يا أيها الذين ءامنوا ، كونوا قوامين لله ، شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم ، على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله ) الشيخ/ حمود سعيد .. مؤسس جيش حماة الثورة حين وصل الأمر حد التحرش بحرائر تعز وقتل المتظاهرين حملنا السلاح دفاعاً عن النفس
الحاج.. المتهم برقصة البرع وقتل الثوارُ استقالتي بعد المحرقة ومستعد للتنازل عن حصانتي مقابل إثبات براءتي من تهمة إحراق الساحة
بعد يومين ستصادف الذكرى الأولى لمحرقة ساحة الحرية بتعز، سيتذكر أبناء المحافظة الثائرة قتلى وجرحى سقطوا في مواجهة استخدم فيها طرف واحد السلاح فيما ظل الطرف الآخر يدافع عن نفسه بقليل من الصمود وكثير من الإيمان, سيتذكرون كيف أن الثعابين نفثت سمومها على وجوه مات أصحابها مبتسمين !. يوم 29 مايو لم يشعل أفراد الجيش والأمن النار في شارع واحد وإنما أضرموا أحقاداً في نفوس من شاهدوهم وهم يقتلون وينهبون ثم يلوذون بالغنائم وكأنهم صنعوا معروفاً لوطن لن يتعافَى مالم يقتص من عصبة وجهوا بالقتل وبإشعال النار ثم غادروا تعز وكأن شيئاً لم يكن !. القتلة غادروا المعركة وبقت آثار أقدامهم شاهدة على مرورهم فوق عديد جثث, وشاهدة أيضاً على أن تعز ستظل الرقم الصعب في معادلة الثورة الأصعب !. الذكرى الأولى لن تمر باهتة وليس بمتناول أحد أن يحزن على 14 شخصاً لقوا حتفهم وعشرات من الجرحى ضاقت صدورهم من (حصانة) أغلقت ملف القتل بمنتهى الوحشية. في ساحة الحرية بتعز توقف نبض الزمن ثم عادت الحياة مع شهود وصفوا المشهد بالمروع ومع رجال استبسلوا في إعادة الاعتبار لتعز وللثورة في آن واحد!. لن نطيل في تصوير المشهد بل سنتوقف بعد مرور عام على المحرقة أمام حقائق ظلت غائبة عن الملف الغامض, وهي مناسبة أن نعيد إلى الأذهان صوراً لم تلتقطها عدسات مصور وإنما وقعت على شكل أحداث.. دعونا في البدء نطرح السؤال البريء: لماذا أُقيل العميد عبدالكريم العديني - مدير أمن تعز من منصبه قبل إحراق الساحة ؟. للرد على هكذا استفسار ينبغي أولاً معرفة أن العميد تلقى توجيهات من المحافظ السابق حمود خالد الصوفي بمداهمة وإخلاء الساحة قبل وقوع المحرقة بأشهر، فرفض العديني التوجيهات على اعتبار أن ساحة تعز لم تكن إلا واحدة من ساحات اكتضت بها المدن في عموم الوطن, كان المحافظ الصوفي يأمل في أن يحقق سبقاً بمنع إقامة ساحة ثورية في تعز ولما عجز عن ذلك بدأ يدبر مخططاً أكثر عدوانية. قنبلة تنفجر أمام موكب رسمي رفيع وضحايا تروع الثوار ثم يأتي الطوفان ليجرف(الثورة) من جذورها وبالفعل رمى ابن شقيقة المحافظ الصوفي «المدعو فؤاد غليس» قنبلة في وسط مظاهرة حاشدة فوقع أول قتيل في تعز مع 86 جريحاً, وبدلاً من أن تصمت الأصوات تفاجأ المحافظ بارتفاعها تتهمه بالقتل وبالتدبير لما حدث!. أصبح الصوفي الذي كان يعول عليه التعامل مع الأحداث بحكمة خصماً لثورة بدأت تتابع تصرفاته بحذر شديد ولثوار لم يخفَ عليهم نوايا المحافظ في إخلاء ساحة الحرية بأي ثمن.. العميد عبدالكريم العديني - مدير أمن تعز السابق أطلع الأخ محمد