شهدت المعتقلات في مصر الستينيات حفلات تعذيب جماعي وإذلال نفسي، تَعدَّدَت فيها الحكايات وتنوَّعت حولها الروايات، ومنها ما ورد في كتاب "يوميات الواحات" للروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم الذي يلقي الضوء على ما حدث للشيوعيين المصريين في المعتقلات آنذاك وبالذات معتقل الواحات ..وآخرها الكتاب الصادر مؤخراً للصديق الكبير الاستاذ صلاح عيسى بعنوان "شخصيات لها العجب"! لكن جمال عبدالناصر مات، ولم يكن في رصيده المصرفي سوى 610 جنيهات فقط!! وفي معتقلات الأنظمة "الاشتراكية" التي حكمت بعض بقاع الوطن العربي، شهد المنتمون للتيارات الاسلامية والناصرية والبعثية صنوفاً شتى من فنون التعذيب والتنكيل التي يندى الجبين لِهَولها ويعجز اللسان خجلاً عن ذكر بعضها. ورحل بعض قادة هذه الأنظمة من القصر إلى القبر، وليس في جيوبهم أكثر من راتب آخر شهر! وفي المعتقلات البعثية، تجاور الشيوعيون مع الناصريين والإخوان المسلمين في زنزانة واحدة .. وتناوبوا على "قروانة" واحدة.. واختلطت دماؤهم ودموعهم في أرضية واحدة.. واشترك المسيحيون منهم مع المسلمين في الصوم والصلاة والاحتفال بالأعياد المختلفة. ولم يكتب الله للإخوان المسلمين أن يحكموا .. ولهذا لا ندري ماذا كانت ستشهد معتقلاتهم؟!.. أو كيف سيكون مشهد التعذيب على الطريقة الإسلامية؟! تتداعى هذه المشاهد إلى شاشتي الذهنية كلَّما هَمَمْتُ بقراءة – أو إعادة قراءة – تاريخنا السياسي العربي الحديث والمعاصر، وتواريخ الأحزاب والتنظيمات العربية الحديثة والمعاصرة.. فيزداد كُفْري بتاريخ كل الأنظمة السياسية وجميع التنظيمات الحزبية في الساحة العريبة من الملوج الهادر إلى المطيط الثائر! وأعرف أن حديثاً كهذا يدمي القلب ويُدمع العين.. بَيْدَ أن التذكير بنوائب التاريخ ينفع العقل والضمير في مسار الأيام ومشارف المستقبل.. هذا من ناحية.. أما من الناحية الأخرى، فهو هذا التفاؤل الذي يكتظ به فؤاد المواطن اليمني، إثر أن يرى – اليوم – الماركسيين والناصريين والبعثيين والإخوان المسلمين، إلى جوار الليبراليين، في هذا البلد الأمين يلتفون في بوتقة سياسية واحدة ويجلسون إلى طاولة اتفاقات موحدة!! سبحان الله.. إن هذا لا يحدث إلاًّ في بلد الحكمة والإيمان و"اللقاء المشترك".. فاللهم أدمْها علينا نعمة وأحفظها من الزوال! إن الأمل يحدو كل أطراف وأطياف الشارعين –الشعبي والسياسي- على السواء، جراء اتفاق 17 يوليو الجاري. مثلما يحدو القلق الجميع .. فأية نكسة سياسية يشهدها المجتمع اليمني في هذه الظروف شديدة الحساسية لن تكون مجرد نكسة كسابقاتها .. إنما هذه المرة ستغدو نكبة بكل ما في الكلمة من معنى فادح! غير أن الأمل أكبر بكثير من القلق في المشهد السياسي الراهن .. هذا ما يأمله كل ذي أمل بحتمية انتصار الديمقراطية في أرض الوحدة.. مثلما يأمل أن تكون الأحزاب كلها شريكة في الوطن، لامُشْرِكة بالوطن!.