الدكتور عبدالله العليمي يعزي أمين عام محلي شبوة عبدربه هشلة في وفاة شقيقه الشيخ محمد هشلة    الانفصال الذي يسوّقه إخوان اليمن على مقاسهم    وقف صرف مرتبات المسؤولين بما فيهم أعضاء مجلس الرئاسة بالعملة الأجنبية    السعودية تكسب الهند.. وتفرض موعدا في الملحق    السكوتر ينقذ مدرب جوام    البرازيلية ألين تنتقل من الهلال إلى العلا    لا للمنطقة العسكرية الاولى ولا للكلاب الحمر و للجرو الرضيع من ثديها    بطولة " بيسان " تعز 2025... -عودة الحياه الرياضية وعجلتها الكروية!    شباب المعافر يخطف نقطة ثمينة من شباب المسراخ في بطولة بيسان    وقفات للهيئة النسائية في حجة تضامناً مع الشعب الفلسطيني في غزة    إصلاح المهرة ينفذ برنامجاً تدريبياً لتعزيز قدرات كوادره في الإعلام الجديد    اللجنة التحضيرية النسائية تدّشن فعاليات المولد النبوي الشريف بأمانة العاصمة    منتخب الشباب يفوز على منتخب محافظة ذمار ضمن استعداداته لكأس الخليج    الجزائر تدين المخططات الصهيونية التي تستهدف مستقبل غزة    رئيسا مجلس القضاء وهيئة التفتيش القضائي يدشّنان خدمة استقبال الشكاوى إلكترونيًا    الإعلام والمسؤولية الوطنية    توزيع كمية من الاسمنت لدعم المبادرات المجتمعية في ملحان بالمحويت    مؤسسة وطن تكرم إدارة مدارس التقنية الحديثة نظير مبادرتهم تبني مقاعد مجانية لأبناء الشهداء    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ الحنق في استشهاد نجل شقيقه    وزير الثقافة والسياحة يؤكد على أهمية الدور التنويري للمثقفين والأدباء    ناشطون جنوبيون يطلقون وسم #تريم_ترفض_الاحتلال_اليمني ويؤكدون وقوفهم الكامل مع أبناء تريم    امن ذمار ينظم فعالية خطابية احتفاء بذكرى المولد النبوي    مديرية معين تدشن فعاليات ذكرى المولد النبوي    رحلة في متاهات الوطن    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية وهبوب رياح شديدة السرعة    القيادة التنفيذية لالانتقالي تواصل الاستعداد لمؤتمر المانحين    قرعة دوري أبطال أفريقيا تسفر عن مواجهات نارية للفرق العربية    تعز.. حملة رقابية في مديرية القاهرة تكشف تلاعبا بالأوزان وتحيل المتهمين للنيابة    مدير شرطة السير بعدن: تشغيل تجريبي لإشارات المرور في المنصوره    انتقالي حضرموت يشارك في ختام مهرجان خريف حجر السنوي ويطّلع على أبرز فعالياته    بعثة المنتخب الوطني تحت 23 عاما يصل المكلا لبدء المرحلة الثالثة من المعسكر الداخلي    الزهري يقود حملة رقابية واسعة في خور مكسر لضبط الأسعار تسفر عن تحرير 64 مخالفة    انتقالي الضالع يدشن المرحلة الثالثة من تمكين المرأة اقتصادياً    تفشي موجة جديدة من الأمراض الوبائية في مناطق سيطرة المليشيا    تعز.. نقطة عسكرية تحتجز نائب مدير موانئ الحديدة وأسرته والمحور يرفض توجيهات المحافظ    استئناف أعمال الترميم والصيانة في قلعة القاهرة التاريخية بتعز    فؤاد الحميري، له من اسمه نصيب    عشر سنوات من العش والغرام واليوم فجأة ورقة طلاق    هل هما شخص واحد.. الشبه الكبير بين البغدادي والشيباني    دراسة صادمة: "تشات جي بي تي" يوجه المراهقين إلى سلوكيات خطيرة وانتحارية    إيطاليا تعطي الضوء الأخضر لمشروع ب5،15 مليار دولار لبناء أطول جسر معلّق في العالم    يوليو 2025 يدخل قائمة الأشهر الأشد حرًا عالميًا    لهايات للبالغين تنتشر في الصين لتخفيف التوتر والإقلاع عن التدخين    "أكسيوس": اجتماع أوكراني أمريكي أوروبي يسبق قمة بوتين ترامب    مركزي عدن المحتلة يغرق السوق بعملة جديدة وسط اقترابه من الإفلاس    إذا يمنيو النزوح في عدن يصرون على محاكمة الشاعري فلنحاكم كل اليمنيين لنعصرية 30 عاما    بيت هائل.."