هاجم نواب مؤتمريون رئيس حكومة الوفاق الوطني بعنف. وفي جلسة برلمانية عنيفة أمس الاثنين وجه رئيس كتلة المؤتمر الشعبي العام إلى رئيس الوزراء عدداً من التهم. وقال سلطان البركاني إن محمد سالم باسندوة «تحول إلى محرض على الفتنة وإلى الوقيعة بين أطراف العمل السياسي». وجاء هذا الهجوم المكثف على شخص رئيس الوزراء بعد كلمته القوية التي ألقاها قبل أمس في حفل فني وخطابي نظمه شباب ساحة التغيير في ذكرى «جمعة الكرامة». حيث اتهم رئيس الوزراء الرئيس السابق علي عبدالله صالح و«بلاطجته» باقتراف تلك المجزرة «البشرية» التي راح ضحيتها أكثر من 50 شاباً.. وكلمة باسندوة هي الأخرى جاءت رداً منه على كلمة للرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل أسبوع في جامع «الصالح» اتهم فيه حكومة باسندوة ب«الفشل»، وقال إنها أضعف حكومة. وقال صالح، الذي يترأس حزب المؤتمر الشعبي العام إن ما حصل في اليمن «كان مؤامرة» وتوعّد بكشف ما أسماها «حقيقة وزيف الربيع العربي». وأثارت كلمته تلك ردود فعل سياسية وإعلامية شديدة. بعض المواقع الإعلامية ذكرت أن تلك الكلمة أغضبت أيضاً الرئيس عبد ربه منصور هادي نفسه، الذي تسلم رئاسة الجمهورية بانتخابات شعبية «وليس عبر مؤامرة» كما يقول سلفه الرئيس صالح. باسندوة الذي تحاشى منذ تسلمه رئاسة الوزراء قبل 3 أشهر أية عبارات جارحة أو مستفزة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، اختار التوقيت المناسب للرد على اتهامات صالح له ولحكومته بالفشل، وألقى رئيس الحكومة كلمة في ذكرى «جمعة الكرامة، واتهم صالح وأعوانه ب«ارتكاب تلك الجريمة الرهيبة». ودافع باسندوة عن حكومته من تهم الفشل والضعف، قائلاً: «إن الحكومة تعمل كل ما بوسعها لتوفير الخدمات الضرورية». لافتاً إلى «أن الجميع لا يجهلون من يقف وراء الاختلالات الأمنية وقصف محطة الكهرباء والأبراج». وخاطب باسندوة الرئيس صالح الذي اتهم حكومة الوفاق بالفشل قائلاً لصالح: «عليكم تذكر ما عاناه المواطنون في العهد السابق من انقطاع متواصل للكهرباء وأزمة في المشتقات النفطية وإخلال في أمن الوطن واستقراره». مشيراً إلى أن «سعر البنزين إنما ارتفع في ظل العهد الراحل وليس في عهد الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي و حكومة الوفاق الوطني». كلمة باسندوة هذه فجرت بركان الغضب لدى أعوان ومساعدي الرئيس صالح.. وجاء الشيخ سلطان البركاني إلى البرلمان أمس، مندفعاً للرد على باسندوة، الذي وصفه رئيس كتلة المؤتمر قبل شهرين بأنه «رجل دولة» وأنه سياسي مجرب «وتربطني به صداقة قديمة لأكثر من 25 سنة». لكن كلمة رئيس حكومة الوفاق الوطني أغضبت الشيخ سلطان البركاني فقد تحول رئيس كتلة المؤتمر إلى مهاجم شرس لرئيس الحكومة، وأخذ يهاجمه بأسلوب شخصي جارح.. وهو يتكلم تذكر الشيخ سلطان يوم أشاد بشخص باسندوة، قال: «كنت متفائل عندما ذرف باسندوة في هذه القاعة دموع التماسيح واستبشرت خيراً وتفاءلت حينها، لكن رئيس الوزراء تحول يوم أمس من رئيس حكومة وفاق وطني إلى محرض على الفتنة». وأضاف البركاني مهاجماً باسندوة: «هذا الرجل لم يكن يوماً في الموقع الأول بتاتاً، إنما تنقل من كنف شخص إلى كنف شخص آخر؛ فمن كنف عبدالله الأصنج إلى كنف علي عبدالله صالح ومن كنف علي عبدالله صالح إلى كنف حميد الأحمر اليوم». مضيفاً: «هذا الرجل لم يكن صاحب قرار في يوم من الأيام». البركاني شكك في قدرة باسندوة رئاسة حكومة وفاق وطني بنجاح، لأنه