أحمد الحاج - نائب المحافظ أمين عام المجلس المحلي على توجيهات المحافظ فأيده الأخير على فكرة ألا يتجاوب مع أي توجيهات من شأنها أن تصب الزيت على النار، ثم استطاع الحاج أن يقنع المحافظ الصوفي بالعدول عن فكرة إخلاء الساحة نظراً لحساسية الموقف ولخطورة ما قد ينتج عن هذا التصرف من تداعيات لن يُحمد عقباها. وهكذا استمد مدير الأمن قوته من رفض كثيرين لفكرة إخلاء الساحة لتبدأ على الفور معركتة مع نظام أقاله من منصبه ليفسح المجال أمام مدير أمن أكثر ولاء وطاعة.. العميد عبدالله قيران وصل إلى تعز ليتولى مهمة إدارة شئون الأمن، وفي ذات الوقت بدأ المحافظ الصوفي يحزم حقائبه لمغادرة اليمن بحجة العلاج، وبالفعل أجريت له فحوصات طبية ثم فجأة ومن دون إبلاغ الرئيس السابق علي عبدالله صالح أو إبلاغ العميد محمد أحمد الحاج أمين عام المجلس المحلي طار إلى السعودية وإلى المانيا ثم قطعت عن تعز أخباره.. غادر الصوفي تعز ليس محمولاً على الأكتاف وإنما سيراً على الأقدام، ما يؤكد أنه فرّ بجلده من أمام تهمة تورطه بالتحريض لقتل أول شهيد في تعز, وقد نما بعد ذلك إلى مسامعنا أنه سيجري عملية جراحية في غاية الصعوبة والصحيح أنه أخذ وقتاً لترتيب أوراقه بعد أن ساوره شك في أن نظام صالح ساقط لا محالة. ظل الصوفي خارج اليمن فترة شهرين ثم فجأة كما غادر تعز عاد إليها, عاد ليتباكى على إحراق الساحة ويحاول بقليل من الدهاء أن يظهر بوجه ملاك, قال إن ما حدث لساحة الحرية هو في الأصل عمل غير أخلاقي وألمح الى أن العدالة ستقتص من منفذي المحرقة، لم يقل المحافظ الصوفي الحقيقة ولم يقل أيضاً إنه كان على علم بالمحرقة قبل وقوعها أو أنه كان على إطلاع بفكرة افتعال المشكلة قبل يوم من اشتعال اللهب في المحرقة، ولكم أن تسألوا العقيد عبده سيف - مدير أمن مديرية القاهرة من الذي أشار إليه بفكرة استفزاز الثوار في الساحة بصور الرئيس السابق صالح ثم القبض على مجموعة من الثوار ومن بعد ذلك توالت الأحداث ابتداً من إطلاق النار عصراً الى إحراق الساحة بعد منتصف ذات اليوم.. تم تعليق صور صالح على جدران مديرية أمن المديرية ولأنها كانت على مسافة قريبة من الساحة فقد استفزت عديد ثوار، ومن هنا بدأت الأحداث تتسارع, إطلاق نار من مباني قريبة من مبنى المديرية ثم من داخل المديرية ذاتها ، وقد أسفرت المواجهات حينها عن سقوط سبعة قتلى وعديد جرحى. تحول المشهد بعد ساعات من التوتر إلى ما يشبه أفلام الخيال حيث تم اختطاف جندي أطلق النار على الثوار، وكانا بحسب مدير أمن تعز عبدالله قيران سبباً في اقتحام الساحة وإحراقها. حدث ما حدث صبيحة يوم 29، حيث قُتل أربعة عشرة شخصاً وأصيب 86 بجراح جراء استخدام العنف وإطلاق القنابل الدخانية، ثم تلا تلك الأحداث نهب لكل محتويات الساحة بما في ذلك مستشفى الصفوة والمستشفى الميداني وفندق المجيدي. وقفت تعز لحظتها على قدم واحدة، لم يصدق أحداً أن إخلاء الساحة استغرق ساعات قليلة وأن الثوار بعد المحرقة لم يجدوا لهم مساحة في تعز تجمعهم تحت سقف واحد.. بعد يوم 29 مايو بدأت الشائعات تصب في اتجاه