ما زلنا نعيش أجواء الهجرة ذات المعاني السامقة والدروس البليغة والمواقف الجليلة والعبر الفياضة . دروس الهجرة عظيمة كعظمتها والمسلم من يتعلم من الهجرة . ما نحن إذا قسنا حالنا بحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ؟ ماذا قدَّمنا للإسلام مقابل ما قدَّموا ؟ لا وجه للمقارنة , أين الثرى وأين الثريا ؟ هم رفعوا منارة وشأن الإسلام ونحن هدمناه . ضحوا في سبيل الإسلام بمُهج النفوس بنما لم نقدم نحن شيئاً . رفعوا لا إله إلا الله ونحن خفضناها . أعزوا الإسلام ونحن أهنَّاه . جاهدوا في سبيله ونحن أضعنا ما حققوه . قدَّموا الإسلام في أروع صوره حتى دخل الناس فيه أفواجاً رغبة لا رهبة , ونحن شوَّهنا الصورة الناصعة وأسأنا إليه وجنينا عليه والخارج من الإسلام أكثر من الداخل فيه والمرتد والمتشكك يفوق المؤمن الموقن . لو تحاسبنا لطال المقام , سنتجاوز الحساب لنقف مع دروس وعبر ومعاني الهجرة المباركة : · الهجرة درس خالد في الصبر على البلاء ونحن نعلم ما لاقاه النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وكم صبروا وكم تحملوا . · الهجرة درس عظيم في الثبات على الحق , في الإيمان والتسليم والإنقياد والطاعة واليقين . · الهجرة درس فريد في الصلابة على الحق وعدم التنازل والمراوغة . · الهجرة درس متميز في التضحية والبذل وكلنا على علم يقيني بتضحيات رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وبذلهم . · الهجرة درس لا نظير له في الفداء والجهاد والسلوك والعدالة والمساواة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . · الهجرة درس بالغ المعاني في النصرة والإيثار فما قدَّمه الأنصار الذين آووا ونصروا لإخوانهم المهاجرين يفوق معاني الوصف إذ بلغ أسماها نصرة لدين الله وإعلاءً لشأنه . · الهجرة درس بليغ في مواجهة الظلم والإستكبار والبغي والعدوان ومقارعة الإستبداد . · الهجرة درس لا مثيل له في الفطنة والذكاء والتخطيط والتمويه والمناورة في سبيل دين الله وإعزازه . · الهجرة أعظم دروس التربية والتهذيب لسلوك رجال هم الأعراب الأشد كفراً ونفاقاً . الأعراب دوماً يؤثرون المصالح الخاصة على العامة والإسلام هذَّب سلوك هؤلاء الأعراب وزكَّى نفوسهم . لو نظرنا في واقعنا لوجدنا الحال أعراباً قساة نؤثر الخاص على العام , ونحن بحاجة ماسة لروحانية تُربي نفوسنا وتزكيها وتسمو بها من أعرابية إلى إيمان وإحسان . نحن اليوم في تعاملنا مع الدين أعراباً , وفي معاملتنا لبعضنا البعض أعراباً . وفي قيادتنا أعراباً . نحن اليوم في أمس الحاجة لدروس الهجرة وتجسيدها في الواقع العملي ليعود الإسلام كما كان , ونعيش كما عاش أسلافنا بعزة وهيبة وكرامة . ذلك لن يتأتى ما لم نعود لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .