يتشح تاريخ الضالع بأكاليل النضال الدؤوب والبطولات النادرة منذ زمن الإئمة والاستعمار ويتميز الضالعيون، بسجايا البساطة والوضوح والصدق والنقاء والتسامح بمقابل الشجاعة والإباء والاستبسال والتضحية في سبيل الدفاع عن الحق. كانت الضالع ذات يوم أحدى المناطق التابعة لنظام الإمامة، لكنها أعيت عمال الإمام والإمام نفسه بمشاغبة أبنائها المنتصرة للحق والرافضة للظلم، والميالة دوما لنزعات التحرر والتطلع إلى الكرامة والعدل، ولأن هذه الفضائل لم تكن تتوفر لدى نظام الأئمة ولأن الأئمة لم يمقتوا شيئا مثل مقتهم لمفردات الحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية، ولأن أبناء الضالع لا يستطيعون أن يتخلوا عن تلك التطلعات، فقد قرر الإمام يحيى حميد الدين التخلص من هذه الشوكة التي آلمت حنجرته وتسليمها للسلطات الحماية البريطانية. لم يفلح البريطانيون في ترويض نمور الضالع وأشباله، بل ووجهو برفض خفي حينا ومعلن في أغلب الأحيان، وعندما أطلق الثائر الشهيد الشيخ محمد عواس الأحمدي في العام 1947م الرصاص من بندقيته إلى صدر الحاكم البريطاني للضالع المستر ديفي ليرديه قتيلا لم يكن يعبر عن شأن شخصي بينه وبين الحاكم الأحمر الذي اراد أن يهين كرامة الإنسان الضالعي من خلال إهانة الشيخ عواس بل كان الشهيد يعبر عن كل الرافضين للإذعان والخضوع للعبودية والاستسلام والاستكانة. وطوال تاريخها كانت الضالع عنوانا للثورة ومدرسة لتعليم فنون الاستبسال ومهارات البطولة، بل إن أبناء الضالع مثل كثير من أبناء الأرياف الجنوبية الكرماء بأرواحهم ودمائهم من أجل الوطن، كان يبادرون في مقدمة المقاتلين في كل المنعطفات التاريخية، منذ 1962م حتى اليوم ويقدمون قوافل الشهداء ويضربون أروع الأمثلة في الصمود والنضال، وما إن يتأكدوا أن الغايات التي ناضلوا من أجلها قد تحققت حتى ينصرفوا عائدين إلى ديارهم لا يبحثون عن مكافأة ولا يطالبون بحصة من الغنيمة. لسنا بحاجة إلى استذكار قوافل الشهداء التي قدمتها الضالع على درب الحرية والكرامة والاستقلال، لأن كل اسم من شهداء الضالع يغطي صفحات من سيرة البطولة وأسفار المجد، لكننا نشير إلى أن أحفاد محمد عواس وسيف الضالعي وأحمد صالح الشاعر وعلي عنتر وقائد مثيني وقائد الشنفره وغيرهم من أبطال النضال الوطني التحرري يواصلون اليوم الدرب الذي بدأه آباؤهم وأجدادهم، ويتصدون ببطولة قل نظيرها لتتار القرن الواحد والعشرين القادمين من كهوف مران وخرائب سنحان، وبالتأكيد لن يكونوا أقل من أسلافهم صمودا وشجاعة واستبسالا طالما كان ديدنهم هو نصرة الحرية وإباء الضيم، وانتزاع الحق والتصدي للعدون. الضالع اليوم تستعيد مكانتها المشرقة في تاريخ النضال الوطني، ويتصدى أبناؤها بأسلحتهم الشخصية لفيالق المعتدي المؤلف من آلاف القتلة المحترفين والمدربين مزودين بأحدث الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لكن بندقية المناضل الصلب صاحب الإرادة الفولاذية تهزم الدبابة التي يقودها مأجور لا يسدد قذائفه إلا وهو يفكر بالمكافأة، كما إن الآر بي جي تو أو سفن التي يوجها شبل من أبناء الضالع يؤمن بحقه ويدافع عن كرامة أهله تخرس المدفعية والصاروخ الذان يطلقهما جنود لا هم لهم إلا إرضاء الطاغية المتخفي في أزقة صنعاء أو في كهوف مران. في الضالع لا يوجد متخاذلون ومن تخاذل أو خان أهله لا ينظر إليه إلا على إنه عدم الكرامة والعزة والشرف، ويكون مكانه هناك حيث يقف الأنذال وبائعي الضمائر ومؤجري أعراضهم، لا بين أبناء الضالع الأحرار الشرفاء. إنها الضالع، مدرسة الإباء وأيقونة الثورات، وعنوان المجد والتسامح والاستبسال والصمود، . . . سيندحر الطغاة وسيولون منكسرين وستسمو الضالع شامخة شموخ جبال جحاف والمعفاري وحرير والضبيات والشاعري، ومعطاءة عطاء الحصين ومرفد وخوير والحازة والعقلة والازارق. واهمون الذين يعتقون أنهم قادرون على كسر شوكة الضالع، لأن الضالع شوكة لا تنكسر وعندما يقاوم أبناء الضالع فإنما يقاومون لينتصروا. وتبا ثم تبا للقتلة المجرمين الذين يهدمون المنازل فوق ساكنيها ويقتلون الأطفال والنساء ثم يصورون ذلك على إنه بطولات لا يؤتى بمثلها. ومجدا وخلودا لشهداء الضالع وكل شهداء المقاومة الجنوبية الذي يررون بدمائهم شجرة الحرية ويسمدون بأجسادهم تربة الأرض الطاهرة لتثمر حقا وعزة وكرامة لكن الجنوبيين، وعندما يموتون لا يموتون ألا شامخين مبتسمين.