يسرد لنا التاريخ عن أقوال نسبت إلى زعماء وقادة دول ظلت شعوبهم تتداولها وتعمل بها وترفعها شعارا لها في جل المناسبات والأعياد الوطنية الخاصة بدولهم حتى بعد وفاتهم أو تخليهم عن عرش الحكم ( عبر صناديق الاقتراع النزيهة ) وحتى بعد تنحيهم وخلعهم … وغالبا ما تكون هذه الأقوال بها من الحكمة الشيء الكثير وتكون نابعة من بيئتهم الخاصة ومعيشتهم مما يجعل الأمم تقر بوجوب العمل بها لتكون واقعا ملموسا في حياتهم عندما يتم تداولها وتطبيقها في حياتهم المعيشية … إلا انه هناك حاله فريدة من نوعها جعلت من الشعب اليمني شعب يضرب به المثل في طاعة أقوال ولي الأمر بغض النظر عن نوعية القول الذي أدلى به زعيمهم الصالح قبل وبعد الخلع حيث تداول الناس في مابينهم وعبر شبكات التواصل الاجتماعي والحديث هنا قبل اندلاع مايعرف بالربيع العربي بخبر تم تسريبه من قبل جندي يعمل في المؤسسه العسكريه حيث يقول ذلك الجندي : بعد تأخر رواتبنا لأكثر من أربعة شهور قمنا برفع شكوانا الى المسؤول المباشر لنا وهو برتبة عقيد وقال لنا سوف ارفع الأمر الى أعلى السلطات في البلاد وهو المشير علي عبدالله صالح وانتظروا خيرا … وماهي الا ساعات قلائل حتى أتى إلينا العقيد ليقول لنا لقد أبلغت سيادة المشير بأمركم وأنكم لم تستلموا رواتبكم لأكثر من أربعة شهور فأبلغني الرئيس انه يقول لكم تصرفوا … انتهى . من المفارقات لهذه المقولة التي خص بها المؤسسة العسكرية أننا لانعلم مدى مصداقيتها على الرغم من انتشارها الواسع المؤكد لحقيقتها ولكننا نشاهد شواهد لتطبيقها فعليا وتنفيذها في واقعنا ومعايشاتنا اليومية في جميع مرافق الدوله ولم تقتصر على الجنود فقط بل شملت قطاعات واسعة لتكون بمثابة مبررا عند كل تصرف او عمل سلبي غير مألوف وغير سوي … فإننا نشاهد شرطي المرور في نقاط التفتيش المنتشرة يقوم بعمل مشهد تمثيلي متقن ويخبرك انه لديه تعليمات بتفتيش مركبتك والأمر سوف يستغرق بعض الوقت فإن أردت الذهاب فما عليك سوى دفع أي مبلغ واذهب إلى حيث سبيلك وعندما تقوم بعملية استفسار ترى أقوال الرئيس حاضره ( تصرفوا ) .. ولنا في مطار المكلا ( الريان سابقا ) كيف ان يتم استحداث مواقف للسيارات قبل دخولك إلى حرم المطار بعدة أمتار ويعطى لك قصاصه ورقيه وكأنها حجاب من المس تعطيها مسؤول خروج المركبات ويكتب بها وقت الدخول وتفاجئ انه لا يوجد بالاصل موقف للسيارات والأمر واضح وضوح الشمس أن الهدف كيف تكسب المال بغض النظر عن الطريقة فتلوح في الأفق فتوى ( تصرفوا ) … ولنا في مقاولي البناء الشيء الكثير فما أن يتم الانتهاء من مرفق حكومي أو سفلتة طريق حتى نرى ان ذلك المرفق بدأت به التشققات تظهر والإسفلت الحديث بدأ بالتآكل وبدلا من أن يتم محاسبة واستدعاء المقصر وهو المقاول فأننا نرى المسؤول يخرج الينا بتصريح معللا أن الأمر لايستحق كل هذا الزخم والتضخيم ، عامل بناء واحد وكيس اسمنت وكيس نوره وينتهي الأمر والفتوى أقوال الرئيس ( تصرفوا ) … ولنا أيضا في التربية والتعليم وقفه فأننا نرى بعض مسؤولي التربية يدعوا إدارات المدارس بالقيام بحملة للتبرع لأطفال غزه ويخبر معلميها عن استقطاع من رواتبهم لزلزال ضرب شمال اليابان ! ويتضح في مابعد ان ريع التبرع لغزهواليابان لإغلاق مديونية مدرسه مطالبه بتسديد فواتير لمحل أثاث مكتبي والفتوى ( تصرفوا )… ونرى أيضا البعض من التجار يقوم بتخزين المواد الغذائية حتى تنعدم من السوق ويقوم بإخراجها ورفع قيمتها مرة أخرى دون وجود لأي دور رقابي من وزارة التجارة فالرئيس قال ( تصرفوا ) … وغيرها الكثير من الوقائع و الامثلة التي نعايشها بشكل يومي التي تتخذ من تصرفوا الحجه .. ومن واقع الحال فأننا نقول ان مجتمعاتنا الجنوبية لم تألف تلك المظاهر الدخيلة والتي كان لها الأثر السلبي البالغ على عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وبيئتنا المحافظة التي نشأنا عليها … وشاهدنا كيفية انتشار الفساد بكافة إشكاله من رشى وتلاعب وسرقات دون الخوف من وازع ديني او رادع دنيوي … اننا نتألم من هذا الواقع المؤلم و ما آلت اليه الأمور ونحن نرى انهيار شبه تام للقيم والأخلاقيات والتي طالما ماجسدها الجسد الجنوبي وتوارثها جيل بعد جيل وأصبح الجشع والطمع هي المصطلحات الذائعة الصيت في مجتمعاتنا … وبرغم ما أصابنا من هذه المصائب الا انه مازال يحذوا بنا الأمل بعد الألم ليتعافى الجسد الجنوبي من هذه الغمة . لقد قاموا بإتباع شعار ( تصرفوا ) وعملوا على تحقيقه … الا يحق لنا بعد تلك المشاهد أن نرفع شعار ( انصرفوا ) ونعمل على تحقيقه ؟ والله من وراء القصد