تتحدث بثقة كبيرة في النفس، حياؤها لا يحجب نظرتها الرزينة، وحيويتها تلون رنين كلماتها مقرونة بحركات يديها التعبيرية، واسترسالها في الحديث عند الإجابة عن كل سؤال طرحناه عليها يشي بأنها امرأة لديها دوما ما تقوله.. تعبر عن طموحها اللامتناهي متحررة من أي تحفظ حتى وإن كان في الأمر ما قد ينزعج له رئيس عملها. ومن حق الرئيس التنفيذي ل»فودافون قطر»، غراهام مار أن يخاف على منصبه، لأن «نوف السليطي» لن تقنع بمنصب مدير الشؤون القانونية للشركة، بل تتطلع لما هو أعلى ولا تخفي رغبتها في أن تصبح يوما مديرة لشركة اتصالات بسمعة عالمية ووجود قوي محلي مثل «فودافون قطر». رغم أنها حديثة العهد بقطاع يعد فيه التحكم في تكنولوجيا معقدة على قدم المساواة مع المهارات الإدارية في الطريق نحو منصب القيادة، ولكنها واثقة من قدرتها على التعلم بسرعة، ومن أن إصرارها الدائم في المضي قدما كثيرا ما آتى أكله وجعلها تنال ما تنشده. نوف السليطي، مديرة الشؤون القانونية تحمل حاليا راية تمثيل المرأة القطرية وقطر ككل في مسابقة «المرأة الأكثر إلهاما في الشرق الأوسط» التي تنظم من قبل «فيلاديلفيا» وشاركت في لجنة التحكيم لها عدة شخصيات فاعلة في العمل الخيري والاجتماعي في المنطقة. نوف لا تصدق إلى الآن أنها بلغت المنافسة النهائية للمسابقة؛ حيث أصبح التباري منحصرا بينها وبين كل من: سحر شيخ من الإمارات العربية المتحدة ودينا أحمد الجيران من الكويت على لقب المرأة الأكثر إلهاما، وتعتبر أن مجرد الوصول إلى هذه المرحلة النهائية من المسابقة يعد شرفا لها، ويثبت من جديد قدرات المرأة القطرية في تقديم الأفضل، خصوصا وأنها بنت الربيع ال26 تتنافس مع سيدات لهن باع وخبرة مهنية كبيرة، لكن ما حققته في فترة قصيرة بعد ولوجها عالم الشغل يضاهي ما يحققه الكثيرون عندما يصيرون في خريف مسارهم المهني على أبواب التقاعد. تؤكد نوف أن محيطها الاجتماعي في أسرة اعتبرت دوما أن التعليم أهم شيء في حياة أبنائها، لعب دورا رئيسا في تكوين شخصيتها التي صقلتها بانفتاحها على ثقافة عالمية من خلال دراستها في بريطانيا. واختيارها تخصص القانون الذي ينفر منه الكثيرون يجد لدى نوف السليطي جذوره في كونها منذ الصغر دأبت على أن يكون لها رأيها في كل قضية، وأن تدافع عنه بحماس وتحشد له رتلا.. بل فيلقا من الحجج والأسانيد، وتعتبر أن ميزتها المهنية في تخصصها القانوني تكمن في إلمامها بأسس القانون الدولية التي نهلتها خلال دراستها في رابع أكبر جامعة للعلوم القانونية في المملكة المتحدة، مقرونة بالخبرة والاطلاع المتعدد القطاعات التي اكتسبتها في القانون القطري خلال فترة عملها القصيرة نسبيا (خمس سنوات تقريبا) في قطر. طموح نوف نحو معالي الهيكل الإداري في موقع عملها لا يطفئ فيها حبها لمهنتها الأصل «المحاماة»، وتتوق إلى أن تساهم في تطويرها في قطر، وتعزيز مكانة المحامين القطريين. ولاكتشاف شخصية نوف السليطي المتميزة التي أصبحت بشكل سريع ومفاجئ تحت الأضواء تابعوا هذا الحوار معها. ماذا يمثل لك بلوغك المرحلة النهائية من مسابقة "المرأة الأكثر إلهاما في الشرق الأوسط"؟ - أعتبر هذا شرفا كبيرا لي، وأصدقكم القول أنني تفاجأت كثيرا عندما أعلن أنني ترشحت للمنافسة النهائية في المسابقة، وقد لا تكفي عبارة "متفاجئة" بل أنا "مصدومة"، فحين اقترح علي ترشيحي للمسابقة لم أكن أتوقع بتاتا أن أجتاز التصفيات الأولية، وأنا في سني هذه الصغيرة في مواجهة أكثر من 45 امرأة من عدة جنسيات من مواطنات مجلس التعاون والمقيمات فيه، وكلهن تقريبا لديهن سنوات من العمل المهني أو من المساهمة في النشاطات الاجتماعية والخيرية، ولكنني حظيت بدعم كبير من زملائي في الشركة وأهلي وأسرتي ومن سكان قطر وحتى من أشخاص من خارج قطر، كلهم صوتوا لصالحي على الموقع www.spreadphiladelphia.com، معبرين عن إعجابهم بما حققته في هذه السن الصغيرة والفترة الزمنية القصيرة من عملي. وكيف تم ترشيحك لدخول هذه المسابقة؟ - الأمور جاءت مصادفة، فقد طلب مني أحد الزملاء في العمل أن أقدم لشقيقته بعض النصائح بخصوص رغبتها في مواصلة دراستها الجامعية في تخصص القانون، وقد قمت بذلك بحماس وسرور كبيرين نظرا لحبي لمهنتي، وبعد أيام اتصلت بي إحدى المسؤولات في "مؤسسة قطر" وقالت إن شقيقة زميلي في العمل حدثتها عني وعن حماسي لعملي وما حققته إلى الآن، فاقترحت المسؤولة أن ترشحني ضمن مسابقة "المرأة الأكثر إلهاما في الشرق الأوسط" لتمثيل قطر، فوافقت لأن هذا التمثيل شرف بحد ذاته، وفاقت نتائج التصويت كل توقعاتي ودخلت المنافسة النهائية بين ثلاث سيتم اختيار إحداهن للفوز باللقب. حدثينا عنك وعن مسارك حتى وصلت إلى المنصب الذي أنت فيه الآن؟ - لقد نشأت في أسرة يعتبر فيها والداي أن التعليم والشهادة أهم ما في حياة الأبناء، وكانا يقولان لنا دوما: يجب أن تجتهدوا في الدراسة حتى تتمكنوا من بناء أنفسكم بأنفسكم، وتعتمدوا على قدراتكم في صناعة مستقبلكم. والحمد لله أننا كلنا أبناء الأسرة كنا متفوقين في الدراسة. وكان والداي مهتمين بأن تكون ثقافتنا نحن الأبناء منفتحة على العالمية، وعلى هذا الأساس تم تسجيلي في مدرسة بريطانية بالدوحة، وأنهيت الدراسة بتفوق مما مكنني من بعثة دراسة شاملة في الخارج، قدمتها لي شركة نفطية قطرية، وسافرت لإكمال دراستي الجامعية في تخصص القانون في جامعة "كورديف" التي تعد رابع أفضل جامعة تدرس القانون في المملكة المتحدة. وقد كانت هذه المرحلة مهمة ليس فقط في حياتي التعليمية ولكن أيضا في تكوين شخصيتي؛ حيث كانت مرحلة تعلمت فيها الكثير عن الحياة وتعلمت الاعتماد على نفسي. لماذا اخترتِ تخصص القانون؟ - لأنه يناسب شخصيتي، فأنا من النوع الذي يملك دوما وجهة نظر خاصة ويدافع عنها، ويحاول أن يثبتها، وهذه التركيبة تتناسب مع روح القانون، كما أنني أعتبر أن القوانين هي عماد الحياة والتي لا يمكن أن تستقيم من دونها. وما هي الشهادة التي حصلتي عليها بعد انتهاء دراستك في بريطانيا؟ - شهادة في الحقوق، أي أنني أصبحت مؤهلة لممارسة مهنة المحاماة. وبعد عودتك لقطر، أين كانت خطوتك المهنية الأولى؟ - طبعا أنا حصلت على بعثة دراسة من الشركة النفطية القطرية باتفاقية وقعتها تقضي بأن أباشر عملي في الشركة عند انتهاء دراستي. وكنت أول امرأة قطرية تشتغل في الشؤون القانونية في هذه الشركة، وأصغر موظفة فيها؛ حيث كنت أبلغ من العمر 21 عاما، وكل من حولي تقريبا ممن اشتعل الشيب في رأسه ويحمل خلفه سنوات من الخبرة. وقد حاولت جهدي من أجل أن أفرض نفسي في الإدارة التي كنت أعمل بها، وبالطبع واجهت بعض الصعوبات... (مقاطعا): واجهت صعوبات لأنك كنت صغيرة السن أم لكونك امرأة؟ - (تضحك) كليهما، حسبما أعتقد، ولكنني تمكنت من تحقيق ذاتي وفرض نفسي من خلال تميزي في عملي وإصراري، وبسرعة اندمجت مع المحامين والمستشارين القانونيين بالشركة، وأصبح الجميع يساعدني ويعترف بكفاءتي. وقد اشتغلت في هذه الشركة الكبيرة لمدة قاربت 4 سنوات. ثم انتقلت مباشرة للعمل في "فودافون قطر"؟ - نعم، وكانت "فودافون قطر" هي من اتصلت بي، فقد كانت الشركة تبحث عن كفاءات قطرية لشغل بعض المناصب الرئيسة، من منطلق اهتمامها بتشجيع هذه الكفاءات، وقد أجرت الشركة عدة مقابلات مع محامين قطريين أغلبهم ذوي خبرة كبيرة في الميدان، وكانوا لم يتخذوا قرارا بتوظيف أحدهم عندما اقترح عليهم أحد مكاتب المحاماة التي تتعامل معهم شركة النفط التي كنت أعمل بها اسمي من خلال معرفته بي في أثناء تعاملات إدارتنا مع هذا المكتب، وبسرعة قرر مسؤولو "فودافون قطر" الاتصال بي ومقابلتي، لأنني أستجيب لعنصرين هامين في معايير التوظيف لديهم: أنني امرأة قطرية تمتلك كفاءة وخبرة مهنية، وأيضا لأنني شابة في مقتبل العمر، لأن الشركة ترغب في إعطاء صورة ديناميكية وحيوية عنها من خلال طاقمها الشاب، ونسبة الغالبية من موظفيها حاليا هم من الشباب. وهل كنت متحمسة للعمل في "فودافون" وأنت خبرتك القانونية كانت في القطاع النفطي؟ - بالفعل بدا لي الأمر في البداية بعض الشيء مخيفا، فرغم أن تكويني القانوني في جامعة "كورديف" صلب، إلا أن خبرتي العملية الفعلية كانت في قطاع النفط والذي لا يشبه كثيرا قطاع الاتصالات بتشعباته التكنولوجيا وقضاياه القانونية المركبة، كما أن المتعارف عليه في الخليج عموما هو أن قطاع النفط والغاز هو أهم القطاعات الاقتصادية وأفضل المسارات المهنية، ولكنني آنست في هذه الشركة توافقا مع شخصيتي وإمكانات كبيرة للتطور، وأهم ميزة في الشركة أنها تبث هذه الروح الحيوية التي تميزها، بالإضافة إلى أنها شركة دخلت السوق القطرية وهي تحمل شعار "خلق عالم من الاختلاف لسكان قطر". وبعد المقابلة تلقت اتصالات بقبولي وتوظيفي مديرة للشؤون القانونية ووضعوا ثقتهم في، مما حفزني بشكل أكبر لتقديم الأفضل. ماذا قدمت لك وظيفتك الجديدة؟ - أهم شيء أنني صرت أشعر بأنني جزء من هذا الهدف لإحداث الفرق في حياة الناس في قطر، لأن "فودافون قطر" إلى جانب كونها شركة تجارية تسعى لتحقيق الربح فإنها تبنت لنفسها فلسفة في أن تجعل الناس في قطر يشعرون بالفرق، ويستفيدون منه في حياتهم، وكأبسط مثال أشير إلى العروض الخاصة بالمكالمات الدولية والتي فعلا أحدثت الفرق بالنسبة لسكان قطر؛ حيث مكنت الجميع من التواصل بشكل كبير مع الأهل والأصدقاء خارج قطر، خصوصا أولئك الذين لم يكن يسمح دخلهم المحدود من عمال المناطق الصناعية من تخصيص ميزانية كبيرة للاتصال بالعائلة في البلد الأصلي بشكل يأخذون فيه راحتهم في الحديث مع الجميع والاطمئنان على أحوالهم. وهكذا فإنني أشعر أنني من خلال العقود التي أشرف على تدقيقها وتوقيع "فودافون قطر" عليها مع مختلف الشركات والجهات الخارجية، أساهم من موقعي في تغيير واقع الناس في قطر وأقدم خدمة لبلدي أيضا. يعني أنك كنت مشرفة بشكل مباشر على العقود التي وقعتها "فودافون قطر" مع مختلف شركائها في الدول الأخرى، من أجل توفير المكالمات الدولية بالأسعار غير المسبوقة التي تقدمها بها؟ - نعم فكل هذه العقود وعقود التجوال الدولي أشرفت على إعدادها وتوقيعها إدارة الشؤون القانونية التي أرأسها، وخلال فترة عملي في "فودافون قطر" أشرف على أكثر من 500 اتفاقية وقعتها الشركة خلال عامين. وهل كانت بداية عملك في شركة الاتصالات سهلة بالنسبة لخبيرة قانونية قادمة من قطاع النفط؟ - لم يكن الأمر سهلا، ولكنني أعتبر أن التجربة جد مثمرة ووسعت آفاقي بشكل كبير، فمنذ البداية كان لزاما علي أن أعمل مع جميع أقسام الشركة، فلا ينحصر العمل في الشؤون القانونية للموظفين أو المعاملات الحكومية، ولكن الأمر متشعب بشكل كبير فهناك الجوانب القانونية المتعلقة بالتكنولوجيا والبنية التحتية والسياسة التجارية وغيرها. وهكذا فقد عملت مع قسم التكنولوجيا ومع قسم المشاريع ومع كل أقسام الشركة، بل أشتغل مع الأقسام المختلفة لشركة اتصالات من الألف إلى الياء. وقد بذلت كل جهدي حتى أتمكن من فهم كل عناصر عمل شركة الاتصالات، ليس من أجل مهنتي كمحامية فحسب ولكن من أجلي أنا كشخص يرغب في التطور. وفي الوقت نفسه أنا أعمل حاليا على صقل مهنتي الأساسية؛ حيث إلى جانب عملي في شركة "فودافون" أتدرب في الوقت نفسه لدى مكتب محاماة كبير بناء على اتفاقية مع الشركة لأكتسب خبرات أكثر لا تقف عند مجال الخبرة القانونية في قطاع الاتصالات، لأن الشركة مهتمة بتطويري أنا لنفسي أيضا وليس فقط بأداء عملي الذي كلفت به. هل تعتبرين أنك تمثلين نموذجا لنجاح المرأة القطرية؟ - أتمنى ذلك، لأنني أعتقد أنه في قطر يتم التركيز على مجموعة محدودة من الشخصيات الناجحة ويشار إلى ما حققوه، فيما يتم إهمال إنجازات الكثيرين ممن يبذلون جهودا كبيرة لتطوير أنفسهم وإبراز قدراتهم، وأتمنى أن يكون للاهتمام الذي أصبح حولي أنا بعد دخولي المسابقة، دور في فتح المجال لإظهار كل تلك الكفاءات والطاقات التي لم تسلط الأضواء عليها لحد الآن. ما هي حدود طموح نوف، هل وصولك إلى هذا المنصب في شركة كبيرة ومهمة، وما تعتقدين أنك تقدمينه لسكان قطر يمثل قمة ما تطمحين إليه؟ - لا طبعا، فأنا طموحي بلا حدود رغم أنني أثق بأن كل شيء يجب أن يتحقق خطوة خطوة، ويحتاج مني المزيد من العمل والاجتهاد، ولما لا مثلا أن أصل يوما لمنصب مدير أو رئيس شركة "فودافون قطر". وكيف ترين وضع المرأة في قطر ودورها في الحياة الاجتماعية والقطاع الاقتصادي خصوصا؟ - وضع المرأة القطرية جيد ودورها قوي في الحياة الاجتماعية والاقتصاد، فالمرأة القطرية تعمل وتثبت نفسها، لكن لا تزال بحاجة إلى المساهمة بشكل حاسم أكثر في الإنجازات التي تحققها دولة قطر، وأعتقد أن هناك إرادة سياسية كبيرة لدعم المرأة في قطر وإعطائها دورا أكبر في بناء الوطن، وما عليها سوى المضي قدما وإثبات جدارتها وتبوء مكانتها. وكيف ترين وضع مهنة المحاماة والاستشارات القانونية في قطر؟ - الحقيقة أن هناك اعتمادا كبيرا جدا في قطر على مكاتب المحاماة الأجنبية، والواقع أن عدد المحامين القطريين ضئيل جدا، فقد جربنا أنا وبعض الزملاء المحامين القطريين تأسيس جمعية للمحامين إلى جانب النقابة لتكون هذه الجمعية مكانا يلتقي فيه المحامون القطريون مرة كل شهر لبحث ومناقشة آخر القوانين الصادرة، واتضح لنا بعد إحصاء المحامين القطريين أن عددهم قليل جدا، والسبب يرجع إلى العزوف نوعا ما عن دراسة تخصص القانون في قطر، فهذا التخصص لا يزال ضعيفا في جامعة قطر، وأعتقد أن هناك مشروعا لتطويره وتحديث مناهجه، في المقابل لا يرغب الكثير من الأولياء في ابتعاث أبنائهم للدراسة في الخارج بعيدا عنهم في الغربة، وعليه، فإن هناك عجزا في تكوين خريجي القانون القطريين.