في كل زمان ومكان يميل أهل ذلك العصر إلى استخدام مفردات تخدم أغراض أصحابها ولعل كلمة ( المقاطعة ) من أكثر الكلمات رواجاً ، فهي ملازمة للأحداث التي وقعت وستقع في أزمنة مختلفة ( ماضياً – حاضراً- مستقبلاً ) فقد طبقتها قريش ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن أيده ، وقامت بتطبيقها دول ضد أخرى ، وشعوب ضد شعوب وقبائل ضد قبائل.. وهلم جرا ، وهنا يجب التفريق بين المقاطعة الإيجابية التي تدافع عن الأنبياء والمقدسات والمثل والمبادئ والأخلاق وبين المقاطعة المنهي عنها في الإسلام ، التي هي اقرب للهدم منه للإصلاح ، فقد حاولت قريش بعد فشل كل تجاربها من أساليب الضغط والتعذيب اللجؤ إلى الحصار الاقتصادي والاجتماعي ضد أبي طالب والهاشميين الكرام ,, ووضعت قريش في أوج قوتها شروطها المجحفة بنقاط ثلاث ترتكز :على الرضوخ لمطالبها في تسليم الرسول صىلى الله عليه وسلم كي تقتله ، أو أن يتراجع نبي الأمة عن دعوته ، أو أن يموتوا جوعاً وذلاً وبهذا الإجراء يرفعون المسؤولية عن الفرد المحدد وتصبح جماعية ، فقرروا هذا الرأي بعد اجتماع مشيخة قريش ، ورغم هذه المقاطعة الظالمة ، ألا أنها لم تفلح في تحقيق أهدافها ، وأنتصر الحق على الباطل إن الباطل كان زهوقا . وعلى صعيد آخر وفي مشهد مختلف يثلج الصدر ويلهب المشاعر ويرفع المقام العالي لأعظم نبي عرفه التاريخ البشري ، رأينا كيف كانتِ النصرةُ لنبي الأمة ؟ وهو أمرٌ يدل على الغيرة للدين وللرسول العظيم ، وما أظهرته المقاطعة الإيجابية من هزة و قلقَ لدولة الدنمارك ومعها دول الاتحاد الأوروبي التي تمادت في غيها فتطاولت بعد ذلك على القرآن حقداً على الإسلام ، وكان من ثمراتِ هذه المقاطعةِ ظهور بحوثٍ ترشدُ الناسَ وتدلهم إلى حقيقتها وحكمها من خلالِ النصوصِ الشرعيةِ والقواعدِ العامةِ في الشريعةِ وزاد الوعي في جانب من الجوانب الحيوية من خلال ايقاظ الشعوب الإسلامية من غفوتها وسباتها العميق .أما ما يفعله اليوم أخوة تربطهم رابطة الدم ووحدة المصير ، فتلك مقاطعة لا تستند الى العقل والمنطق ولا يقرها الدين الإسلامي الحنيف ولنا أن نتساءل بكل شجاعة : ما الحكمة من اتخاذ المقاطعة وسيلة للضغط أو الخنوع والاستسلام ؟ أهكذا نحل مشكلاتنا التي لو وضعناها على مائدة حوار دائرية لحلت !!! أم أن وراء الأكمة ما وراءها !!! وهل المشكلة تتعلق بمصير مجموعة أو مصير قبيلة !!! فالمشكلة اليوم أكبر بكثير ، فهي تتعلق بمصير شعب بأكمله عاني ما عاناه وحان وقت انتشاله من هذه المعاناة التي تجثم على كاهله وتثبط عزيمته وتقلل من فرص انفراج أزمته إذا ما ظل الحال على ما هو عليه الآن . لا أتجنى على الحقيقة والواقع إذا قلت بأن ما يحدث اليوم من اختلافات في وجهات النظر مرده ( المقاطعة غير المعلنة ) بين بني جلدتنا والتي ترتدي عباءة الدعوة إلى الحق .. فهل الحق أن يُتخذ هذا الشكل من الاختلاف بهدف مقاطعة الخصم أياً كانت صفته أو انتماءاته وحشره في الزاوية الضيقة – دون أن تتاح له عرض وجهة نظره هو الآخر أيضا - ، على اعتبار إن من يقوم بهذا النهج إن كان هذا الحزب أوذاك أو هذه المجموعة أو تلك بأنهم هم المحقون فيما يفعلونه وغيرهم من ضل سواء السبيل .. والمصيبة إن من يلجأ لهذا الأسلوب من المقاطعة يحاول خدمة نفسه بدعوى الغيرة وذلك على حساب الوحدة الجماعية بكل صورها .. مجموعات كانت أم قبائل أو شعب بكامله .. فتجيير الشئ لمصلحة فردية أمر مهلك لأن النزعة الفردية الشوفينيه في هذه الحالة هي من يغلب على التفكير ؟؟؟ بل تجده يقوم بهذا الفعل المتزمت كي يرمي بالتهم لغيره ، ويصفهم تُبعاً وأمعاء ويصف الآخرين بأنهم سيهدمون المعبد فوق رؤوس من فيه ، فتلك نادرة من النوادر في زمن العجائب ، كم نحن اليوم أحوج ما نكون إلى المصداقية في أقوالنا وأفعالنا حتى نزيل الغشاوة عن أعيننا ، فهل بلغ التعصب مبلغه ، بحيث فقدت الحكمة ولم يعد هناك من عقلاء يحاولون إيقاف من يتطاول على أسس التعايش الجماعي ومحاولة فرض هيمنته وعنجهيته وتمرير سياساته الخرقاء التي لن تخلق سوى التشتت والتشرذم والتمزق وكل المفردات التي تندرج في هذا المعنى وفي إطاره … وهل عقمت النساء من أن تنجب عاقلاً واحداً في أمة متكاملة البشر – هذا إذا أفترضنا جدلاً بأنه لا يوجد حكيم ، مع إننا علي يقين بان في الأمة رجال تقوى وورع وفيها النخبة المثقفة الواعية بمتطلبات المرحلة الراهنة ولديها الآليات والأدوات للتعامل مع الواقع .. لا بد من البحث عن حلول مقنعة ولابد من وجود النوايا الحقيقية لتجاوز أزماتنا التي ابتلينا بها وذلك نتاج أعمالنا غير الناصحة وقد صدق أبن الجوزي رحمه الله تعالى عندما قال : ( من أعمالكم سلط عليكم ) . وخير عظة من الله عزوجل في محكم كتابة العزيز ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . هذه دعوة أخرى أضيفها إلى دعوتي السابقة التي وجهتها في مقالي ( الضباب الذي يحجب الرؤية ) المنشور في موقع المكلا اليوم الإخباري .. فهل من استجابة تزيل الضباب الذي حجب الرؤية وترفع المقاطعة غير المعلنة التي تتخذ شكل الاختلاف شماعة ونحن واثقون كل الثقة بأنه لو صدقت النوايا لحلت كل الخلافات من خلال إبداء التنازلات والمرونة الواقعية في التعاطي معها إنتصاراً لأهداف نبيلة يتوحد بها الصف والشارع معاَ ويزول التعصب للرأي وتتلاقح من خلالها الأفكار وتصب في وعاء واحد … أقولها لكم بمحبة : فهل أنتم فاعلون ؟؟؟