محلات الصرافة تعلن تسعيرة جديدة للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    الرئيس الإقليمي للأولمبياد الخاص الدولي : مصر من أوائل دول المنطقة التي أقامت ألعابا وطنية    تحرك أمريكي صارم لخنق ''الحوثيين'' .. والحكومة الشرعية توجه الضربة القاضية للمليشيات    البعداني: البرواني استعاد جاهزيته .. ولا يمكن تجاهل أي لاعب يبلي بلاءً حسنا    الحوثيون يمنحون أول باحثة من الجنسية الروسية درجة الماجستير من جامعة صنعاء    قرارات قوية للشرعية ستجبر الحوثيين على فتح جميع الطرقات.. وخبير: قريبا تعلن جماعة الحوثي الاستسلام بالكامل    تعرف على شروط الأضحية ومشروعيتها في الشريعة الإسلامية    المطالبون بإعادة احتلال ارضهم    محافظ البنك المركزي في الرياض لانقاذ الحوثي    حضرموت.. قوية بأهلها وقيادتها    "من يعارض قرارات الحكومة داعم للحوثي"...صحفي يؤكد ان الحكومة اتخذت قرارات حاسمة بعد ثماني سنوات من التأخير    صنعاء تعيش حالة من الخوف والترقب مع تشديد الحوثيين قبضتهم على المدينة    صورة مع قيادي حوثي تزج بفنان يمني كبير داخل سجون الانتقالي في عدن    ضربة قاصمة للحوثيين... الشرعية تُغير قواعد اللعبة واليمن على موعد مع تغيرات كبيرة    "ركوه يعبث حتى صدق أنه يملك أوراق اللعبة"...الانتقالي يحذر من التراجع عن قرارات الحكومة بحق الحوثيين    شاهد لحظة متابعة الرئيس العليمي بنفسه فتح فتح الطرقات في تعز "فيديو"    وقفة جماهيرية بمحافظة مأرب تندد باستمرار مجازر الاحتلال الاسرائيلي في غزة    شيبان:الطرقات مفتوحة من جانبنا وننتظر وصول المواطنين عبر الطرق التي أعلنت المليشيا فتحها    الاعلان عن فتح طريقان في مدينة تعز من طرف واحد    - مواطن سعودي يتناول أفخر وجبات الغذاء مجانا بشكل يومي في أفخر مطاعم العاصمة صنعاء    البنك المركزي يؤكد سريان قراراته ويحذر من تداول الشائعات    انفجار قرب سفينة في البحر الأحمر قبالة ساحل اليمن    السعودية: بدء مناسك الحج في 14 يونيو وعيد الأضحى الأحد 16 يونيو    الحوثيون يعتقلون عشرات الموظفين الأمميين والإغاثيين في اليمن مميز    الوزير البكري يعزي في وفاة الكابتن علي بن علي شمسان    اليونيسف: أطفال غزة يعيشون كابوسا من هجمات متواصلة على مدى 8 أشهر    بينها دول عربية.. تسع دول خالفت السعودية في الإعلان عن موعد عيد الأضحى    تصعيد جديد.. الحكومة تدعو وكالات السفر بمناطق الحوثيين للانتقال للمحافظات المحررة    مأرب تفشل مساعي عدن لتضييق الخناق على الحوثيين    اليمن يفرط بالفوز على البحرين    «كاك بنك» يتولى النسخة الثانية من فعالية العروض (DEMODAY)    عن ''المغفلة'' التي أحببتها!    القاص العمراني يروي ''مفاجآت ليلة ممطرة''    مواطن يقدم على ارتكاب جريمة قتل بحق ابنه الوحيد وزوجته بسبب إصرارهما على شراء سيارة    ضغط أوروبي على المجلس الانتقالي لتوريد إيرادات الدولة في عدن إلى البنك المركزي    منتخب مصر يواصل انتصاراته بتصفيات كأس العالم    ناشطون يطلقون حملة إنسانية لدعم بائعة البلس في الضالع    ميليشيا الحوثي تهدد بإزالة صنعاء من قائمة التراث العالمي وجهود حكومية لإدراج عدن    رئيس اتحاد كرة القدم بمحافظة إب الأستاذ عبدالرحيم الخشعي يتحدث عن دوري الدرجة الثالثة    تصفيات اسيا للمونديال .. الاردن تتأهل للدور الحاسم    اشتراكي المقاطرة يدين الاعتداء على رئيس نقابة المهن الفنية الطبية بمحافظة تعز    زيدان ... أفتقد التدريب    المنتخب الوطني الأول يتعادل مع البحرين في تصفيات آسيا وكأس العالم    عدن.. الورشة الخاصة باستراتيجية كبار السن توصي بإصدار قانون وصندوق لرعاية كبار السن    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    الوحدة التنفيذية للاستيطان اليمني    في وداع محارب شجاع أسمه شرف قاسم مميز    مدير منفذ الوديعة يعلن استكمال تفويج الحجاج براً بكل يسر وسهولة    العشر الأوائل من ذي الحجة: أفضل أيام العبادة والعمل الصالح    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    خراب    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أرض بلقيس هذا الوتر
نشر في صوت الحرية يوم 31 - 08 - 2017