أن رجلاً واحداً هو المتورط في توجيه قادة وأفراد الأمن والجيش لاقتحام الساحة حيث أصبح الأخ محمد أحمد الحاج نائب المحافظ أمين عام محلي تعز هو المتهم الأول في المحرقة.. وقيل من ضمن الشائعات إنه في اليوم الثاني حضر الى الساحة بمعية العميد عبدالله قيران وتجولا في أرجائها على متن مصفحة, ثم بالغ البعض في شائعاتهم فقالوا إنه رقص في الساحة رقصة «البرع» في تحدٍ لمن لم يبرح المكان رغم ما أصابه من دمار. انتهت أحداث الإخلاء وبرزت على السطح ملامح أكثر دموية .. الثوار مع مسلحين (هبوا من مديريات وقرى) عقدوا العزم على إقامة أول جمعة في ساحة أسموها ساحة النصر وهي الجمعة التي أعقبت إحراق الساحة، الأمر الذي استفز قادة الأمن والجيش فاعتبروه تحدٍ من نوع خطير، لذا أعدوا العدة لتحرش بدأ بإطلاق نار في الهواء وانتهى بسقوط قتلى من الثوار ومن الأمن إلى جانب إحراق معدات عسكرية. كانت جموع المصلين تؤدي صلاة الجمعة, مئات الآلاف تجمعوا من كل حدب وصوب لم تنههم أصوات الرصاص عن أداء الصلاة رغم وقوف الآليات العسكرية بمحاذاتهم، ثم حدثت الكارثة وظهرت مجاميع مسلحة تطلق النار على أفراد الأمن والجيش فسقط سبعة من الأمن وفرّ البقية تاركين معداتهم في متناول حماة الثورة.. لقد قامت القيامة في مساحة صغيرة, جنود قتلى وثوار يهللون ويكبرون لنصر لم تحسب أجهزة الأمن له حساباً.. بعد أو ل جمعة أعقبت إحراق الساحة انتقل الصراع من مجرد مظاهرات واعتصامات إلى مواجهات دموية, كرّ وفرّ بين جيش تعرض لصفعة قوية ومسلحون حملوا على عاتقهم مسؤولية حماية الثورة, لقد قفزت الثورة الى مرحلة متقدمة وبالتالي بدأ مسلسل وقوع الضحايا من الجانبين وفي الوقت ذاته بدأ الشباب في الساحة يشنون الاتهامات لخمسة أشخاص هم , محمد أحمد الحاج نائب المحافظ, وعبدالله قيران مدير الأمن، ومراد العوبلي قائد الحرس الجمهوري بتعز، وجبران الحاشدي قائد معسكر اللواء 33، وعبده سيف مدير أمن مديرية القاهرة.. وللإنصاف أقول إن الأخ محمد أحمد الحاج - أمين عام المجلس المحلي بتعز لم يكن صاحب قرار إخلاء الساحة وإحراقها بل وبحسب ما يعرفه الشيخ حمود سعيد المخلافي أن لقاء جمعه بالحاج قبل المحرقة بثلاثة أيام في منزل الأخير وبحثا معاً كل ما يمكن أن يجنب تعز المواجهات واتفقا بقلبين متحابين على أن تستمر الثورة في طريقها السلمي وعدم الالتفات الى الأصوات التي تحاول النيل من سمعة أبناء تعز كمثقفين وأصحاب رأي .. اللقاء لم يكن الأخير فثمة لقاءات جرت بعد ذلك ولم يكن فيها نائب المحافظ طرفاً قاسياً أو متغطرساً ,كان يأمل فقط ألا تدخل تعز مرحلة أي صراع مسلح.. - لقد طاردت الحاج جملة شائعات مبنية على نقل غير أمين، فالحاج الذي ارتفع ضغطه لزم الفراش قبل وبعد المحرقة، ثم وبعد أن تعافى أعلن عن استقالته إذا ظل مدير الأمن وقائد الحرس يعملان بمعزل عن اللجنة الأمنية.. وأحسب أن الكثيرين علموا بعد ذلك أنه أعطى توجيهاته بعدم التواجد لأي فرد من أفراد الأمن والجيش في أول جمعة أعقبت المحرقة، وتفاجأ بعدم الانصياع لأوامره لذا قدم استقالته ولزم منزله