التدخل العسكري الغربي العلني سيزيد من ترسيخ القاعدة في جزيرة العرب
معين قائد راجح
اليمن على شفا الهاوية..كان هذا عنوان ورقة للباحثة الاسترالية سارة فيليبس نشرتها مؤسسة كارينجي للسلام الدولي مارس الماضي،عرضت خلالها جملة من التحديات التي تواجه البلاد اضافة الى بعض الاخطاء التي ارتكبتها الحكومة اليمنية والذي بدوره يهدد أمن واستقرار البلاد،ناهيك عن استغلال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب له وتوظيفه لصالحهم من خلال تجنيدهم القبائل اليمنية القابعة على الحدود وغيرها في الرقعة اليمنية..
قالت الباحثة الاسترالية سارة فيليبس إن اليمن دولة فتية يحكمها نظام المحسوبية الذي يعتمد على شيوخ القبائل,وتفتقر مناطقها النائية لوجود الحكم الرسمي ما سهل من اتخاذ عناصر القاعدة ملاذا آمنا منها, موضحة أن اليمن ليست العراق, إذ أن النظام اليمني متسامح تاريخيا إزاء المتشددين في جزيرة العرب, في حين ترى أن القبائل في وجود القاعدة قريبة منها عبئا عليها. كما أكدت فيليبس أن اليمن لم تستقر منذ انطلاقة ثورتها في النصف الثاني من القرن الفارط, في الوقت الذي تواجه فيه الدولة شبح نفاد مخزونها النفطي بعد أقل من عشرة أعوام, في ظل التهديد التي تواجهه من عناصر القاعدة الذين يسعون للاستفادة من عدم الثقة المتبادلة بين القبائل والدولة حالياً.
اليمن على شفا الهاوية
وتساءلت فيليبس في ورقتها التي نشرتها سلسلة أوراق مؤسسة كارينجي للسلام الدولي, في عددها الأخير, مارس الماضي تحت عنوان "اليمن على شفا الهاوية", عما إذا كانت اليمن, التي وصفتها بالدولة المشاكسة, قد تتمخض أوضاعها المتطورة إلى ظهور نظام على غرار نظام طالبان؟ مشيرة إلى ما كان قد أعلنه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في عزمه على تحقيق ما أسماه بالمشروع الإسلامي الكبير, في إقامة دولة الخلافة الإسلامية, إلا أنها أوضحت أن ذلك يعد عُرضة للخطر حيث أن القبائل اليمنية تعتبر وجود هذا المشروع بمثابة خطر أو عبئ عليها.
وأضافت فيليبس, وهي محاضِرة في مركز دراسات الأمن الدولي, جامعة سيدني, وعملت باليمن حوالي أربع سنوات- أن ناشطي القاعدة وجدوا ملاذا آمنا في بعض المناطق القبلية في اليمن, في ظل افتقار العديد من المناطق النائية في اليمن إلى وجود حكم رسمي فعّال تديره الدولة, إلا أن الورقة التي أوردتها سلسلة أوراق كارينجي أشارت إلى أن سعي القاعدة إلى إقامة خلافة عالمية إسلامية قد يتعارض مع العديد من الحقائق السياسية المحلية, ما يعني أن التنظيم قد يتعثر في إقامة مشروعه, في حين يشكل تهديدا للآليات الملحية التي تحافظ على قدر من النظام.
على الغرب أن يتخذ سياسة حكيمة تجاه اليمن
وطلبت الورقة من الدول الغربية أن تتخذ سياسة حكيمة في تقييم تعقيدات السياسة المحلية في اليمن؛ لأن التدخل العلني للغرب سيزيد من ترسخ القاعدة في البلاد على الأرجح. وقالت إن "الجمهورية اليمنية دولة فتية ونامية نسبيا حيث قواعد السلطة السياسية فيها ما تزال قيد التفاوض" وتساءلت: هل يمكن لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب دفع الحكومة اليمنية إلى الانهيار, ليكون البديل نظام على نمط طالبان؟, مضيفة أن أي عمل في اليمن يجب أن يضع اعتبارا لمسألتين: طبيعة السلطة في الدولة, والعلاقة المعقدة بين مجتمعاتها القبلية والجهاديين المتشددين مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
ضعف النظام اليمني
ولفتت الباحثة المتخصصة في الشؤون السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وسياسات بناء الدولة, إلى أن القاعدة تستفيد من ضعف النظام اليمني, لكن فشل النظام لن يكون بالضرورة انتصارا للمتشددين, فاليمنيون ليسوا متعاطفين بطبيعتهم مع الجماعات الجهادية المتطرفة, والقاعدة في جزيرة العرب تستفيد على الأرجح من وضع اليمن كدولة ضعيفة أكثر مما تستفيد لو أن الدولة فشلت تماما. وقالت إن اليمن لم تستقر على قواعد لعبتها السياسية منذ قامت ثورتها في بداية ستينيات القرن المنصرم, إذ استمر بها الحال في المفاوضات التي تعودت عليها الدول المتنامية والمتمثلة في "مَن يحصل على ماذا؟, ومتى؟, وكيف؟".