ليس من طراز تلك الشخصيات التي قادت حكومة وفاق ونجحت؛ «فالمهندس حيدر أبو بكر العطاس ترأس حكومة وفاق ثلاثي وقادها على خير ما يرام، والمرحوم عبدالعزيز عبدالغني قاد حكومة ائتلافية بجدارة، أما رئيس حكومة الوفاق الوطني الحالية فقد برهنت كلمته الأخيرة أنه غير جدير بهذه المهمة الوطنية النبيلة، بل العكس تحول إلى مثير للفتنة ونافخ كير». وكان رئيس كتلة المؤتمر الشعبي العام استهل كلمته النارية من تعز التي تشهد حالة انفلات أمني كبير.. قال البركاني معقباً على النائب عبدالكريم شيبان: «تعز لا تحتاج إلى سؤال عنها اليوم، فقد قتلوا روح المدنية والهدوء فيها». مضيفاً: «كل يوم قتلى وجرحى في تعز, والقتلة يعيشون داخل إدارة أمن محافظة تعز». مشيراً إلى أن مقتل المدرس الأمريكي «يبدو مدبراً، فقد وقّع مدير الأمن الجديد على محضر لرفع الحراسة الأمنية عن الأجانب في محافظة تعز». ورداً على إلحاحات البعض ب«هيكلة القوات المسلحة»، قال الشيخ سلطان البركاني «نحن مع الهيكلة والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية واضحة، لكن هذا الأمر ليس بهذه البساطة والسرعة، ليس مثل أن تقول هيكلة حاشد وبكيل، هذا الموضوع يحتاج إلى وقت وإلى دراسة وقواعد وأسس علمية ووطنية، أما أسلوب الكلفتة والتبسيط والعشوائية والسرعة فقد تكون نتائجه كارثية في المستقبل». تحدث في جلسة أمس نواب كثُر، وركَّز أعضاء المؤتمر على رأس محمد سالم باسندوة ك«نشان». وقد حاول رئيس المجلس يحيى الراعي أن يؤجل هذا الهجوم الكاسح على رئيس الوزراء حتى يحضر، لكن تدخله هذا لم يوقف الهجوم المتدفق. قال الراعي: «لا محملوا كل شيء وترجموا بها فوق باسندوة دبوووم، خلوه يجي وانتقدوه عندما يجي». وقد أسف النائب المؤتمر علي مسعد اللهبي ل«تحولات رئيس حكومة الوفاق»، وقال إن الحكومة تعهدت للبرلمان بتنفيذ عدد القضايا ذات «الطابع الاستعجالي والملح، وقالت إنها ستعمل كذا وكذا، لكن للأسف لم يرَ الشعب اليمني أياً من تلك الوعود قد تحققت». وطالب اللهبي، وهو النائب عن مديرية الشعر، إب، طالب ب«سحب الثقة عن حكومة باسندوة»، واقترح اللهبي اسم الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيساً لحكومة الوفاق الوطني.. وأضاف اللهبي مشدداً على اسم الدكتور ياسين نعمان كرئيس بديل ل«حكومة وفاق وطني». مشيداً بشخصية الدكتور ياسين ووطنيته وإخلاصه: «هذا الرجل الوطني الشريف هو المؤهل لقيادة المرحلة القادمة بلا منازع»، وطلب اللهبي بحماس من البرلمان أن «يزكي هذا المقترح، ومن الأحزاب والقوى السياسية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الوطن في هذه الظروف وأن تدفع بمثل هؤلاء الأشخاص إلى موقع القيادة، وليس بأشخاص يكثرون الكلام ولا يحسنون العمل». الحاج أحمد العقاري، وهو نائب مؤتمري، لم يتفهم فكرة اعتذار الحكومة «وتأجيل وصولها إلى المجلس إلى الأسبوع الثاني»، وقال العقاري إن البلد تشهد انفلاتاً أمنياً غير مسبوق وأن الحوادث «تسقط كل ساعة وكل يوم وكل أسبوع وكل ليلة، ولذا فلا عذر لتأخر الحكومة»، مطالباً حكومة باسندوة بأن «تعلن حالة الطوارئ». لكن نبيل باشا ليس مع هذا المقترح، فقد قال: «طالما والحكومة طلبت مهلة، فعلى المجلس أن يقبل هذا التأجيل وأن يتفهم ظروف الحكومة ويعطيها وقت، لكن المشكلة ليست هنا أيها الإخوة، إنما في أن هناك محافظة لحقت بأبين، إنها محافظة تعز، التي تمثل المدينة والمدنية في هذه البلاد، يوم أمس قتل