كان الشركاء السياسيون ومازالوا متنافرين على السلطة في صنعاء وخصوصا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح أكثر من غيرهما من الأحزاب، وبينهما (وفوقهما) في الوقت نفسه الرئيس عبدربه منصور هادى غير المقبول من الطرفين إلا أنه مسنود بقوى خارجية تحاول الإبقاء من خلاله، ومعه منظومته طبعا، ولو على شكل الدولة في اليمن للتعامل معها حفاظا على مصالحها. ولكن ربما لن يجد المجتمع الدولي مستقبلا حكومة متماسكة-لاسيما في ظل بروز الحوثيين كطرف ثالث في الصراع- يمكنه أن يستند إليها تنطبق عليها الشروط التي يمكن أن تنطبق على أية حكومة موضوعية في العالم مما قد يدفعه للتعامل مع الجنوبيين الذين يجدر بهم توحيد صفهم لاسيما أنه قد فات عليهم وقت ليس بالقصير كان يطلب منهم ذلك، فالانشطار الحاصل في صنعاء بين الاتجاهات المتصارعة (الحوثيين- آل الأحمر- علي صالح) وما يترتب على ذلك من إشكالات لن يسمح في المدى المنظور بقيام دولة مركزية قوية فضلا عن رفضها –أيا كانت- من قبل الجنوبيين الذين يطالبون باستعادة دولتهم. إن الوضع الخاص (الشكلي) للدولة في اليمن هو الذي نتجت عنه كل الاهتزازات الأخيرة منذ عام 2011م وكان ينتجها في ما مضى، ولكنها ظلت كامنة تحت السطح بوصف أن الجامع المشترك بين الفرقاء وهو (المال) أسهم إلى حد كبير في القيام بعملية تمثيل للدولة، أو بناء شكل الدولة فقط، سواء المال الذي كانت تدفع به بعض دول الإقليم قبل الوحدة، أو المال الذي ضخت به آبار النفط في حضرموت وغيرها بعدها. ولهذا عندما اهتزت المصالح بين الشركاء اختلت الدولة، واضطربت قواعد اللعبة السياسية بشكل كبير، مما ستظل تضطرب معه الدولة في اليمن إلى أمد، وسيظل المنزع التقليدي القبلي هو الغالب عليها بدليل أن متغيرات الثورة الشبابية التي حصلت خضعت للثوابت التقليدية، ففي وضع كهذا تفعل الثوابت في المتغيرات، بل تفرض نفسها عليها، بدل أن يحدث العكس، ذلك لأن المجتمع في أغلبه الأعم لن يقبل بالانتقال سريعا من الحس الثابت الذي رسخ عليه دهرا طويلا إلى وضع متمرد عليه، فيقوم تلقائيا بعملية تواطؤ سريعة مع السلطة الثابتة تاريخيا المتأصلة في وعيه النفسي والاجتماعي حتى من قبل الأكاديميين والإعلاميين والمثقفين بغض النظر عن بعض الاستثناءات، ولهذا نرى صيحات الجنوبيين باستمرار من صمت زملائهم من هذه الفئات الواعية وتواطئهم تجاه ما يتعرض له شعب الجنوب من قتل وانتهاكات. كانت القبيلة ومازالت هي المرآة العاكسة لطبيعة المجتمع اليمني إلى حد كبير إلى درجة أن يكون الآخر معها ضعيفا، أيا كان هذا الآخر حزبا أو تنظيما أو جماعة أو فصيلا، أو حتى شعبا بكامله، وبما يجعل الشخصيات المختلفة الانتماءات السياسية تعتز أكثر بانتمائها القبلي كوجود أقوى يعزز وجودها الحزبي أو السلطوي، فليس وجودها في السلطة سوى وجود رمزي أو شكلي، أو للاستعمال الخارجي فقط، بوصف القبيلة هي الأصل الفاعل الذي لا ينمحي بسهولة يقوم حولها نوع من الالتفاف المصلحي تكون هي مركز الدائرة منه، وقد يأخذ هذا الوضع اسم الدولة أو هيئة الزعيم، لكنه يعمل بنفس آلية الترتيب القبلي. بناء على ما سبق فإن وتيرة العنف التي ازدادت في الجنوب في الآونة الأخيرة بعد رفض نظام الأقاليم، ومحاولة إعادة أسلوب القبضة الحديدية بإغلاق الصحف، والزج بالعشرات إلى السجون، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، سينهك صنعاء مجددا ويعيدها إلى مربع الإشكال الأول الذي رغبت في الخروج منه بحلولها الخاصة الأخيرة، مادامت بمواجهة شعب بكامله، لاسيما أن المنزع القبلي السلطوي سيظل مسيطرا عليها، محاولا فرض قوته، مع اضطراب تدفق النفط هذه المرة.