تموت الأشجار واقفة، وكذلك العظماء من البشر، أولئك الذين تشربوا الطهر من بذرة طيبة، لا تنبت إلا خيراً وعطاء. ومن بين هذه الأرواح النبيلة، يبرز نجم أحببناه جميعاً، بوجهه البشوش وتواضعه الجم خارج المستطيل الأخضر، وبقلب الجلاد المتوحش داخله، لا يعرف للخصوم رحمة، ولا للكرة خيانة. مكيش، ذاك الفتى الذي عجنت قدماه برمال وادي حسان الذهبية، و لفحته شمس حرارة حواري زنجبار الحارقة، عاش طفولة قاسية في أزقة المدينة، حيث كان لا ينام إلا والكرة بين ذراعيه، وكأنها الوعد الوحيد الذي لم يخنه. لم يكن يملك حذاء، بل كان يلاعب الكرة حافيا، حتى صار سواد الأسفلت طبقة أخرى في باطن قدميه، لا تزول. صعد سلم المجد بعصاميته، وواجه الحياة بأوجاعها، تجرع مرارتها لكنه لم يستسلم، بل حول الألم إلى طاقة، والفقر إلى مجد. ظن أن نجوميته ستكون له درعاً واقياً، تقيه العوز والخذلان، لكنه عاش في وطن لا يعترف بالمبدعين، ولا يحفظ الجميل للأساطير. وطن لا يكرم أبناءه الأوفياء ... مات مكيش، محبوب الغلابة، ثعلب الملاعب، الأسطورة السمراء، وحيداً يصارع المرض والفقر، بعدما خذلته الحياة، وبخل عليه وطنه بالتقدير والإنصاف. رحل مكيش، كما عاش، واقفاً في وجه القسوة، شامخاً رغم الألم، بطلاً رغم التجاهل. لم يكن مجرد لاعب، بل حكاية مجد لم تكتمل، وأسطورة كتبت نهايتها الحياة بمداد من وجع. رحمك الله يا مكيش وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة، يا من كنت ضحية لمرارة العيش...