"قضاء وقدر".. هكذا قرر التيار الإسلامي في اليمن أن يصف مقتل الطفلة اليمنية "إلهام" التي لم تبلغ الثانية عشر من عمرها، بعد مرور ثلاثة أيام فقط من زواجها على رجل يبلغ ضعف عمرها! "إلهام" أو "شهيدة العبث بأرواح الأطفال" حسب ما أسمتها منظمة "منتدى الشقائق العربي" الناشطة في مجال حقوق الإنسان في اليمن، أصيبت بتمزق كامل في أعضائها التناسلية ما أدى إلى نزيف مميت، طبقاً لتقرير طبي صادر عن مستشفى الثورة في محافظة حجة شمال غرب صنعاء، وذلك بعد أن تم زفافها منتصف الأسبوع الماضي 29 آذار 2010. قبل فوات الأوان.. نشطاء اليمن يتحركون لنصرة الطفولة
ووسط الجدل الكبير بين نشطاء حقوق الإنسان في اليمن والتيارات الإسلامية المتمسكة بمنع تحديد سن الزواج كشفت المحامية اليمنية شذى ناصر، التي سبق لها المرافعة في عدة قضايا دفاعاً عن قاصرات أرغمن على الزواج من رجال أكبر منهن بسنوات عديدة باليمن، أن مجموعة كبيرة من الناشطين قرروا عقد اجتماع الأسبوع المقبل لتوجيه رسالة إلى الرئيس علي عبدالله صالح والبرلمان، للمطالبة بإقرار قانون الحد الأدنى لسن الزواج. ولوحت ناصر، في حديث لCNN، بتحريك دعوى "حسبة" ضد والد الطفلة وزوجها والقاضي المسؤول عن عقد القران، وإن أشارت إلى وجود قوى تعارض ذلك. وقالت ناصر، التي عرفت عالمياً بعدما تولت الدفاع عن الطفلة "نجود"، وحصلت لها على حكم بالطلاق، ومن ثم بسبب دورها المماثل في قضيتي "أروى" و"ريم"، إن ما تعرضت له إلهام العسي يمثل أول حالة وفاة تسجل رسمياً منذ فترة طويلة، غير أنها أبدت ثقتها بوجود حالات وفاة مماثلة لم يتم الإعلان عنها أو تسجيلها رسمياً من قبل الحكومة أو العائلات. وأضافت ناصر: "جرى في السابق إدخال الكثير من الفتيات الصغيرات إلى المستشفى بسبب عنف الأزواج معهن، ولكنهن خرجن في وقت لاحق". وعن ردود الفعل التي تركها الحادث على الصعيدين السياسي والاجتماعي باليمن، قالت ناصر: "المجتمع منقسم حالياً، فهناك غالبية تتمثل بجمعيات حقوق الإنسان والناشطين الاجتماعيين والقانونيين ومجموعة من الأحزاب التي تنظر إلى القضية على أنها مأساة، ويجب التعامل مع ضحيتها إلهام على أنها إحدى ضحايا الزواج المبكر". وتابعت: "ولكن هناك أقلية، تنظر إلى هذه الحادثة على أنها "قضاء وقدر". اليمن بين القوانين المدنية والتقاليد القبلية من جانبها قالت منظمة "منتدى الشقائق العربي" الناشطة في مجال حقوق الإنسان في اليمن في بيان لها أن الطفلة "إلهام" تزوجت ضمن ما يعرف محلياً بزواج (البدل) أو (الشغار)، حيث مُنحت الطفلة إلى عائلة الزوج ومُنحت أخت الزوج بالمقابل إلى عائلة "الهام" المتوفية. واعتبرت المنظمة المهتمة بقضايا المرأة "الطفلة إلهام شهيدة العبث بأرواح الأطفال في اليمن" ونموذجاً صارخاً لما يشرعه دعاة عدم تحديد سن الزواج من قتل يطال الطفلات الصغيرات". ودعت المنظمة إلى ضرورة أن تتحول الطفلة إلهام إلى (رمز) يؤكد بشاعة الجريمة والمخاطر التي تتعرض لها الطفلات الصغيرات بسبب الزواج المبكر. وجاءت هذه الحادثة في ظل جدل واسع في الوسط التشريعي اليمني حيال قضية تحديد سن الزواج للفتيات، ففي الوقت الذي تطالب فيه منظمات حقوقية وناشطون في مجال حقوق الإنسان وكذا برلمانيون بضرورة إقرار تشريع قانوني يحدد سن الزواج ب18 سنة، يعارض هذه التوجهات بشدة رجال دين ومشايخ علم وبرلمانيون قبليون، بذريعة عدم صلاح هذا التشريع القانوني للبيئة والواقع اليمني. ويخوض مجلس النواب اليمني (البرلمان) مناقشات حادة وجدلاً مثيراً حول هذه القضية منذ فترة ولم يستطع أن يحسم قراره لصالح أي من وجهتي النظر المتباينتين، حيث يستقوي كل طرف بموقعه الاجتماعي والجهوي وبحجم تأثيره في المجتمع، حيث لأول مرة تخرج قضية تشريعية من قبة البرلمان إلى الشارع ويعجز المجلس النيابي عن حسمها، تفادياً لأي ردود أفعال قد تلقي بظلالها السلبية على مستقبله التشريعي. ويرى مراقبون أن قضية وفاة الطفلة إلهام بعد زواجها بأيام قد تلعب دوراً في تغيير المسار التشريعي لقضية تحديد سن الزواج في اليمن، بتعزيز موقف الطرف المطالب بضرورة تحديد سن الزواج بثمانية عشر عاماً وقد يضطر معها المجلس النيابي إلى تغليب موقف هذا الطرف على حساب موقف الطرف الآخر. مقتل "إلهام" يثير ردود فعل واسعة سيغرد كاغ، المديرة الإقليمية لمكتب اليونيسف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصدرت بياناً حول مقتل "إلهام"، عبرت فيه عن "صدمتها لوفاة طفلة عروس أخرى في اليمن". وقالت كاغ إن وفاة إلهام، "هو تذكير مؤلم للمخاطر التي تواجهها الفتيات عندما يتم تزويجهن في سن صغيرة"، وأضافت: "الزواج المبكر يعرض الفتيات لخطر الانقطاع عن التعليم، ويجعلهنّ أكثر عرضة للعنف والإساءة والاستغلال، كما قد يؤدّي بحياتهنّ لأسباب تتعلق بالحمل والوضع وغيرها من التعقيدات". ولفتت المسؤولة الدولية إلى أن واحدة من كل ثلاث فتيات في اليمن تتزوج قبل بلوغها سنّ الثامنة عشرة، مضيفة أن ذلك يخالف الإعلان الدولي لحقوق الإنسان الذي لا يقر بتوفر الرضا وعدم الإكراه في عقود الزواج، إذا كان أحد الطرفين صغير السن. وكانت اللجنة الوطنية للمرأة في اليمن قد أوقفت في الثاني من آذار الماضي زواج طفلة يمنية عمرها 12 عاماً على رجل خمسيني، بإحدى مديريات محافظة حجة، شمال غربي صنعاء. وقالت رشيدة الهمداني، رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، إن لجنتها قامت بإبلاغ محافظ حجة، الذي سارع إلى إصدار توجيهاته بوقف الزواج.