مدرس أمريكي وهو في طريقه إلى المدرسة، وتعرض رجل الأعمال المعروف شوقي هائل سعيد أنعم لمحاولة اغتيال، حيث ألقيت قنبلة على بيته، وهذه حوادث خطيرة، تعني أنه لا تنمية ولا استثمار في ظل ذهاب الأمن». وطالب نبيل باشا بإيلاء هذا الموضوع اهتماماً خاصاً «إن تعرض رجال الأعمال لحوادث اعتداءات متكررة مؤشر خطير إلى ان هناك من يستهدف اقتصاد هذا البلد، ومثل هذه الحادثة يجب أن تستولي على اهتمام الجميع لأنها حوادث طاردة للمستثمرين اليمنيين وغير اليمنيين، لاسيما والحكومة تضع قضية التنمية والاستثمار على رأس أولوياتها». النائب الإصلاحي عبدالكريم شيبان، هو الآخر أدان بشدة هاتين الحادثتين: اغتيال المدرس الأمريكي، واستهداف رجل الأعمال شوقي هائل.. وتساءل شبان: «لماذا الانفلات الأمني في تعز؟!» وأجاب على نفسه بنفسه: «ما يحصل في تعز هو استهداف مقصود ومدّبر ومخطط له، وليست حوادث عارضة أو عادية». وأضاف شيبان مخاطباً أعضاء البرلمان: «إذا أردتم أن تناقشوا المواضيع الأمنية كترجمة عملية لتطبيق المبادرة الخليجية، فكان يفترض هيكلة الجيش أولاً». شيبان، وهو نائب عن مدينة تعز، اتهم أيادي خفية مرتبطة بالنظام السابق بالضلوع في التخطيط لحوادث أمنية لإرباك حالة الوفاق السياسي «وإفشال مساعي النهوض بالبلد وباقتصاده الوطني». وقال شيبان: «إن حادثة الاعتداء التي تعرض لها رجل الأعمال شوقي أحمد هائل تفضح عن خبث واستهداف للقطاع الخاص ولرجال الأعمال في هذه البلاد». يتشتت الحديث ويتوزع، لكن المؤتمريين ركزوا على رئيس الوزراء بالذات.. فقد انتقد النائب ناجي أحمد عتيق كلمة محمد باسندوة بقوة، وقال عتيق: «الكلمة أثلجت صدور البعض لكنها أغضبت غالبية الشعب اليمني وأصابتهم بالإحباط»، مضيفاً: «إن رئيس حكومة الوفاق الوطني لم يكن موفقاً وهو يلقي مثل هذه الكلمة، هذه الكلمة تنبئ عن سوء طالع». وانتقد عتيق عدم التزام الحكومة بالمواعيد التي قطعتها على نفسها أمام البرلمان «رئيس الوزراء حدد لنفسه أسبوعين للحضور ولم يفِ بوعده». وتساءل عتيق: «إذا كان سعر الديزل والبترول قد ارتفع لدواعٍ ضرورية في عهد الحكومة السابقة فما هو المبرر لاستمراره بهذا السعر إلى اليوم في ظل حكومة جديدة»؟ وفي الموضوع ذاته، هاجم عبده محمد بشر الذي يقود «تكتل الأحرار» هو الآخر باسندوة بسبب كلمته تلك. وقال بشر: «إن رئيس الحكومة ألقى خطبة عصماء، هي مقدمة لحرب وهي كلمة تتناقض مع توجه القوى السياسية وتخالف اتفاق ألمانيا». عبده بشر، الذي يتزعم حزباً جديداً، رافضاً للمبادرة الخليجية القائم على توافق القوى السياسية، كان أمس في وضع غريب ومضحك، وهو يدافع عن «حالة الوفاق» من خطر باسندوة. وقال بشر، الذي اتهم رئيس الوزراء بأنه يدعو إلى الحرب: «نحن لسنا بحاجة إلى دعوات للحرب». وأضاف بشر، وكان عدد من النواب يضحكون باستغراب: «نحن بحاجة إلى توفير بيئة مناسبة للوصول إلى الحوار الوطني الشامل، وإلى مزيد من الوفاق والتلاحم والانسجام». ومعلوم أن عبده بشر يتصدى بقوة للمبادرة الخليجية ويرفض كل القرارات التي تمخضت عنها، وهو النائب الوحيد الذي رفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب عبد ربه منصور هادي. في مثل هذا اليوم قدم عدد من برلمانيي المؤتمر استقالاتهم من الحزب على إثر مذبحة جمعة الكرامة، لكن رئيس كتلة الأحرار يوم أمس لم يتذكر تلك الفاجعة ولم يترحّم على شهدائها، لا هو ولا غيره، بل على العكس من ذلك هاجم بشدة رئيس الوزراء