يعتبر النقد من الأساليب الهامة التي يتخذها الإنسان في إطار العمل الجماعي بل والفردي أيضا حين يكون على شكل مراجعات ذاتية للخطوات التي اتخذها مادية كانت أو فكرية بهدف تصحيحها والارتقاء بها . كذلك تتخذه الجماعة أسلوبا لتطوير عملها لان خبرات الناس ومعلوماتهم تتفاوت من شخص لآخر . فالنقد فن يحتاج إلى أن يتمتع الناقد بسمات ثقافية وعلمية معينة تمكنه من تقديم نقد بناء وبأسلوب راق لا يحمل أي تجريح للآخر مهما كان مستوى الخطأ الذي وقع فيه بحيث يركز الناقد على الفكرة لتصحيحها أو توضيحها وليس على صاحب الفكرة بهدف النيل منه وبالتالي فمثل هذا العمل يتطلب دراية تامة بموضوع النقد حيث لا يكفي أن تقول بأن هذه الفكرة أو تلك خاطئة بل لابد أن يكون لديك البديل الصائب أو عليك أن تصيغ عدم إلمامك بالفكرة المطروحة على شكل تساؤل يسمح للطرف الآخر بتوضيح فكرته التي ربما كانت غامضة لك لأسباب تتعلق بك أنت . فحين تتساءل فأنت تتيح للآخرين إمكانية تشخيص الخطأ إن وجد عن طريق مناقشته وتصحيحه فلا تتسرع في نقده . فالنقد أداة لإيضاح الأشياء بهدف فهمها يمكن الآخرين من اتخاذ موقف إيجابي تجاهها للارتقاء بها .فلا يكن نقدك عبارة عن طريقة شريرة هدفها الإيذاء والكيد للآخرين أو رغبة في إبراز الذات على حسابهم . ففي مواقف كثيرة لا يكون العيب فيمن لم يتقبل النقد وإنما في من قدمه بأسلوب غير لائق فالناس لا تضيق بالنقد بقدر ما تضيق بالحقد عندما يتحول النقد إلى معول للهدم .فمن المؤسف حقا أن يأتي من ينسف عملا بذل فيه من الجهد الكثير لمجرد إنه لم يجد فيه ما توقعه منه . فحين لا يكون الموضوع واضحا لديك ليس بالضرورة أن يكون هناك قصورا فيه فربما القصور في مستوى الإلمام بتفاصيله لذا فلو سنحت لك الفرصة بحضور مناقشة لموضوع أنت غير ملم به فكن مصغيا جيداً فالإصغاء فن لا يتقنه الكثيرون فكن متميزا فيه . فقد قرأت يوما حكاية طريفة وإن كانت ربما من صنع الخيال إلا إنني أحببت أن أوردها لدلالتها هي كالتالي : أن رساما شهيرا آمن بجدوى النقد ونفعه فكان كلما رسم لوحة وضعها خارج مرسمه واختفى خلفها ليستمع لرأي المارة حولها وذات مرة رأى إسكافيا قادما من بعيد فاختفى خلف لوحته فإذا بالاسكافي يحدث نفسه بصوت مسموع حول اللوحة قائلا رسمة جميلة لرجل لولا أن عنق الحذاء كان أطول مما ينبغي وغادر المكان ليعد الرسام لوحته و يقصر عنق الحذاء . وفي طريق عودته مر الإسكافي على اللوحة مرة أخرى وقد أعجب حين رأى عنق الحذاء قد قصر وأخذه الغرور فراح يستكشف عيوباً أخرى فلم يتمكن من اكتشافها وقبل أن ينصرف قال كذلك عنق الرجل كان يجب أن يأخذ منه بعض الشيء وهنا ظهر له الرسام قائلاً له أولاً أشكرك على الملاحظة الأولى لقد استفذت منها وعملت بها أما هذه فاسمح لي أن أقول لك : يجب أن لا تتجاوز ملاحظات الإسكافي عنق الحذاء . ليس هذا رفضا للنقد ولا تقليلا من شأن الناقد كونه إسكافياً لأن نقده السابق قد قبل وإنما هي دعوة لاحترام أمانة النقد بحيث لا تنتقد إلا في حدود علمك وثقافتك حتى تصدر فيها أحكاماً عادلة . فليس النقد أحكاما متطرفة تحصي السيئة وتجحد الحسنة وليس إصدار أحكام عشوائية دون التثبت من صدقها إنما هو أمانة وله ما للأمانة من حرمة .