خاصة وأن الوضع كان قد بلغ ذروته في القتل والخروج عن منطق العقل. بعد أسابيع عاد المحافظ حمود الصوفي وبحسب مصادر قريبة عاد لأنه اطمئن على أن الأحداث تسير باتجاه خدمة النظام وبالأخص بعد وقوع حادثة مسجد دار الرئاسة ونجاة الرئيس السابق صالح من محاولة اغتيال، عاد ليلعب دوراً بارزاً ليس في تقريب وجهات النظر وإنما في تقريب الطرفين الى ساحة مواجهة لا تعير صوت العقل أدنى انتباه.. ظل المحافظ الصوفي على مسافة واحدة من الطرفين، لذا خسر الكثير من فرص الدعم فلا النظام وثق به ولا الثوار صدقوه في انتقاداته لأي عمل غير أخلاقي وبالتالي حاول في الأيام الأخيرة بالذات أن يعود الى المربع الأول في مواجهته مع الثورة، لكنه وصل متأخراً أو بمعنى أدق أراد أن يعيد تربية أظافره في وقت كان الثوار قد قطعوا أطرافه, لقد تحول المشهد برمته الى حالة من الغليان فالمسلحون حماة الثورة خاضوا معارك متكافئة مع جيش فقد أفراده معنوياتهم خاصة والمعارك على الأرض لم تحقق مكاسباً لسوى القادة الذين فروا في الأخير بجلودهم. لم يعد متاحاً للعميد عبدالله قيران أن يصوب بنادقه في وجه أحد بعد أن فر الى القاهرة بحجة الدراسة، وأيضاً لم يعد مراد العوبلي قادراً على تحريك طقم عسكري بعد أن تم نقله الى معسكر في أرحب، والحال أيضاً مع المحافظ السابق الصوفي فقد غادر اليمن إلى السعودية وبقى في الساحة العميد عبدالله ضبعان البديل لجبران الحاشدي. محمد أحمد الحاج الذي ظل على حاله يسمع ما يقال عنه ولا يعلق أبداً، وللإحاطة التقيته بالصدفة قبل أيام يمارس رياضته في المشي من دون أي حراسة, فسألته عن مدى خشيته من الانتقام فأجاب: أنا مستعد لأي محاكمة إذا ثبت أن لي يد في إحراق ساحة الحرية أو اقتحامها, وأضاف: أنا لم أوافق قط على أن تتحول تعز إلى ساحة صراع بالشكل الذي شاهدناه وأحسب أن القادة الأمنيين يعرفون جيداً كيف كانت تسير الأمور وإلى أين انتهت.. أنا إلى الآن لم أسعَ إلى تبرير موقفي من المحرقة لقناعتي بسلامة الإجراءات التي اتخذتها عقب المحرقة حيث وجهتُ نيابة تعز ولجنة مشكّلة من السلطة والمعارضة بالنزول والتحقيق في قضية افتعال المشكلة في اليوم الذي سبق المحرقة, كنت أود الوقوف على الحقيقة كاملة باعتبار ما حدث لم يكن متوقعاً، وأضاف الحاج: أنا لستُ مضطراً لأن أقدم دليل براءتي لأحد وإنما سأقول وأكرر للمرة الألف بأني في أتم الاستعداد لأن اتنازل عن أي حصانة منحتها لي المبادرة الخليجية مقابل أن اخضع لمحاكمة عادلة، محاكمة تكشف حقيقة أن العبد لله لم يُحرّض على القتل ولم يحث أحداً على أن يحمل السلاح ليسفك دم بريء، لقد تحملتُ فقط مسؤولية حماية المؤسسات الحكومية يوم كانت عرضة للنهب والسلب وما دون ذلك تعاملتُ مع الأحداث بمسؤولية.. قاطعته: ثمة مذكرة وجهتها في منتصف شهر يونيو لقائد المحور وقائد الحرس تطلب فيها تعزيزات عسكرية الى داخل المدينة؟.. ابتسم على الفور وقال: أنا يومها نفيتُ علاقتي بالمذكرة وقلتُ إن الذي دبر هذه المكيدة هم الأشخاص ذاتهم الذين حاولوا إقحامي في قضية إخلاء وإحراق ساحة الحرية, وبالمناسبة أتحدى إحضار أصل المذكرة أو شهود يقولون إنها خرجت من مكتبي..