تحريض القاعدة للقبائل
وأوردت فيليبس, في ورقتها عن اليمن, ما كان قد أعلنه زعيما تنظم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي, وأيمن الظواهري- نائب أسامة بن لادن, في تفهمهما بأن النظام القبلي ما يزال ضروريا للحكم والسلطة في أجزاء واسعة من اليمن, مؤكدة أن تصريحات زعماء القاعدة عزفت على عداء القبائل القديم للسلطات, ما يعني أن تنظيم القاعدة يعتزم الاستفادة من عدم الثقة المترسخة لدى القبائل بالدولة, ومن ذلك كان التنظيم في جزيرة العرب, حسب الباحثة الاسترالية, الأمر الذي يشعل فتيل الحقد والكراهية للدولة ومحاولة الانقضاض عليها في اقرب فرصة تسنح لهم،مما يشير الى ان القاعدة قد تفكر ان لم تكن فكرت بدعم القبائل للانقلاب على الحكم في البلاد،حتى يسهل لها ذلك الوصول الى مآربها سريعاً واختصار الطريق- أمامها -المليئة بالعقبات لأسباب كثيرة أهمها أنها تسعى الى زرع خلافة ليست بالاسلامية كما تصور للرأي العام بقدر دموية الحكم الذي قد يفتح كشفاً خاصاً باسماء المطلوبين للتصفيات الجسدية،ولعل القاعدة نجحت في مخططاتها في بعض المراحل كما حصل في اكتوبر 2008م اثناء مطالبة عبيدة للدولة بتأمين استسلام الريمي.
كبير المشايخ
إلى ذلك, قالت سارة فيليبس إن بعض القبائل اليمنية تستغل خطر القاعدة؛ لكسب النفوذ في مواجهة الدولة, "ففي أكتوبر 2008 واصلت الحكومة المفاوضات مع قبيلة عبيدة في مأرب وذلك في محاولة لتأمين استسلام الريمي", في حين "يُعتبر جزء كبير من قبيلة عبيدة, ولاسيما كبير مشائخها, مواليا للحكومة, الأمر الذي يوحي بأن حماية الريمي كشفت عن وجود شقاق داخل القبيلة نفسها,"وهو ما تسعى له القاعدة لإحساسها ان استمرار قوة القبيلة قد يؤثر عليها ايضاً"حيث عرض بعض المشايخ الأقل شأنا على الريمي, وربما آخرين من أمثاله, ملجأً لزيادة نفوذهم داخل القبيلة في مواجهة الحكومة أو كبير المشايخ". وأضافت:أن نقص الأموال المتاحة للقبائل من قبل الحكومة سيقطع الهبات عن المشائخ الصغار, الذين قد يكونون أكثر ميلا لمساعدة عناصر القاعدة الفارين؛ لتأكيد أهميتهم أو ملء الفراغ الناجم عن تراجع سلطة الدولة, في حين أن العرف القبلي والشرف يلزم القبائل على توفير الضيافة للدخيل الذي يطلب الحماية, بينما تسليم شخص يطلب الحماية يعد عارا لدى قبائل اليمن.
مكاسب تنظيم القاعدة
وفي حين يتعين على الحكومة اليمنية إقناع القبائل بأنها تستطيع أن تقدم لها أكثر مما يستطيع تنظيم القاعدة, نبهت الورقة البحثية إلى أن تنظيم القاعدة سيواجه ذلك بالعمل على افتراض معقول مفاده أن الحكومة اليمنية لن تكون راغبة أو قادرة على إقناع القبائل بأنها ستقدم الكثير. وقالت معدة الورقة إن "مكاسب تنظيم القاعدة في اليمن متجذّرة في الأخطاء التي ترتكبها الأجهزة الأمنية والسياسات التي تنفّر الجماهير عبر مكافأة النخب"
وقالت إن "القاعدة في جزيرة العرب أثبتت حنكتها السياسية, حيث ركّزت على مظالم الحكومة وحاجة القبائل إلى الاستقلال"، ل"تحقيق مشروعها الإسلامي الكبير: "إقامة الخلافة الإسلامية".
وأوضح التقرير إن الحكومة اليمنية كانت قد نظمت مؤتمرا في محافظة مأرب لمناقشة الأسباب والحلول الخاصة بالإرهاب في المحافظة بعد الهجوم الانتحاري الذي شنه تنظيم القاعدة ضد مجموعة من السياح الأسبان في مأرب في يوليو 2007, وكانت الحكومة قد دعت إلى حضور المؤتمر عددا من الدبلوماسيين الجانب وموظفي المنظمات غير الحكومية, إلا أنها لم تضمن سلامتهم إلا من خلال استخدام مرافقة قبلية مختلطة, إذ "جلس عضو من كل قبيلة من المناطق المحيطة في القافلة التي نقلت الأجانب من وإلى المؤتمر, وكان أي هجوم ضد القافلة من شأنه أن يعرض مرافقي الأجانب من القبائل للخطر, الأمر الذي كان بإمكانه أن يشعل الصراعات الدموية الانتقامية التي تعرّض قبيلة المهاجم أو الراعي القبلي إلى الخطر".
