مقدمة : يتهم كثير من المطلعين والمتابعين بعض العلماء مع قدوم الربيع العربي ووصول الحركات الإسلامية او ما يسمى بالإسلام السياسي إلى كراسي الحكم بالعمل على الخلط بين السياسة والدين ، وصارت الفتوى والدين تستعمل من البعض لتحقيق إغراض سياسية وحزبية ، فكان لازما أن نسال علمائنا وننقل إليهم تساؤلات الناس ومخاوفهم . وقد استجاب شيخنا الفاضلة احمد بن حسن المعلم ، رئيس مجلس علماء السنة بحضرموت ، وهو من علماء اليمن المعروفين لن تتسع الكلمات لإجمال فضائله وعلمه . الشيخ احمد المعلم : المتاجرة بالدين هي النفاق .. فمن تعلم علما أو عمل مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه ولا يعلمه إلا لغرض من الدنيا فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وصدق عليه انه متاجر بالدين . الشيخ احمد المعلم : نجد من السياسيين والإعلاميين من يجزمون بان بعض العلماء يتاجرون بالدين بذلك دون ورع ولا تقوى وإنما بما تمليه عليهم أهواؤهم مما يخشى معه أن تنطبق عليهم قصة الذين قال عنهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿66﴾ " سورة التوبة . الشيخ احمد المعلم : الحكم فيمن يتاجر بالدين ومن يحارب أهل الدين إنما هو إلى الله سبحانه وتعالى ومن حق العلماء الراسخين وحدهم بيان ذلك وإظهاره ومن يحكم بذلك على احد وليس هو من أهل العلم فانه من الذين يفترون على الله الكذب . الشيخ احمد المعلم : ما يجري ويحدث في اليمن من اختلافات حزبية وسياسية تلبس بالدين فالأمر فيه تفصيل ، من كان هدفه السياسية وتقويه مصالح ومكاسب حزبه واستخدام الدين لإضلال الناس وإيهامهم إن ما يسعى لتحقيقه هو الدين أو هو من الدين فهذا من المتاجرة بالدين . الشيخ احمد المعلم : أما من يهدف ويقص تحكيم الدين وإلزام الناس بالتحاكم إليه وتنفيذه أحكامه وإقامة حدوده وصيانة حرماته فهذا مجاهد في سبيل الله وداع إليه وان خالفه أو تهمه بالمتاجرة بالدين من اتهمه ، وهنا يكون اللوم والذم والإثم على من يحارب هذا الصنف من الناس . الشيخ احمد المعلم : الغرابة إن أقواما كانوا يدافعون عن مرتكبي التطبيع مع اسرائيل ويزينونه لهم ويعتذرون لهم عنه ويردون على من أنكره فما جاء الإسلاميون إلى الحكم لبسوهم هذه الأفعال ثم راحوا يلتمسون الفتاوى التي يكفرونهم بها من اجل تلك الالباسات . الشيخ احمد المعلم : يجب ان يعطوا فرصة لهؤلاء الحكام الجدد أن يتصرفوا وفق الشرع ووفق ما تقتضيه المصلحة ولا أن يدافعوا عن أنفسهم . الشيخ احمد المعلم : ليس المشكلة في مجرد التعامل مع البنك الدولي فالبنك مؤسسة عالمية تضطر كافة الدول لنتعامل معها . الشيخ احمد المعلم : الربا المنظم المرخص الخاضع للقوانين موجود ومنتشر في جميع البلاد إسلامية وغير إسلامية لكن الفارق بين الإسلاميين والعلمانيين إن بعضنا من الإسلاميين وبعض الحكام في بعض البلاد الإسلامية مقرون أنهم يتعاملون به مع اعترافهم بخطئهم وإقراراهم بارتكاب الإثم في ذلك وغيرهم لا يعترف به بحرمته بل يدافع عنه ويسخر ممن ينادي بإيقاف التعامل به ؟! . الشيخ احمد المعلم : أطالب الحكام المنتمين إلى الحركات الإسلامية أن يعلنوا خططهم للتخلص من الربا وإظهار البدائل الشرعية عنه وإقناع الناس بتلك الإجراءات حتى يتم لهم تطبيق حكم الشرع بحق وبشكل كامل الشيخ احمد المعلم : من يجيز الربا ويستحله من الأصل وليس مجرد مخالفة في بعض الصور فليس فضلا عن أن يسمى إسلاميا بما يعني انتماءه إلى الدعوة إلى الإسلام والمطالبة بتطبيقه . الحوار مع الشيخ الفاضل : س1 : ما حكم المتاجرة بالدين ؟ وهل ما يحدث في اليمن من اختلافات حزبية وسياسية تلبس بالدين .. يمكن تسميته بالمتاجرة بالدين من اجل أغراض سياسية ودينية ؟ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ، أما بعد : ج1 : المتاجرة بالدين هي النفاق الذي قاله الله تعالى عنه : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿ 8 ﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿ 9 ﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿ 10 ﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿ 11 ﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿ 12 ﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿ 13 ﴾ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿ 14 ﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿ 15 ﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " سورة البقرة . فمن تعلم علما أو عمل مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه ولا يعلمه إلا لغرض من الدنيا فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وصدق عليه انه متاجر بالدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها " رواه أبو داؤد واحمد / صحيح . وأول من تسعر بهم النار ثلاثة ظاهرهم أضل ما يتصف به إنسان ولكن لفساد باطنهم أصبحوا أول من يقضى يوم القيامة عليه ، رجل استشهد فأتى به فعرفه .. ثم القي في النار " رواه مسلم . هذه قاعدة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولكن من الذي يحكم على فلان متاجر بالدين ؟ انه الله احكم الحاكمين ، وقد يظهر ذلك لأهل العلم والتقوى والبصيرة وعندما يتضح لهم ذلك ، فأنهم لا يجزمون به إلا في حدود ما تشهد به التصرفات الظاهرة لمن يحكم عليه ويقولون بعد كلامهم واله اعلم ؛ إشعارا منهم بان الحكم الحقيقي إنما هو حكم الله . ولكن في الوقت الذي يتورع فيه أهل العلم والبصيرة من إطلاق الأحكام والجزم بها نجد من السياسيين والإعلاميين من يجزمون بذلك دون ورع ولا تقوى وإنما بما تمليه عليهم أهواؤهم مما يخشى معه أن تنطبق عليهم قصة الذين قال عنهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿66﴾ " سورة التوبة . لان الاستهزاء الذي جرى من أولئك إنما كان بقولهم : " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ارغب بطونا ولا اكذب السنا ولا اجبن عند اللقاء " رواه ابن جرير في تفسيره بسند جيد ، فالحكم فيمن يتاجر بالدين ومن يحارب أهل الدين إنما هو إلى الله سبحانه وتعالى ومن حق العلماء الراسخين وحدهم بيان ذلك وإظهاره ومن يحكم بذلك على احد وليس هو من أهل العلم فانه من الذين يفترون على الله الكذب . وأما ما يجري ويحدث في اليمن من اختلافات حزبية وسياسية تلبس بالدين فالأمر فيه تفصيل ، من كان هدفه السياسية وتقويه مصالح ومكاسب حزبه واستخدام الدين لإضلال الناس وإيهامهم إن ما يسعى لتحقيقه هو الدين أو هو من الدين