انتهى الأمين العام من الحديث ثم مضى يواصل رياضة المشي دون أن يكون بحوزته سلاح أو يحرسه حتى مرافق واحد!. طرأ في بالي بعد سماع الأستاذ الحاج الاتصال بالصديق غازي السامعي - رئيس المجلس الثوري بتعز لأستفسره عن تفاصيل المحرقة وأطرح عليه جزءاً مما قاله الأمين العام، فأجاب أنه طلب من دولة رئيس الوزراء في اللقاء الذي جمعه بعديد ثوار أن يقيل المتسببين بإحراق الساحة قبل حلول الذكرى الأولى، وأما بشأن ما نقلته له عما دار بيني وبين الأمين العام فقد أبدى الأخ غازي ارتياحه من شجاعة الأمين العام في التنازل عن حصانته مقابل أن يخضع لمحاكمة نزيهة غير أنه قال من وجهة نظر قانونية إن القانون لا يعفي كل من كانت له سلطة في إيقاف أو منع الجريمة ولم يفعل ذلك, وهنا استوقفته عند نقطة أن مدير أمن تعز وقائد الحرس الجمهوري لم يكونا خاضعين لسلطة الأمين العام حيث كانا يتصرفان بمحض إرادتهما ويستمدان التوجيهات من قيادات عسكرية رفيعة المستوى في صنعاء، وهذا ما دفع الأمين العام إلى تقديم استقالته. المشهد الثوري .. صورة ناصعة في إطار البحث في ملف إحراق ساحة الحرية كان لزاماً علينا أن نستمع الى وجهة نظر الشيخ حمود سعيد المخلافي باعتباره أبرز من حمل راية الدفاع عن الثورة في أصعب مراحلها, وقد قال (الحديث عن محرقة ساحة الحرية هو الحديث عن وجع كبير, حديث عن مأساة حقيقية وأي شخص سيخوض في تفاصيل المحرقة عليه أن يتوقف أولاً عند سؤال مهم هو: لماذا تعامل النظام السابق مع أبناء تعز بهذه الوحشية؟. أظن الجواب سيكون سهلاً, لقد تعامل مع تعز بالذات بتلك الوحشية والهمجية لأنها كانت ومازالت حاضنة للثورة الشبابية السلمية ولأن تعز أيضاً هي الملهم الأول للثورات الحقيقية وبالتالي تعرضت هذه المحافظة لإجراءات قاسية طوال العام الأول للثورة كان من ضمنها إحراق الساحة ثم توجيه فوهات البنادق والدبابات والأسلحة الأشد فتكاً صوب صدور الشباب الثائر, كل هذه المحاولات لم تحرك شعرة واحدة في رأس أصغر ثائر بل زادت الثورة توهجاً وأعطتها زخماً إضافياً, وأضاف الشيخ حمود (لقد حاول النظام السابق عبر أجهزته القمعية أن ينال من أبناء محافظتنا الباسلة غير أنه عجز عن زحزحة صخرة المقاومة وسقط صريعاً ومع سقوطه قفزت ثورتنا الى الأمام صلبة وقوية, إن لتعز وضعها الخاص فقد خاض أبناؤها معارك نفسية ومعنوية ولولا إرادتهم القوية والثورية لما كانوا حققوا نصرهم على نظام استخدم كل أدوات البطش والتنكيل والقمع, نظام دمر وقتل من دون رحمة, وإذا كنا سنتحدث بالمناسبة عن فكرة إنشاء جيش حماة الثورة فهذا يستدعي القول إن أطماع القادة العسكريين في تعز توسعت الى مستوى لا يقبله عاقل, وكان من المنطقي أن يتم ردعهم بالوسائل التي تُمكّن الثورة من تحقيق أهدافها, ولقد شاهدتم في تعز كيف حاول الجيش والأمن وأد الثورة من خلال جرائم القتل أو الاعتقالات ولما فشلوا في ذلك قرروا إحراق ساحة الحرية وبالفعل افتعلوا أول مشكلة مع الثوار وأقصد حادثة إطلاق النار