خلافًا لما ظلّ سائدًا خلال سنوات طويلة، يبحث المثليون في الجزائر على إبراز تواجدهم هناك، على الرغم من الشعور العام السائد النابذ لوجودهم والذي يصنفهم كفيروس ينبغي استئصاله طالما أنّ المثلية تعتبر في الجزائر مرضًا مشينًا ومخجلاً، وبعدما كانت مجالس المثليين تقتصر على ظهور محدود في بعض الصالونات والشوارع، صار هؤلاء ينشطون بشكل أوسع من خلال واجهات جمعوية والكترونية، كما امتد ظهور المثليين إلى أكثر الشوارع شهرة في الجزائر، ما يمثل بحسب مراقبين محاولة من هذه الشريحة لكسر أخطر طابور على الإطلاق في الجزائر. "إيلاف" تسعى في التحقيق التالي للتعريف براهن المثليين في الجزائر، وما يتصل بهم من عوالم وطقوسيات خاصة.
تزايد في العدد وتنّوع في الحضور تفتقر الجزائر إلى إحصائيات رسمية بشأن إجمالي المثليين هناك، وإذا كانت مراجع محلية اشتغلت على الملف تتحدث عن مئات الآلاف، فإنّ الموقع الالكتروني ل"المِثليين الجزائريين"، يشير إلى نصف مليون مثلي في مجتمع جزائري قوامه 36 مليونًا، ويستوعب العدد المذكور المثليين وكذلك المثليات أو من تُعرفن ب(السحاقيات). بيد أنّ كثيرًا من المراقبين يشككون في صدقية هذا الرقم ويرونه مضخّمًا ومبالغًا فيه، خصوصًا أنّ ظاهرة المثلية في الجزائر لا تزال سرية ومُحاطة بسياج ضخم من المحاذير والمحظورات، حتى وإن كانوا يؤيدون فكرة تزايد عدد المثليين، والدليل على ذلك تواجدهم الملحوظ على أكثر من صعيد. وإذا كان الغوص في عالم المثليين مُتاحًا إلى حد ما ولو بشكل نسبي، على الرغم من تحفظات المعنيين وصعوبة التعاطي معهم، فإنّ منظومة المثليات مُمعنة في السرية والولوج إليها ليس بالأمر الهيّن، فعدا بعض السحاقيات ممن تجاهرن علنًا بميولها إلى بنات جنسها، تفضّل أغلبيتهنّ التواري والركون إلى مناطق الظلّ. قصدنا صالونًا للشاي وسط العاصمة بعدما علمنا بتوافد المثليين إليه كل مساء، وعقب كثير من التردّد، وافق (ع/ط) (27 عامًا) على التحدث إلينا: "أميل إلى بني جنسي منذ حداثة سني، حاولت التخلص من مثليتي أمام حملات الزجر والكراهية، إلاّ أني لم أفلح، أرى أنّ المثلية مترسخة في، ويستحيل عليّ التخلص منها". بدوره، قال (م/ك) 33 عاما:"نلتقي في نواد ليلية في الغالب، وأعيش مع صديق لي في مكان غير بعيد، نتعاشر عاديًا، لكنّ الخوف يتملكنا، هنا سطوة القانون واحتقار الناس يجعلنا نعيش كابوسًا دائمًا". ومع أولى خيوط الليل، انتقلنا إلى الواجهة البحرية للعاصمة التي تحفل عادة بعشرات المثليين الذين يجوبون حي تافورة بألبستهم الضيقة ومشيتهم المثيرة وأصواتهم المخلطة بقهقهات متعالية في صخب، اقتربنا منهم، وبجانب رفضهم التعريف عن أسمائهم وأسباب تواجدهم في المكان، صرحوا بأنهم يأتون دوريًا من أجل العثور على زبائن (..)، وراح أحدهم يردد:"أتركونا نعيش سعداء بعيدًا من الأعين"، في تصرف يبعث على الاعتقاد أنّ المثليين يفضلون الانعزال على الرغم من أنّ واقعهم الجديد يؤكد العكس، ومع ذلك يبقى الغموض يلف عالمهم المعتّم.
العقاب سيّد على الرغم من الفراغ القانوني
المتفحص لقانون العقوبات الجزائري، لا يجد أي نص يتحدث عن المثليين وكيفية التعاطي معهم، لكن المشرّع الجزائري يسمي المثلية "شذوذا"، وعلى هذا الأساس يتم الاستناد إلى المادة 338، لفرض إجراءات ردعية ضدّ كل من ارتكب فعلا من أفعال المثلية الجنسية، تصل إلى السجن سنتين مع دفع غرامات مالية بين خمسمائة وخمسة آلاف دينار جزائري. وينقسم القانونيون إلى فريقين بشأن هذه المقاربة التشريعية، حيث يرى فريق من القانونيين أنّ العقاب ضروري لتحصين المجتمع في بلد دينه الإسلام"، بينما يعارض قطاع آخر هذه التدابير العقابية، ويفضل إلغاء عقوبتي السجن والتغريم، ويرى المحامي عبد الحميد كروش أنّ "تجريم المثليين وإدانتهم" لن يثمر شيئا، لذا يطالب ببحث المسألة من باب كون هؤلاء "ضحايا" و"أسرى لانغلاق نفسي واجتماعي".