في سن صغيرة لم اتجاوز فيه الثالثة عشرة، تشكل حبي لليمن بشكل واعٍ ومتين، لم يكن ذلك بفضل كتب المدرسة أو مادة التربية الوطنية بل بفضل "عيد الجلوس"، "أبو تمام وعروبة اليوم"، "الغزو من الداخل"، "في انتظار الفجر"، "مدينة الغد"، " مروءات العدو" وغيرها من قصائد البردوني الخالدة.

كان والدي يحرص على تحفيظي قصائد البردوني وفي كل قصيدة كان يشرح لي سياقها السياسي وبلاغتها اللغوية وحتى إعراب كلماتها، بل كان يقارن ما جاء فيها بقصائد لشعراء عرب آخرين مروا على تاريخ أمتنا العربية. وعبارة "أمتنا العربية" استحضرتها الآن لأن ذلك ما كان يرمي إليه أبي. لقد كان أبي، عبر قصائد البردوني، يغرس في داخلي الانتماء للقومية العربية وحركاتها اليسارية التي-باعتقاده الوثيق- كانت قائدة التحرر منذ العصر العثماني مرورا بعصر الاحتلال الأوربي وصولا لمقاومة الاحتلال الصهيوني والهيمنة الامريكية.

في الصف الثالث الاعدادي، بشهر رمضان، عدت من المدرسة عصراً بحقيبتي وزيي المدرسي(بالطو رمادي وحجاب أبيض) واستقبلني أبي بهذه الكلمات: "سنذهب بعد الفطور مباشرة لحضور أمسية شعرية للبردوني تقيمها جمعية المكفوفين، لا تتأخري حتى نجد لنا مكانا بين الحضور". لا أعلم كيف مرت الساعات حتى السابعة مساءا فكل الذي أتذكره أني لم أخلع زيي المدرسي تأهبا لحضور الأمسية وتهيباً من رؤية وسماع البردوني شخصيا الأمر الذي أتذكر جيدا أنه أوقف كل حركة وشعور لدي بما حولي وجعلني أقوم بأمر واحد هو انتظار موعد الأمسية.

ذهبنا الى الجمعية وبالفعل كان المكان مكتظا بالحضور ولم يكن هناك مكانا لي أو لأبي، ولكن صديق أبي العم صالح الدوشان-الله يرحمه- كان رئيس الجمعية آنذاك وقد ساعدنا بتوفير كرسيين أحدهما لأبي بقرب منصة البردوني التي لم تكن منصة حقيقةً بل ثلاثة كراسي فوق الأرض يتقدمهم طاولة خشبية فوقها ميكرفون، وكان البردوني يجلس على الكرسي الوسط أمامه الميكرفون، أما الكرسي الذي جلست عليه فقد كان في آخر القاعة مسندوا بآخر جدار لها ويبعد عن باب المدخل بمسافة كرسيين لجهة اليسار. لم يضرني ذلك فموقعي وإن كان الأخير إلا أنه كان يقابل المنصة من حيث المبدأ ولكنه كان سيقابلها تماما لو تقدم ثلاثة كراسي إلى اليمين.
بدأ البردوني شعره بعد القاء المنظمين كلمات الترحيب وإلى ما ذلك، وسمعت صوته وكلماته، كان صوته يغلف المكان حرفياً ووجدت نفسي في حضور الهيبة وجها لوجه. شيئا فشيئا زال عني وجوم التهيب الذي رافقني منذ عصر ذلك اليوم وكبر مع صوت البردوني، وشعرت بضرورة منافسة الرؤوس التي أمامي وتحجب عني رؤية البردوني إذا لم يعد يكفيني سماع صوته فقط.