من داخل مبنى مديرية القاهرة ثم هاجموا الساحة بمبرر أنه تم اختطاف جندي, وهنا بالذات أود القول بأن الجندي كان مغرراً به وحين تم إلقاء القبض عليه لم يتعرض كما قالوا لشفط دمه أو قلع أظافره كما كان يردد إعلام النظام بل كان الثوار يعتزمون تسليمه لأية جهة قضائية ستحقق معه ومع غيره بحيادية, المهم تفاجأنا بعد ذلك بجيش من القتلة يقتحمون الساحة ويحرقون ويقتلون في طريقهم كل ما يصادفونه من بشر وشجر, وكان الثوار وقتها عُزّل من غير أي أسلحة لهذا قاوموا الجيش بالحجارة ولما فشلوا في دحرهم تركوهم يدخلون الساحة, وقد تفاجأنا حينها أن رجال الأمن والجيش الذين نفذوا هذه المهمة تحولوا إلى لصوص فسرقوا ونهبوا كل ما بداخل الساحة بما في ذلك مستشفى الصفوة والمستشفى الميداني وفندق المجيدي وكل ما يقع تحت أيديهم, تحولوا الى مرتزقة وكأنهم يريدون أن يثبتوا أن عملية إحراق ساحة الحرية كانت عملية سطو وقتل ونهب وانتقام.. وأشار الشيخ حمود سعيد المخلافي إلى أنه سبق حادثة المحرقة لقاء جمعه ببعض الشخصيات فقال (قبل أيام من المحرقة ذهبتُ إلى منزل الأمين العام محمد أحمد الحاج لأطلب منه الانضمام إلى ثورة الشباب وأيضاً تحكيم العقل في اتخاذ أي إجراءات ميدانية باعتبار أن أبناء تعز هم اخوانه وأبناؤه وكان موجوداً حينها العميد جبران الحاشدي - قائد معسكر اللواء 33 وهو المعني الأول بالعمليات العسكرية داخل الميدان وصاحب الكلمة الأولى في مواجهة الثورة السلمية بالسلاح, ناقشنا في هذا الاجتماع خطورة الاستمرار في قمع المتظاهرين وطالبتُ الجميع باستيعاب أن الثورة سلمية وأن الأمر لا يستدعي كل ذلك التوتر والانفعال, وبالفعل أبدى الأخ محمد أحمد الحاج تفهماً في بعض القضايا وكان نقاشه معي موضوعياً إلا أن ذلك لم يُسفر عن شيء حيث حدثت المحرقة بعد أيام, وبحسب علمي أن قيادات مؤتمرية كانت تعتزم في أول جمعة أعقبت المحرقة أن تقيم صلاتها في الساحة كخطوة استفزازية للثوار, لهذا أقمنا صلاة أول جمعة في ساحة النصر وتفاجأنا بجيش من الأمن والقوات المسلحة يقتحمون ساحة النصر وبصورة مستفزة أطلقوا النار مع توافد الثوار إلى الساحة لتأدية الصلاة وسقط قتلى وجرحى ثم بدأوا يتحرشون بالمصلين, بما في ذلك النساء اللاتي تعرضن لتحرش لفظي ثم اعتدوا عليهن بهمجية.. والحال ذاته مع طباخ الساحة حيث هاجمه أفراد من الأمن في مطعمه وكسروا عظامه، ومن هنا بدأت الثورة تسير في خط جديد حيث أظهر الشباب استبسالاً في الدفاع عن كرامتهم وعن ثورتهم وعن أنفسهم وقاوموا الجيش إلى أن دحروهم من الساحة بنصر من الله ثم بدعم من رجال مخلصين حملوا على عاتقهم مسؤولية حماية الثورة. واختتم الشيخ حمود سعيد تصريحه بالقول (لقد حاولنا ألا يصل الأمر إلى هذه المرحلة, إلا أن الغطرسة الأمنية دفعتنا لأن نحمي الثورة بكل ما أوتينا من قوة, وأحسب أن رجال الأمن الذين انضموا بعد ذلك لثورتنا كانوا على يقين بأن الوقت قد حان للتغيير وأن الفرصة قد حانت لمواجهة القوة بالقوة انتصاراً لإرادة شعب خرج إلى الشارع ليقاوم الظلم بكل أشكاله). وبالمناسبة أوجه