرارة، وفي غضون أيام قليلة سيعود إلى بلاده لمباشرة مهام منصبه الرفيع. صحيح أن الشفافية التي تعاملت بها السلطات المصرية مع مرض الرئيس بددت الشائعات وقطعت الطريق على اجتهادات وسائل الإعلام في اختلاق قصص وروايات وحكايات بدافع الإثارة أو السبق، لكن الصحيح أيضاً أن الخبر حظي باهتمام بالغ في وسائل الإعلام العالمية بالطبع، ليس لأن مبارك رئيس لأكبر دولة عربية فقط، ولكن أيضاً لأن التساؤلات حول مستقبل الحكم في مصر مطروحة منذ سنوات، ولم تكن الإجابات عليها مقنعة للجميع، سواء الذين يتصيدون اخطاء الحكم أو حتى القلقين على مستقبل البلد من مؤيدي الحكم نفسه . لم يكن خبر تفويض مبارك صلاحياته لرئيس حكومته الدكتور أحمد نظيف جديداً، فتلك هي المرة الثانية التي يلجأ فيها الرئيس المصري إلى ذلك الإجراء، وكانت الأولى في حزيران (يونيو) 2004 عندما أجرى جراحة في الغضروف، وفوض رئيس الحكومة آنذاك الدكتور عاطف عبيد ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية. والملفت أن عبيد ترك موقعه بعدها بشهر واحد في تغيير وزاري أفضى إلى تعيين نظيف في موقع رئيس الحكومة. في العهد الناصري وأثناء فترة حكم الرئيس أنور السادات كان نائب رئيس الجمهورية يتولى صلاحيات الرئيس عند غيابه لأي سبب، ولكن بعد قرار رئاسي مماثل بتفويضه صلاحيات الرئيس. ولكن لأن مبارك لم يعين نائباً له طوال فترة حكمه منذ عام 1981 فإن الإجراء الاستثنائي يفضي إلى تصعيد رئيس الحكومة ليتولى رئاسة الجمهورية بصورة موقتة حتى عودة الرئيس. ولا شك أن الحراك السياسي الذي تشهده مصر منذ بداية الألفية الثالثة وارتفاع لهجة المطالبة بالتغيير والإصلاح السياسي والذي أفضى إلى تعديل دستور عام 1971 حين دعا مبارك عام 2005 المواطنين إلى الاستفتاء لجعل اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح بدلاً من نظام الاستفتاء الذي كان معمولاً به من قبل، وكذلك تداول وسائل الإعلام أسماء ترى أن أصحابها يصلحون كرؤساء، والمطالبات بتعديلات دستورية أخرى لتخفيف القيود على عملية الترشيح، كلها معطيات زادت من الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. وبالطبع فإن معدلات الحديث تزيد كلما مرض الرئيس حتى لو كان المرض بسيطاً. ومقابل الأسماء التي تقدمها وسائل إعلام، وبينها المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي الذي دشن نهاية الشهر الماضي مع عدد من مناصريه حملة للمطالبة بتعديل الدستور، فإن الحزب الوطني الحاكم الذي يترأسه مبارك لم يعلن صراحة اسم مرشحه للانتخابات الرئاسية، لكن كان ملفتاً أن صحافيين اعتبروا في مقالات نشروها أخيراً أن خطبة ألقاها مبارك في مدينة بني سويف التي زارها الأسبوع الماضي هي بمثابة برنامج جديد له، ما أعطى إيحاءات بأن الحزب استقر على إعادة ترشيح مبارك لفترة ولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأن ما طرح في بني سويف ليس برنامج عمل وإنما برنامج انتخابي لفترة ولاية أخرى.
قد تكون تلك مجرد اجتهادات صحافية لكن ورودها في صحف قومية زاد من القناعة بأن الرئيس المصري ينوي ترشيح نفسه مجدداً وأن الحديث عن نية الحزب الوطني الحاكم طرح جمال مبارك كمرشح للرئاسة ليس إلا توقعات ظلت في الأذهان أو الصفحات أو الشاشات من دون أن تتحول الى واقع. لكن تبقى قضية نائب الرئيس مطروحة على رغم تحفظ غالبية أطراف اللعبة السياسية عليها، فمبارك برر عدم تعيينه نائباً له بأنه أراد ألا يفرض رئيساً في المستقبل على المصريين، كما أن غالبية قوى المعارضة تعتبر أن نائب الرئيس هو الرئيس المقبل مهما كانت طبيعة المنافسة مع باقي المرشحين، وعلى ذلك فإن عدم تعيين نائب للرئيس هو إجراء ديموقراطي. لكن طالما بقي القلق واستمرت المطالبة بمزيد من الديموقراطية، فإن وجود نائب للرئيس بات أمراً ملحاً إلى أن يتحقق تقدم ديموقراطي آخر يزيل القلق وينهي الجدل حول المستقبل.