فهذا من المتاجرة بالدين وحكمه ما مر في السؤال ، وأما من يهدف ويقص تحكيم الدين وإلزام الناس بالتحاكم إليه وتنفيذه أحكامه وإقامة حدوده وصيانة حرماته فهذا مجاهد في سبيل الله وداع إليه وان خالفه أو تهمه بالمتاجرة بالدين من اتهمه ، وهنا يكون اللوم والذم والإثم على من يحارب هذا الصنف من الناس ويصدق فيه قوله تعالي : وَ0لَّذِينَ يُؤْذُونَ 0لْمُؤْمِنِينَ وَ0لْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا 0كْتَسَبُواْ فَقَدِ 0حْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } الآية. [58]. سورة الأحزاب . س2 : ما حكم التعامل من قبل الحكام العرب مع إسرائيل والتطبيع بها والاعتراف بها والالتزام بالاتفاقيات معها ؟ فقد سمعنا أصوات كثير من العلماء يستنكرون ذلك ؟ ولكن بعد صعود الإسلاميين وخاصة في مصر لم نجد من يتحدث عن هذا الموضوع ؟ . ج2 : هذه الأعمال قد أشبعت بحثا ولم يعد هناك خفاء ولا جهالة فيها وحكمها الذي أخذته بالأمس تأخذه اليوم والإنكار على القائمين بها كما هو سواء امن يقوم به علماني أو إسلامي وليس الغريب إلا يتجدد الكلام في الأعمال وهو بالفعل مستمر ليس الغرابة في هذا ، ولكن الغرابة إن أقواما كانوا يدافعون عن مرتكبي هذه الأعمال ويزينونها لهم ويعتذرون لهم عنها ويردون على من أنكرها فما جاء الإسلاميون إلى الحكم لبسوهم هذه الأفعال ثم راحوا يلتمسون الفتاوى التي يكفرونهم بها من اجل تلك الالباسات ولم يعطوا فرصة لهؤلاء الحكام الجدد أن يتصرفوا وفق الشرع ووفق ما تقتضيه المصلحة ولا أن يدافعوا عن أنفسهم . س3 : ما حكم التعامل مع البنك الدولي ؟ وهل توصف الدولة التي تتعامل مع البنك الدولي بالدولة الإسلامية ؟ أو الجماعة الحاكمة يمكن وصفها بالإسلامية وهي تجيز الربا ؟ ج3 : ليس المشكلة في مجرد التعامل مع البنك الدولي مؤسسة عالمية تضطر كافة الدول لنتعامل معها . ولكن المشكلة تكمن إجمالا في ناحيتين : الناحية الأولى تعامله بالربا وهذه قضية محسومة عند المسلمين إن التعامل بالربا من الموبقات وان استحلاله كفر وردة وان المتعامل به على اعتقاد حرمته فاسق والمستحل له مرتد ، ومع ذلك فالربا المنظم المرخص الخاضع للقوانين موجود ومنتشر في جميع البلاد إسلامية وغير إسلامية لكن الفارق بين الإسلاميين والعلمانيين إن بعضنا من الإسلاميين وبعض الحكام في بعض البلاد الإسلامية مقرون أنهم يتعاملون به مع اعترافهم بخطئهم وإقراراهم بارتكاب الإثم في ذلك وغيرهم لا يعترف به بحرمته بل يدافع عنه ويسخر ممن ينادي بإيقاف التعامل به فما ادري ما وجه السؤال اليوم ؟! . نعم أضم صوتي إلى صوت السائل وأطالب الجميع بإيقاف التعامل بالربا خصوصا وان المجتمع الدولي قد لقنته الأزمة المالية دروسا في قبح الربا ونادي كثير من خبراء الاقتصاد والمال من الكفار قبل المسلمين بإلغاء الفوائد الربوية . كما أطالب الحكام المنتمين إلى الحركات الإسلامية أن يعلنوا خططهم للتخلص منه إظهار البدائل الشرعية عنه وإقناع الناس بتلك الإجراءات حتى يتم لهم تطبيق حكم الشرع بحق وبشكل كامل ، وأما من يجيز الربا ويستحله من الأصل وليس مجرد مخالفة في بعض الصور فليس فضلا عن أن يسمى إسلاميا بما يعني انتماءه إلى الدعوة إلى الإسلام والمطالبة بتطبيقه . والله الموفق ،