7 واجهات ترافع لأجل المثليين على الرغم من أنّ عالم المثليين في الجزائر لا يزال موغلاً في السرية، إلاّ أنّ مراجع محلية تؤكد أنّ هذه الشريحة تضمّ أشخاصًا من مختلف الأعمار والمستويات العلمية، وبدأت الفئة نفسها بالخروج إلى العلن عبر سبع واجهات على الأقل، ويشير الأستاذ سليمان حاج إبراهيم في أعقاب تحقيق ميداني أجراه قبل فترة، إلى وجود جمعيات سرية غير مرخص لها في الجزائر، تعنى بشؤون المثليين والمثليات هناك، فضلاً عن وجود رابطة "مِثليي الجزائر"، وعديد المواقع الالكترونية على غرار: موقع "المِثليين الجزائريين"، موقع "السحاقيات الجزائريات" ناهيك عن فضاء "شباب الجزائر"، موقع "من أجل الحرية"، إضافة إلى ما يسمى بملتقى "gays" و"lesbiennes" الذين يصدران باللغة الفرنسية.
المثليون مساس بالشرف وتلطيخ للرجولة يعتبر الجزائريون ظاهرة المثلية مساس بالشرف وتلطيخ للرجولة، وأينما تجولت في المناطق الجزائرية، يؤكد لك السكان المحليون هذا المعنى، فالمثلية في أعينهم خط أكثر من أحمر، وطالما أنّها داء وشذوذ عن الفطرة بمنظارهم، فإنّه لا يكفي التعامل بازدراء مع المثليين بحسبهم، بل يجب قطع دابرهم، وهو حكم لقي إجماعًا بين جميع من استجوبتهم "إيلاف" ضمن عينة عشوائية استطلعنا آراءها من مختلف أطياف المجتمع المحلي. بحي البشير الإبراهيمي بالأبيار وسط العاصمة، التقينا بعمي رمضان (56 عاما)، لما سألناه عن نظرته للمثليين، ردّ بغضب شديد:"هؤلاء طامة وعيب، هم يشوهون الجزائر ويدوسون على مكارم الأخلاق والفطرة السليمة"، بالجوار، صارحنا رشيد (45 عاما) أنّه يذمّ هؤلاء ويمقتهم أشدّ المقت، مشيرًا إلى موقف حرج تعرّض له، حينما أوصل شاباً بسيارته، وقام ذلك الشاب بالتودد إليه على نحو غريب، طالبًا منه ممارسة الجنس معه"، وهو ما أثار ثائرة رشيد الذي يقول: طردته من سيارتي، إنّها اللعنة". في منطقتي فوكة وبوسماعيل غربي العاصمة، رأى مولود وعادل وزهير وفوزي أنّ المثلية تتناقض رأسًا مع "مقام العرض والشرف"، وهو المعنى ذاته الذي تردّد في مقهى راندون وسط حي القصبة الشعبي، لم يكن موقف مريديه مغايرًا، يقول جمال (35 عاما) بائع عطور: "المثليون لا مكان لهم بيننا"، وأيّده الشاب المتديّن فاتح (31 عامًا) بنظرة صارمة: "لن نرضى بوجود هؤلاء، إنهم يحاولون اعتناق الرذيلة بدل الفضيلة".
المثليون أريد لهم أن يمثلوا مشكلة معقدة من جانبهما، يركّز أيمن وعبد الرحيم خريجًا كلية علم الاجتماع، على أنّ سوسيولوجية المجتمع الجزائري تنبذ المثليين، حتى وإن بقوا أقلية داخله"، ويشير أيمن وعبد الرحمان، إلى أنّه خلافا لما هو حاصل في المجتمعات الغربية الإباحية التي تترك لأفرادها حرية التصرف في خصوصيتهم مهما بلغ شذوذها، أما المجتمع العربي فيناقض ذلك رأسا، من حيث تكريسه نوعا معينا من الرقابة أو العقاب المتعدد اجتماعيا، أخلاقيا، قانونيا، وثقافيا، ويترتب عليها أنواع متعددة من العقوبات، لذا فمفهوم الرقابة في الجزائر وسائر العرب ينطلق من مبدأ (التحريم) بينما في الغرب يتكئ على مبدأ (الحماية). ويتجاوز أيمن ما يثيره المثليون من جدل، إلى مشكلة الجسد ككل، فهذا الأخير أريد له أن يمثّل في ثقافتنا العربية مشكلة معقدة لا يود أي شخص الخوض فيها باعتبارها منطقة محرمة على أصعدة كثيرة ابتداء من التسمية وانتهاء بالمعرفة التي نمتلكها عنه، لذا يجب مراقبة الجسد فهو (عورة) في اللغة و(شيء كريه) ينبغي أن يختفي خلف حجب كثيرة، وهو خطر قد يصيب المجتمع بالجنون، على حد تعبيره، حيث أنّ هذا الجسد ينبغي أن يتوارى عن الأنظار وتحجب أي معرفة تتناوله حتى في المدارس، ما يحوّل هذا الجسد لدى الطالب المراهق مثلاً إلى خطر مبهم ومشكلة عسيرة على الفهم بفعل التراكم. وعلى مستوى الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، لم تكن آراء سمير، الحاج، فارس وعمار العمال بورشة خاصة، مختلفة عن مواطني الضاحية الغربية، حيث لفت مجيد (22 سنة)، لطفي (33 عامًا)، ساعد (47 عامًا) ومحند (58 عامًا) إلى أنهم لا يستسيغون ماهية المثلية، بينما ربط عمر (55 عامًا) مدير وكالة للاتصال، الأمر بما يرافق التنشئة الاجتماعية، حيث أعاب على الكثير من أولياء الأمور التضييق على أبنائهم منذ الصغر، و(الزج) بهم في المنازل أغلب الأوقات رفقة النساء، بما يفرز آثارًا سلبية على هذا الفريق من الأطفال، فيما يدعو إلياس (39 عامًا) الأستاذ بإكمالية وطاهر (43 عامًا) طبيب أسنان، إلى أدوار حاسمة يمكن أن يقوم بها المرشدون التربويون على هذا الصعيد.