كنت الفتاة الوحيدة في القاعة، نظرت إلى نفسي ووجدتني مرتدية زيي المدرسي فشعرت بقوة، ثم رأيت على يساري حقيبتي المدرسية أيضا وكانت ممتلئة بالكتب والدفاتر، وصدقوني أنني لا أعلم لماذا جلبتها معي لكن خيرا ما فعلت إذ وضعتها فوق الكرسي وجلست أنا فوقها معتلية بضعة سنتميترات عن رؤوس المنافسين أمامي وحينها رأيت وجه البردوني حتى نهاية الأمسية.

تمت الأمسية وقام الناس عن كراسيهم متوجهين للمنصة وغاب وجه البردوني وصوته كما غاب أبي، ما العمل فقد يخرج أبي من بين كومة الناس أولائك في أية لحظة متوجها لباب القاعة القريب جدا مني ويطلب الرحيل. ولأنني كنت مرتدية زيي المدرسي قلت لأحد الحاضرين: "أبي لا أجده لكنه هناك بقرب البردوني وأخاف أن يقلق لعدم رؤيتي بين الزحام كما أن الوقت متأخر وأخاف أن يقضي أبي وقتا إضافيا مع البردوني وأصدقائه ونتأخر في العودة للبيت وأنا بكرة عندي امتحان، خذني اليه". من حسن حظي أن الشخص الذي استعنت به كان من موظفي الجمعية وبدلا من يصطحبني وسط الزحام صوب المنصة أخرجني من باب القاعة ليفتح بابا آخر بعده وسلك بي طريقا خاليا يصل إلى المنصة من الخلف.

رأيت أبي واقفا بجانب البردوني وتجاهلت الأمر إذ اتجهت مباشرة إلى البردوني وبكل شجاعة مسكت ذراعه اليمين من الخلف وقلت له: "أنا اسمي وميض طالبة في الصف الثالث الاعدادي واحفظ شعرك وهذا الذي بجانبك أبي محمد شاكر". مد البردوني يده مصافحا وقال:" وميض اسم علم للذكر أم للأنثى؟" نظرت إلى أبي لانقاذي بأية اجابة فهو من سماني على أية حال لكني وجدت أبي مبتسما دون إجابة، قلت لا أعرف، قال: "هو اسم مجاز للذكر والأنثى لأنه ليس مفرد بل جمع تكسير مع أن مفرده ومضة وبالتالي جمعه مؤنث سالم أي ومضات، إلا أن العرب لا يحبون السالم ويحبون التكسير، العرب يؤمنون بأن التكسير أجمل"، وضحك، وسمعت صوت ضحكته وكان صوت ضحكته مبحوحا أكثر من بحة صوته عند إلقائه الشعر.

أصدقائي وصديقاتي، لم يخلف البردوني القصائد والكلمات فقط، لقد خلف صوتا مبحوحا وضحكة فيها بحة أكبر من بحة صوته، لذا ليس علينا أن نحفظ قصائده وحدها ولكن أن نتذكر بحة صوته وبحة ضحكته الأكبر أيضا، ليس علينا أن نرث كلماته دون أن نتذكر تلك البحة أو الجرح في أوتاره أو أوتاده، في جذوره، في أرض بلقيس، في اليمن.
#اطلقوا_كتب_البردوني
#الذكرى_ال18_لرحيل_البردوني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.