تخطئ الحكومة اليمنية إذا استخفت أو تجاهلت إعلان تنظيم "القاعدة" دعمه لحركة الانفصال في جنوب اليمن. صحيح أن هناك أسبابا كثيرة لقلق صنعاء من نشاط من باتوا يعرّفون أنفسهم ب "الحراك الجنوبي السلمي"، بينما هم ينشدون العودة بالوضع في اليمن، وبكل الوسائل، إلى ما قبل 20 عاما، أي إلى ما قبل الوحدة. غير ان دخول "القاعدة" على الخط سوف يعطي هذا التحرك دعماً لم يكن له في السابق، كي لا نقول إنه كان يطمح إليه. هناك سياسيون في الجنوب تضرروا من قيام الوحدة. وهناك تجاوزات حصلت مع الممارسة، وهي تجاوزات يمكن وصفها ب "الطبيعية" في بلد عربي، خصوصا عندما تكون السلطة في يد حزب له مصالحه وأساليب ممارسته، فضلا عن أنه ورث حربا داخلية مع الجنوبيين بكل ما كان لها وعليها. ويفترض أن يكون لهذه التجاوزات علاجها في إطار العمل السياسي، بعيداً عن الإقصاء والمحسوبيات. لكن القفز من ذلك إلى دعوات الانفصال لا يحل مشاكل الجنوب، ولا يخفف من وقع الأزمة الاقتصادية والأمنية التي يشكو منها الجميع، فضلاً عن أن اليمن عاش تجربة الانقسام، ويفترض أن يكون قد استفاد من التجربة كي لا يكررها. غير أن ل "القاعدة" من وراء الدعم الذي أعلنه ناصر الوحيشي، الذي أطلق على نفسه لقب "زعيم التنظيم في جزيرة العرب"، هدفا ابعد من إصلاح أوضاع الجنوب. فتفكيك البلدان التي يستطيع تنظيم "القاعدة" أن يحوّلها إلى موطئ قدم له هو الطريق الأفضل لقيام الفوضى الأمنية التي توفر له فرص ممارسة نشاطه، في ظل غياب سلطة مركزية قوية. والقيادة اليمنية تدرك ذلك، وقد حذر الرئيس علي عبد الله صالح في أكثر من مناسبة، وحتى قبل بيان "القاعدة" الأخير، من مخاطر " العرقنة والصوملة" التي تواجه اليمن. قد يكون لدى انفصاليي الجنوب برنامجهم "الإصلاحي"، أو نزعتهم إلى اعتبار محافظات الجنوب " أكثر تقدما " من الشمال، وتملك بالتالي مؤهلات الاستقلال، كما قد تكون ما زالت تراودهم أحلام اشتراكية موروثة من أيام الانفصال، تغذيها الاتصالات مع قيادات في الخارج، مثل الرئيس السابق لليمن الجنوبي علي ناصر محمد أو علي سالم البيض وسواهما، غير أن " القاعدة" لا تنظر إلى مثل هذه الظروف سوى بهدف استغلالها. فالصراعات الداخلية في نظر " القاعدة " أقل أهمية من "الحرب الكونية" التي تخوضها مع "الكفر"والملتحقين به، تحت شعار "ليس في الإسلام شمالي وجنوبي، ابيض أو اسود، نجدي أو كويتي". من هذا المنطلق لا ترى "القاعدة" ما يحول دون التحالف في هذه المرحلة في اليمن مع من تحاربهم في بلدان أخرى بسبب خلفياتهم الاجتماعية والسياسية. من ذلك مثلاً التحالف والدفاع عن حركة التمرد الحوثية في صعدة، رغم ما بينها وبين أفكار "القاعدة"، وكذلك مع وجوه قبلية يمنية مثل الشيخ طارق الفضلي، نجل آخر السلاطين الفضليين في محافظة أبين، والذي حارب مع أسامة بن لادن وقلب الدين حكمتيار في أفغانستان قبل أن يتحالف مع حكومة علي عبد الله صالح ثم ينقلب عليها أخيرا. هل نقول إن "القاعدة" لا تبتكر جديدا عندما تعلن اليمن أرضا لنشاطها، مع ما هو معروف عن ارتباطات أسامة بن لادن وجذوره هناك؟ وهل نضيف جديدا إذا قلنا إن مخاطر النشاط المتجدد ل "القاعدة" في اليمن لا يؤثر في هذا البلد وحده، بل يمكن أن ينعكس سلباً على الانجازات التي تحققت على طريق محاربة هذا التنظيم الإرهابي التكفيري في دول الجوار؟ من هنا أهمية بذل كل جهد لمواجهة التحرك الانفصالي في الجنوب، الذي بات الآن ذريعة لهذا الاقتحام "القاعدي" للشأن اليمني. مواجهة كهذه لا تنجح إذا اقتصرت على الجانب الأمني وحده، وهو ما لجأت إليه السلطات، خصوصا في المواجهات مع الحوثيين، بل لا بد أن تشمل العمل السياسي أيضا، بإعادة إصلاح العلاقات المتدهورة بين حزب "المؤتمر" وشركائه في اليمن الموحد، كسبيل لا بد منه لمواجهة دعوات الانفصال.