بسبب كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة، متهماً فيها الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأعوانه ب«ارتكاب تلك المجزرة». باسندوة لم يفعل أكثر من اتهام النظام ذاته الذي قدم عبده بشر (ومن إليه) استقالتهم وتبرؤهم منه بسبب تلكم المجازر. رجل إطفاء استمع زيد الشامي إلى هذا الهجوم المكثف على رئيس حكومة الوفاق بأسف. فرغ سلطان البركاني من مداخلته العنيفة، وأعطى رئيس مجلس النواب الكلمة لنائب رئيس كتلة الإصلاح زيد الشامي كعادته. لكن الشامي، وهو النائب المتزن عقَّب بهدوء وتجنب استخدام أية ألفاظ غير مهذبة. لم يدافع عن أحد، كما أنه لم يتهم أحداً، بل ذكر بحالة الوفاق الوطني، ودعا إلى الهدوء وإلى تجنب التجريح الشخصي. وقال الشامي في مطلع مداخلته: «أريد أن أؤكد أننا نسير في طريق لا أراه إلا إجبارياً نحو المصالحة الوطنية وتحقيق الأمن والدولة المستقرة». ودعا الشامي كل القوى السياسية وكل فئات المجتمع ونخبه أن يعززوا روح الوفاق، وأن لا يعيدوا الناس إلى مرحلة الانقسام». مضيفاً: «أيها الإخوة؛ ليس هناك مجال لأن نختلف –لا سمح الله- إلا إذا كان هناك من يريد الفتنة في هذا البلد». وتمنى الشامي من أعضاء البرلمان، بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية، أن يكونوا «رسل خير ودعاة إصلاح بين القوى السياسية، وأن لا يزيدوا الحياة احتقاناً ويصبوا النار على الزيت، يجب علينا أن نطفئ الحرائق لا أن نزيد الحريق اشتعالاً». تحدث زيد الشامي بمسؤولية، وأطبق الصمت على أرجاء القاعة التي أخذت تستمع وتنظر إليه باهتمام وتركيز. ودعا الشامي كل الأطراف إلى إيقاف الحملات الإعلامية وإلى «إن نشيع كل عبارات الوئام والمحبة: «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم»». زيد الشامي قال: «هناك انتقادات على رئيس الوزراء لكن لماذا لم نأخذ بمقترح رئيس المجلس مشكوراً، ونؤجل هذا الانتقاد حتى يأتي أفضل من أن نهاجمه بكل هذا العنف المبالغ فيه وهو غائب، هذا أسلوب غير أخلاقي وصورة من صور النقد غير البناء والمؤذي». مكرراً رجاءه الأخوي إلى أعضاء المجلس: «يجب أن لا نقطع حبال المودة، وأن لا نتسبب في انتكاسة حالة الوفاق التي أدهشت العالم». وأقر الشامي بوجود اختلالات وإشكاليات وتقصير وربما أخطاء: «لكن هل هذا أسلوب بناء وإيجابي ومناسب لتقويم هذا الخطأ، يجب أن نتعاون جميعاً وأن نتصرف بمسؤولية كما يفعل الناس الكبار تجاه أوطانهم». مؤكداً: «أنا أؤكد لكم أن حوادث الاقتتال والخطف لن تختفي ما لم نعمل على نزع عناصر التوتر وأن حالة الوفاق لن تستمر ما لم نعزز روح التقارب ونستخدم المنطق الإيجابي لمعالجة مشاكلنا وأخطائنا». وذكَّر الشامي بأقوال وأحاديث الرسول الكريم، التي أرشدت المسلمين كيف يتصرفون في لحظات الغضب وفي حالات الخصومة. تحدث زيد الشامي في لحظة كانت القاعة في ذروة التشنج، ولم ينتهِ من كلامه إلا وقد بردت النفوس وهدأت.. وقد رحبت القاعة بكلام الشامي بحرارة وتأثر، وصاحت: «موافقين، مزكيين» فور انتهاء مداخلته.. كما صاح نواب مؤتمريون ومشترك على رئيس المجلس بأن يغلق النقاش: «خلاص».. وحتى يحيى الراعي نفسه نادى على القاعة بعد أن فرغ الشامي من كلمته قائلاً: «طابت». ===== عبده بشر الذي رفض المبادرة الخليجية وقاطع الانتخابات بات يخشى على الوفاق من خطر باسندوة نواب مؤتمريون يعلنون الحرب على رئيس حكومة الوفاق اخبارية نت نقلا عن المصدر أونلاين