عتاباً شديداً لكل المسئولين في تعز وبالتحديد الذين أداروا ظهورهم لمحافظتهم يوم كانت تتعرض لأشد الانتهاكات، أولئك لم يحركوا ساكناً وتركونا في الساحة وحيدين نواجه مصيرنا مع جيش يدافع عن نظام متهالك.. كما أوجه كلمة شكر للأخ العزيز العميد عبدالكريم العديني مدير أمن تعز السابق لرفضه توجيهات المحافظ الصوفي بإخلاء الساحة في مطلع الثورة. شاهد عيان وفي إطار البحث عن حقيقة ما حدث كان لابد أن نتوقف مع الشيخ محمد عبدالله نائف - رئيس لجنة التهدئة بتعز لنسلط الضوء أكثر حول حادثة المحرقة وما سبقها من أحداث, فقال: أنا منزلي قريب من الساحة أو بمعنى أدق تُطل نوافذ غرف منزلي على الساحة وعلى مديرية القاهرة وقد شاهدتُ ما حدث, لذا يمكنكم اعتباري شاهد عيان وأيضاً بصفتي رئيس لجنة التهدئة. إن اليوم الذي سبق محرقة ساحة الحرية كان يوماً مشحوناً ومتوتراً حيث حضر مجموعة من الشباب الذين كانوا في الساحة إلى أمام بوابة مديرية القاهرة, وكان بحسب كلامهم لديهم مساجين ويودون إخراجهم من سجن المديرية وقد حدث تصادم بين عدد من الشباب وعدد من حراسة المديرية, ثم تطور الموقف إلى مستوى المواجهة وإطلاق الرصاص, أنا في ذلك الوقت كنتُ أشاهد الموقف فسارعتُ بالاتصال بالشيخ حمود سعيد المخلافي فأخبرني أنه يحضر مناسبة عرس أحد معارفه ثم اتصلتُ بالدكتور عبدالله الذيفاني فأخبرني أن الشباب لديهم مطالب.. المهم كانت المواجهة قد بدأت وهناك قتلى قد سقطوا بمعنى أن الموقف كان يتصاعد بسرعة, وقد اتصلتُ في اللحظة ذاتها بالأخ محمد أحمد الحاج - الأمين العام رئيس اللجنة الأمنية وحاولنا معاً تهدئة الموقف غير أن المحاولات باءت بالفشل, واستمر التوتر حتى منتصف الليل حيث قرر أفراد الأمن اقتحام الساحة بعد أن كان الثوار قد ضبطوا أحد الجنود ورفضوا تسليمه أو تركه يخرج من الساحة, وبالفعل وبعد مشاورات مع الشباب لإطلاق الجندي المختطف وقعت المأساة واقتحم الجنود الساحة بمعدات عسكرية ثقيلة وتم إحراق الساحة بالكامل.. في تلك الأثناء أجريتُ اتصالاً بالأخ محمد أحمد الحاج باعتباره رئيس اللجنة الأمنية فأقسم لي يميناً أنه لم يوجِّه بإخلاء أو اقتحام الساحة, وحين تواصل هو شخصياً مع المعنيين أبلغوه أن الأفراد تصرفوا من تلقاء أنفسهم كردة فعل على خطف الجندي. وأضاف الشيخ محمد عبدالله نائف «من هنا دخلت الثورة منعطفاً جديداً حيث سقط قتلى وجرحى, ولولا لطف الله لكانت الكارثة امتدت إلى المنازل المجاورة للساحة.. لقد عشتُ يومها ليلة مرعبة, أصوات الرصاص كانت تحاصر كل مداخل الساحة وأصوات المستغيثين كانت تختلط مع أصوات الذين كانوا يحاولون الهرب من الموت, المهم تحولت الساحة إلى (فرن كبير) حيث الحريق والرصاص والدخان والقتلى والجرحى, كانوا جميعاً عنواناً بارزاً لمرحلة خطيرة والأخطر منها أن يتحول الجنود إلى لصوص حيث قاموا بنهب الساحة وبالتحديد المستشفى الميداني ومستشفى الصفوة وفندق المجيدي وكل ما كان يقع تحت أعينهم.. هؤلاء وأقصد الجنود تحركوا بحسب معرفتي من تلقاء أنفسهم, أو إذا كان هناك توجيه فأعتقد أن التوجيه