احتفلنا بعيد الجلاء، وهو من أجمل الأعياد، لأنه عيد استقلال من احتلال دام مائة وثلاثين عاماً.. رحل الاستعمار وحلَّ استعمار آخر.. ويحضرني هنا صوت الرائي عبدالله البردوني وهو يقول: خُطى أكتوبر انقلبتْ... حزيرانية الكفنِ.. فمن مستعمرٍ غازٍ ... إلى مستعمرٍ وطني. لم يكن الاستعمار سيفعل في عدن ما نفعله نحن الآن فيها.. فمن مسلسل نهب الأراضي، إلى التفجيرات، إلى الحراكات، إلى المطالبة بالانفصال، إلى استيطان القاعدة واتخاذ عدن وأبين وغيرهما بؤرة لتفريخ الإرهاب. ماذا لو بقي الاستعمار إلى اليوم.. هل ستكون عدن على ما هي عليه الآن، أم أنها ستكون في حال أفضل!! القصد من هذا الكلام أننا نقسو على أنفسنا أكثر ممَّا يقسو علينا المحتل والمستعمر. لقد كان ميناء عدن الثاني على مستوى العالم، بعد ميناء نيويورك من حيث الحركة التجارية.. وكان أول ملعب لكرة القدم في عدن، وأول بنك في الشرق الأوسط كان في عدن عام 1905م.. وأول شركة طيران مدنية كانت في عدن عام 1941.. وفي عدن تأسس أول مسرح وأول دار عرض سينمائي وأول شركة إنتاج للاسطوانات.. وأول طائرة مدنية هبطت على أرض الجزيرة العربية كانت في عدن عام 1919م.. أتذكر مقالاً كتبته الأديبة غادة السمان حين زارت عدن، شكرت فيه الاستعمار.. كانت تتمشَّى في عدن فسألت عن الرصيف البحري، فقيل لها بناه الاستعمار، وسألت عن ساعة بيج بن عدن، وهي أكبر ثاني ساعة في العالم، فقيل لها الاستعمار.. وسألت عن المتحف وعن البريد، وكلما سألت عن شيء يقولون لها بناه الاستعمار.. وحين عادت إلى ديارها كتبت مقالاً عنوانه "شكراً للاستعمار".