ليست مقنعة كل الاعتبارات التي تقدمها حكومتا روسيا والصين لتبرير انضمامهما إلى الدول الغربية الأخرى: الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في اتخاذ قرار بعقوبات جديدة ضد إيران، فأن مثل هذا الاتفاق بين الدول الكبرى ضد دول أخرى، أصغر منها، من شأنه أن يزيد من الإحساس بالقهر لدى شعوب العالم ويعمّق الفجوة بينها وبين ما يسمى بالمجتمع الدولي ويدفع بعض أبنائها إلى اللجوء إلى خيارات أخرى خارج المنظومة الدولية، بل خارج القواعد والأصول التي تتحكم بالعلاقات الدولية والإنسانية. فكيف يمكن لعربي أو مسلم أو إنسان حر في العالم أن يتقبّل هذا الإمعان الخطير في سياسة المعايير المزدوجة المعتمدة من الدول الكبرى في العالم، وهي تصرّ على مطاردة برنامج نووي سلمي كالبرنامج النووي الإيراني، وهو برنامج كانت بداياته الأولى في زمن الشاه وبرعاية غربية، فيما تغض الطرف، وحتى تبارك، ترسانة نووية صهيونية وصلت إلى حد امتلاك 200 قنبلة نووية، وهو عدد يفوق ما تمتلكه بعض تلك الدول الكبرى ذاتها، فيما شهد العالم، وما يزال، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يرتكبها الصهيوني كل يوم أو يهدد بارتكابها كل ساعة، ناهيك عن جرائم ارتكبتها، وما تزال، دول كبرى وفي المقدمة منها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعتبر إدارتها هي الجهة الوحيدة في العالم التي استخدمت القنبلة النووية في اليابان قبل عقود. وكيف يمكن لشعوب العالم أن تصدّق دعاوى واشنطن وباريس ولندن وبون حول برنامج طهران النووي، وقد رأت بأم عينها كيف دُمّر بلد عظيم كالعراق، وقتل وجرح وتشريد الملايين من أبنائه، بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل، أظهرت الأيام بطلانها جملة وتفصيلاً. وحين لا يكون ممكناً اتهام بلد كسورية بالتهمة "النووية" رغم المحاولات الحثيثة لإثارة الضجيج حول هذا الأمر، كما سمعنا على لسان رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية الجديد قبل أيام، فأن تهمة دعم ما يسمى "بالإرهاب" جاهزة لتبرير تمديد عقوبات أمريكية أو تهديدات صهيونية ضد سورية، أو لتبرير الأمرين معاً. وإلى متى يبقى العرب والمسلمون والشعوب الحرّة في العالم في قفص الاتهام، فيما المجرمون الحقيقيون، وفي المقدمة منهم إدارة بوش وبلير وحكومة الكيان الصهيوني، خارج أي مساءلة أو مراقبة أو محاسبة أو تفتيش رغم وجود قرارات دولية واضحة، وبعضها تحت البند السابع، كقرار مجلس الأمن 684 الصادر في 3/4/1991، تدعو إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. ويزداد الأمر خطورة حين نجد إدارة أمريكية جديدة، كإدارة أوباما، رفعت شعار "التغيير" ودعت في أيامها الأولى إلى اعتماد لغة الحوار بديلاً عن المواجهة، واستخدمت مصطلح "العنف" بديلاً عن "الإرهاب" في خطابها، تغادر كل وعودها وادعاءاتها لتعود إلى السياسة ذاتها المعتمدة في الإدارة السابقة التي قامت على أنقاضها، فتلجأ مجدداً إلى تمديد العقوبات ضد سوريا، وإلى فرض عقوبات جديدة ضد إيران، فيتأكد للجميع، وخصوصاً لمن علّق آمالاً على الإدارة الجديدة، أن القرار في الولاياتالمتحدة لا يرتبط بشخص أو مجموعة بقدر ما يرتبط بنظام وصفه يوماً رئيس سابق لأمريكا هو ايزنهاور بأنه "أسير المركب العسكري – الصناعي" حيث الحروب حاجة للاحتكارات الصناعية، وحيث الصناعات تتحول إلى جزء من آلة الحرب المستمرة، وربما لو كان ايزنهاور حياً لأضاف "حيتان المصارف والمال" إلى المركب فيصبح ثلاثي الأطراف. إن العودة إلى سياسة العقوبات والتهديدات ضد سوريا وإيران، والغرق في مستنقعات الحروب في العراق وأفغانستان ناهيك عن فلسطين، سينهي أي مصداقية، مهما كانت بسيطة، لإدارة أوباما التي انكشف أن التغيير معها ليس أكثر من مسحوق تجميلي استخدمته في لحظة معيّنة، وخصوصاً أن النظام الرسمي العربي والإسلامي لم يمارس أي ضغط جدّي لتحويل هذا التغيير من شعار لفظي في أمريكا إلى ممارسة عملية في المنطقة العربية والإسلامية. أما العرب والمسلمون ومعهم كل أحرار العالم فمدعوون إلى الاعتماد على أنفسهم، وتحرير أراضيهم ومياههم ومناطقهم وإراداتهم من النفوذ الإمبراطوري الأمريكي، وهو أمر لم يعد مستحيلاً في ظل مقاومة عربية وإسلامية متنامية ومع بروز متغيرات إقليمية ودولية متسارعة. فالعقوبات ينبغي أن نرد عليها كدول عربية وإسلامية بعقوبات خصوصاً أن للدول التي تحرّك العقوبات مصالح كبرى في المنطقة، والمقاطعة ينبغي مواجهتها بالمقاطعة، رسمية كانت هذه المقاطعة أم شعبية، والسلاح الدبلوماسي ينبغي أن تتم مقارعته بالسلاح الدبلوماسي عبر اللجوء إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة في مواجهة مجلس الأمن المصادرة قراراته، وعبر اللجوء إلى القضاء الدولي لإبطال الإجراءات الجائرة ومحاكمة مجرمي الحروب وأبطال الإبادة الجماعية، وخصوصاً عبر تشكيل حركة شعبية عالمية مناهضة للهيمنة والعنصرية وقواها ورموزها باتت معروفة فتعيد الحياة لمنظومة (باندونغ) التي كان جمال عبد الناصر أحد أبرز مؤسسيها. وأياً كانت الخلافات بين بعض القوى والدول العربية والإسلامية والقيادة الإيرانية، فهي اليوم مدعوة لتجاوز هذه الخلافات والوقوف صفاً واحداً في مواجهة الهجمة الصهيونية – الاستعمارية ضد إيران، فلا نكرر جميعاً الخطأ الذي وقع فيه كثيرون حين ظنوا احتلال العراق "تحريراً" وتدميره "ديمقراطية"، وأن الهدف من الحرب هو إزالة شخص أو حزب أو نظام ليتبين أن الهدف الحقيقي كان تدمير العراق كلّه، وبسط الهيمنة الأمريكية – الصهيونية على المنطقة بأسرها. إن موقفاً عربياً وإسلامياً شاملاً وحازماً وواضحاً ضد العقوبات على إيران ليس موقفاً مبدئياً تمثله روابط الأخوة والتكامل الحضاري والمصالح المشتركة فحسب، بل هو الإطار الأسلم لمعالجة كل خلاف، ولسد كل ثغرة، ولتجاوز كل خطأ أو خطيئة في العلاقات العربية – الإيرانية. أما لبنان الذي يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي فالمطلوب أن يكون موقفه واضحاً وصريحاً وقوياً ضد العقوبات المقترحة ضد إيران، رغم إدراكنا أن هذا الموقف لن يغير في الأمر شيئاً، لكنه يبقى تعبيراً عن المبادئ والروابط والقيم التي تنطوي عليها رسالة لبنان الذي قام ميثاقه الوطني على أن لا يكون لبنان مقراً للاستعمار أو ممراً، فحين يكون الأمر متصلاً بسيادة المنطقة وكرامتها وحقوقها وأمنها واستقرارها لا يمكن للبنان أن يكون محايداً أو صامتاً فالساكت عن الحق شيطان أخرس.