كان صادراً من صنعاء وليس من تعز, وأما بالنسبة لما كان عليه الوضع قبل اقتحام وإحراق الساحة فقد كنا نعقد لقاءات ودية مع المسئولين الأمنيين ونتناقش معهم حول أهمية ألا تُسفك قطرة دم واحدة وعلى هذا الأساس كانت تعز هادئة, ثم وبالتحديد بعد محرقة الساحة انتقل الوضع في تعز من الثورة السلمية إلى مواجهات عنيفة وكان يسقط قتلى من الطرفين (الثوار والأمن) وطرف ثالث وهم الأبرياء الذين كانوا يلقون حتفهم بالخطأ أو من دون أن يكون لهم شأن بالمواجهة, كل هذه الوقائع والأحداث شكلت عبئاً ثقيلاً على تعز كمدينة طالبت بالتغيير».. واختتم الشيخ محمد عبدالله نائف «لقد عاشت المدينة أياماً مرعبة بسبب تمسك الأطراف بآرائها وخيارات المواجهة, ولهذا شاهدنا تعز تحترق ليس في إطار الساحة وإنما في إطار المدينة بحيث كان القصف يرعب الناس في منازلهم, وأيضاً ظهرت بعد ذلك عصابات استغلت الأحداث لصالحها فقامت بأعمال النهب والسطو على المحلات التجارية والمباني الحكومية, وكان هناك أطراف يؤججون المواقف بغية أن يستمر التوتر, لكن الحمد لله تجاوزنا كل مراحل العنف بحكمة وشجاعة، وأصبحت الآن تعز بوجود المحافظ شوقي أحمد هائل أكثر استقراراً وهدوءاً. استقالة الأمين بعد مجزرة جمعة الكرامة بصنعاء استقال العشرات من وظائفهم الحكومية وقامت الدنيا ولم تقعد الى الآن، وأما في تعز فبعد محرقة الساحة لم يقدم سوى الأخ محمد أحمد الحاج - أمين عام المجلس المحلي استقالته، وبحسب علمنا أن الدكتور عبدالله الذيفاني- رئيس المجلس الأهلي بتعز كان أول من علم بها وشاهدها وبالتالي يكون أمين عام محلي تعز هو الوحيد الذي طلب من نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية إبلاغ الرئيس صالح آنذاك بالبحث عن بديل يدير شئون المحافظة كرد فعل سريع لموقفه تجاه ما حدث. الاستقالة أثارت حفيظة القيادات العسكرية بتعز فاعتبروا ذلك تواطؤاً مع الثورة وشعروا بخيبة أمل من تماسك القيادة في ظل انفعالات ناتجة عن رفض بعض التصرفات اللامسؤولة. الأسوء ما بعد المحرقة ! رئيس منظمة سياج للطفولة في تعز المحامي نجيب قحطان رفض الانصياع لرغبات البعض في تشويه صورة الثورة حيث طُلب منه بعد المحرقة البحث عن أطفال محرقين لعرضهم على الفريق الحقوقي الذي زار تعز، فرفض قحطان لقناعته بأن حبل الكذب قصير أو كما قال: الحقيقة بخشونتها أفضل من الكذب بنعومته.. والمحامي نجيب قحطان يُعدّ أول من طالب بالتزام الصدق وعدم المبالغة في عدد ضحايا المحرقة باعتبار أن مثل هكذا أسرار لا يمكن إخفاؤها عن الناس لأنهم حتماً سيطالبون في الأخير بإحصائية حقيقية للضحايا، وفي حال اكتشاف أي مبالغة فإن الثوار سيفقدون مصداقيتهم بالمصادر.. جدير بالذكر أن عديد أشخاص كانوا قد ظهروا عقب المحرقة ليروجوا خبر أن الضحايا من القتلى تجاوزوا ال 150قتيلاً وأن الجرحى تجاوزا الثلاثمائة شخص، ونظن أن النائب البرلماني شوقي القاضي كان واحداً ممن تسرعوا في تسريب الأخبار عن الضحايا خاصة في قول إن هناك أشخاص اختفوا من الساحة بعد المحرقة ولم يعودوا إلى أهاليهم إلى الآن.