السلفية التقليدية
ويواجه تنظيم القاعدة, على الصعيد الأيديولوجي, وفقا لسارة فيليبس, صعوبات في سد الفجوات الكبيرة في المجتمع اليمني, إذ أعلن ناصر الوحيشي في مايو 2009 دعمه ل"جنوب اليمن" من أجل الانفصال ،وعلى الرغم من أهمية تصريحات الوحيشي, كما تقول, إلا أنه حافظ على إطار مرجعي جهادي صريح حين شدد على أن الشريعة الإسلامية هي السبيل الوحيد للجنوبيين من أجل التغلب على ظلم النظام. وقد أصبحت القاعدة في جزيرة العرب أكثر براعة في دمج نفسها في الصراعات السياسية المحلية, لكنها لا تتخلى عن أيديولوجيتها المتشددة, كما أن إصرار السلفية التقليدية على وحدة الأمة (الجماعة الإسلامية), في خصام بطبيعته مع الحركة الانفصالية, في حين أن القاعدة في جزيرة العرب لا يمكن أن تدافع عن الانقسامات في داخل الأمة عندما تكون مهمتها إقامة خلافة (إسلامية) عالمية.
أزمة النظام اليمني
وتخلص سارة فيليبس إلى أن لكل من القاعدة والحكومة اليمنية تطلعات تتعارض مع القبائل اليمنية, مشيرة إلى أن الهوة بين اهتمامات القبائل المحلية والأجندة العالمية المُركّزة لتنظيم القاعدة تُوفّر فرصاً للحكومة لحل شكاوى بسيطة عن طريق إقناع القبائل بأن الحكومة رهان أفضل من تنظيم القاعدة على المدى الطويل. إلا أنها نوهت إلى أن هذا بعيد, ومن غير المرجح أن يتحقق الحل الوحيد الطويل الأجل لمسألة دعم استقرار البلاد, ما دام "النظام اليمني في أزمة". ورجّحت فيلبس أن ينتهي أمر القاعدة في جزيرة العرب في نهاية المطاف كما انتهى أمر الدخلاء الآخرين الذين حاولوا القيام بالشيء نفسه, في طموح السيطرة السياسية على الأراضي في المناطق القبلية اليمنية.
التدخل العسكري الغربي
وتقول سارة: "إن أساس المشكلة في اليمن هو نظام السلطة ويزيد من ترسيخ المصاعب الاقتصادية لليمنيين" داعية الغرب إلى الأخذ بعين الاعتبار أساس المشكلة المتمثلة بالسلطة المركزية. وأضافت أن نمو الجهادية في اليمن نابع من طبيعة النظام السياسي في البلاد, مؤكدة أن استهداف قيادة القاعدة في اليمن بضربات جوية وبمساعدة أمريكية لن يغير من نمو التنظيم, كما أن الضربات الجوية لن تعزز النظام اليمني في مواجهة الجهادية المتطرفة على المدى الأطول. كما توصلت سارة فيلبس إلى أن التدخل العسكري الغربي العلني سيزيد من ترسيخ القاعدة في جزيرة العرب في الوعي السياسي المحلي, في الوقت الذي ما يزال الجهاديون يقولون إن الحكومة اليمنية "عميلة أميركا".
نزع قدر كبير من السلطة
وقالت فيلبس في نهاية ورقتها: "إن تعزيز جوانب النظام اليمني التي تهدد بقاءه ليس هو الحل, بل الحل يكمن في إعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي اليمني", مشيرة إلى أن "النظام يجب أن يصبح أكثر شمولا, وهو ما يعني نزع قدر كبير من السلطة من النخبة الحالية", مؤكدة على أن هذا "أمر غير مرغوب فيه في نظر تلك النخبة, ولاسيما أولئك الذين يحافظون على نفوذهم من خلال وسائل غير دستورية". وفي حين تساءلت عما إذا كان الغرب قادرا على الدخول في تعقيدات السياسة المحلية في اليمن من دون أن يُنظَر إليه على أنه يضمن أساس مشكلة شرعية الحكومة, أكدت أن هذه "مهمة بالغة التعقيد", في دولة وصفتها بال"هشة". يجدر بالذكر أن "أوراق كارينجي" هي عبارة عن سلسلة دراسات تصدر عن "مؤسسة كارينجي للسلام الدولي" ويعدها باحثون من المؤسسة, إضافة إلى باحثين من مؤسسات أخرى, وتشمل السلسلة أبحاثا جديدة آنية ومقتطفات أساسية من أبحاث أوسع يجري البحث بها. في حين أن سارة فليبس, هي استرالية الجنسية وتعمل في برنامج التعليم العالمي, كما تحاضر في مركز دراسات الأمن الدولي, جامعة سيدني, وسبق لها أن عاشت وعملت في اليمن حوالي أربع سنوات, وهي متخصصة في الشؤون السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وسياسات بناء الدولة. وأصدرت كتابها الأخير عن الديمقراطية في اليمن, تحت عنوان "التجربة الديمقراطية اليمنية من منظور إقليمي 2008", تم نشره عن دار بالغريف ماكميلان.