والعام الدراسي قد بدأ كما في أي دورة سنوية جديدة أود أن أشير إلى مسألة الاضطهاد الذي يلاقيه المعلم من جهات مختلفة من ضمنها الطالب الذي لم يكن ليدور ببال أحد أن يغدو بدوره مضطهدا لمعلمه، بل يمثل سلطة واسعة تجد عمقها في شريحة من أفراد المجتمع خارج المدرسة تعمل بصورة إرادية أو لا إرادية على تعزيز هذا الاضطهاد الذي صار أشبه بالتصور الأساسي في أذهان الطلاب عن معلميهم والذي عملت عدة ممارسات على إنضاجه لعل من أسوئها مجيء بعض الآباء إلى المدرسة شاتمين للمعلم ومهددين بضربه لمجرد تأنيبه لأبنائهم أو طردهم من الصف، أو مجيء الأهل إلى قاعات الامتحانات، وربما تسلق أسوار المدرسة في سبيل وصول أوراق التغشيش إلى بنيهم!. هي بذرة من خلل أخذت تتنامى في كثير من الأسر دون أن تبادر المؤسسات المعنية إلى علاجها حتى استفحلت إلى درجة يمكن فيها القول إن المعلم امحت صورته النموذجية من أذهان شريحة واسعة من الطلاب، أو تزلزلت إلى حد كبير مادامت صورته التي يتلقونها عن آبائهم هي بالشاكلة التي تقدمت، وهو ما يجد تجسيده اليومي في استعداد الطالب لضرب المعلم، أو مبادرته إلى ضربه فعلا، أو تشكيل جماعة من صحبه تنتظر المعلم خارج المدرسة، أو يعطبون له عجلة دراجته النارية في الأقل في واحدة من أسوأ الإشكاليات التربوية والاجتماعية التي لا تنتمي إلى القيم الوطنية ولا إلى القيم الدينية أو الأخلاقية بأي شكل من الأشكال. إن هذه العلاقة غير المتوازنة بين المدرس (المتعلم الواعي) والأب (المختل سلوكيا) لصالح هذا الأخير لا تبشر بخير للمجتمع في مستقبله مادامت السيطرة تدفع بالطالب (الابن) إلى ذلك المستوى من التعامل غير الأخلاقي مع معلمه الذي تحول في نظره إلى كائن محتقر أو غير مرغوب فيه أو مكروه (للأسف) وهو واقع نعيشه يوميا ولا يعمل على صده أحد، في الوقت الذي يأخذ في التنامي سنة وراء أخرى بما لا يمكن معه مستقبلا –لو زاد استفحاله- القضاء عليه حين ينعكس بصورة أشمل على صراع المواطن مع الدولة –أيا كانت- أو على صراع المواطنين أنفسهم في كثير من أساليب القمع والقمع المضاد. لعلنا أمام فلسفة في التربية ترسم عمليا لما يمكن تسميته بالمجتمع المضطرب مستقبلا حيث يتم الانحياز إلى الذات على أنها نمط لا يعلو عليه أحد، ولو كانت متجنية، وتنفذ في سبيل تحقيق رغباتها عددا من الوسائل والإجراءات غير القانونية وغير المهذبة، ومنذ هذه السن المبكرة- تبدأ في التمرد على من يحاول ردعها وضبط سلوكها. هذا التحيز المطلق إلى الذات سواء مثله الأب أو الابن أو كليهما تعمل على تحفيزه عدد من العواطف الانفعالية التي تترجم في صيغ مختلفة حسب المواقف والحالات، وفي حالتنا هذه يستخدم من الصيغ مثلا: ((الأب لابنه: لا تسمح له أن يهينك .. من يكون.. أنا باروح المدرسة بارويك فيه أمام المدير حقه.. ما حصل إلا انته يتجرأ عليك)) (الطالب أمام زملائه: أنا هذا المدرس باوريكم فيه اليوم با بهدل به بهدلة باجيب له الدوخة)) ((الطلبة: ولا يهمك عندك به ونحن معاك)) ((المدير للمدرس: الله يخليك تجنب إثارة الإشكالات مع هؤلاء الطلبة، لا أنا ولا أنت با نقدر عليهم، خليك في حالك، شفنا ما باسوي لك شيء)) ويتجسد القول والفعل معا حيث لا يغدو التهديد افتراضا، وإنما فعل يقع بكامل ثقله على المعلم المضطهد دون أن ينصفه أحد. والنتيجة أننا كلنا نُضطهَد، وكلنا نغرق.