يتردد دائما أن الصيني ((يأكل كل مافي الجو عدا الطائرة، وكل مافي البحر عدا الباخرة، وكل مافي البر عدا الإنسان)).. ويمكننا – القارئ الكريم وأنا – أن نضيف اليوم إلى هذه العبارة: ويصنع كل مافي الكون عدا الكائن الحي!! فقد بات الصينيون يصنعون كل مايتخيّله المرء وكل مالا يخطر ببال.. وقد صار إنتاجهم يُغطّي كل أسواق العالم.. واذكر لي سلعة صينية واحدة لاتتوافر على خارطة البيضة الأرضية من أقصاها إلى أدناها .. حتى أن عبارة Made in china (صنع في الصين) غدت أكثر انتشاراً وتأثيراً من عبارة ln god we trust (نثق بالله) المطبوعة على وجه الدولار!! من أضخم الطائرات والبواخر والأبراج والبوارج.. إلى أدق أصناف الأسلاك والإبر والبراغي وأعواد الثقاب .. مروراً بكل الأنواع والأشكال والألوان في عالم الملابس والأثاث والإكسسوار والديكور.. وكل ماتفرضه الحاجة باعتبارها ((أًم الاختراع)) .. وقد صار الاختراع ظاهرة صينية في عالم الصناعة ومفردة صينية في قاموس الإبداع.. فقد صارت الصين ورشة العالم بحق وحقيقة! وخلال زيارتي الأخيرة إلى القاهرة، عرفت من بعض الأصدقاء أن الشارع المصري صار مكتظاً بالسلع الصينية، حتى في أكثر المجالات حميمية، أي الصناعات والحرف الشعبية والتقليدية الأكثر عراقة في السوق المصرية .. حتى تلك الأطباق الفولكلورية التي تحمل لوحات فرعونية والتي يشتهر زقاق خان الخليلي بإنتاجها منذ عهود عديدة وعقود مديدة، صارت اليوم صناعة صينية بالغة الإتقان وزهيدة الأسعار .. وحتى فانوس رمضان جاء اليوم الذي صار فيه صينياً .. وحتى جلابية الصعيدي ومقطف الفلاح وشبكة الصياد ومحفظة الموظف والأثاث الدمياطي الأكثر شهرة وعراقة من تابوت المومياء صار سقط متاع في السوق المصرية بعد أن غدا الأثاث الصيني هو سيد الموقف في تلك السوق!!..وقد بلغ الآخر بالصينيين أن استقدموا عمالهم الى دمياط لمعرفة سرّ الصنعة، أو راحوا يستوفدون العمال المصريين المهرة – في هذا المجال – الى الصين لتدريب العمال الصينيين هناك!! وتجد المصري مُعلّقاً على هذا المشهد بلغة قاتمة السخرية: مش ناقص غير يصنعون لنا الأهرام والنيل وبرج القاهرة!! وقد قلتُ لأحدهم: الحال من بعضه .. فقد صار هذا المشهد ماثلاً للعيان في اليمن، بعد أن صارت الجنبية اليمنية الشهيرة .. صناعة صينية!!