نحن الدولة ونحن نقود البلد وهم يتبعونا!!"    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث    الترب يعزّي في وفاة الشاعر والأديب كريم الحنكي    مستشفى الثورة… حين يتحوّل صرح العلاج إلى أنقاض    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حميد الاحمر .. قبل العجلة السادسة
نشر في لحج نيوز يوم 13 - 10 - 2015

مقابل وجبة عشاء فاخرة في الماكدونالدز.. مروان الغفوري يكتب عن حميد الأحمر
ينحدر حميد الأحمر من أسرة إقطاعية معروفة. كانت تلك الأسرة تحصلعلى أكبر قدر من المال بأقل درجة من الجهد. تلك هي طبيعة الإقطاعيات. انتقل حميد الأحمر من إقطاعي إلى رجل أعمال، وصار قادراً على أن يحصل على المزيد من المال عبر اقتصاد الخدمات. بخلاف الاقتصاد التعزي القائم على الصناعة/ الإنتاج سلك حميد الأحمر أيسر السبل: الخدمات، وراكم مزيداً من الثروة. انتقل من الإقطاع إلى الأعمال، ومن الأعمال إلى السياسة، ثم من السياسة إلى الثورة، ومن الثورة إلى المقاومة/ الحرب. داخل هذه العجلات الخمس يمكننا مشاهدة تحولات الأحمر الشاب. ثمة عجلة سادسة وأخيرة تدور في وجدان حميد الأحمر، العجلة التي إذا ما وضعت في مكانها الشاغر فإن "شاحنته" السداسية ستنطلق في الخطوط الطويلة ولن يوقفها أحد: الحُكم.هل يحدث نفسه بالحكم؟ أظن أن الإجابة ب"نعم" لن تكون خاطئة مائة بالمائة.سألته البارحة "لماذا تثير تصريحاتك كل هذا الضجيج، لماذا أنت؟". لا يحب حميد الأحمر الإجابات المختصرة. لديه ما يقوله بالتفصيل. وكالعادة: يحضر علي صالح في قلب إجاباته، كما يسيطر هو على الفص الجبهي لعلي صالح بصورة مأساوية. "علي عبد الله هو السبب، إعلامه وأدواته صوروا للناس إن حميد الأحمر هو الخطر وهو من يقود الثورة والمعارضة. وإذا كنت تتذكر فقد كنتُ أول من تحدث عن الهبة الشعبية في 2003". حاولت أن أصحح التاريخ، فقال لي بثقة: لا، 2003.أكد أمامي أكثر من مرة إنه يسير في "طريق شاق اخترته بتصميم ووعي". عاد وقال لي في رسالة كتابية الجملة نفسها. إلا أنه استثنى من ذلك الطريق ما قال إنه "حرصه على أن لا يخسر أصدقاءه". فبمقدوره احتمال الكثير من المشقة في طريقه "الواعي" إلا أن يخسر ياسين سعيد نعمان ومحمد قحطان وتوكل كرمان وباسندوه. قلتُ له أفهم من ذلك أنك تعتبر بعض ما دار من حديث بيننا فضفضة غير صالحة للنشر، فأجاب بكلمات كثيرة تفضي إلى "نعم". لا يحب حميد الأحمر أن يقول "نعم" عندما تواجهه بسؤال: هل تخشى أن ننشر بعض كلماتك. تختفي لغته الإنجليزية، ويتنحى رجل الأعمال المعاصر ويبرز القبيلي المحارب الذي "لا يخشى".كان حريصاً على أن يؤكد مظهره المتحضر، وعندما تحدث عن الدولة التي يريدها قال "دولة مدنية باستثناءات ثقافية". تلك الاستثناءات الثقافية تتسلل في كلمات الأحمر، وتتكاثر. في الصورة الأخيرة للدولةالتي يريدها تتجلى "الدولة الدينية" على طريقة الإخوان المسلمين."التقيت قياداتهم في كثير من الدول وفي تركيا" قال حميد الأحمر."يملكون وعياً شاملاً ومعرفة عميقة عن بلدانهم وعن العالم" يردداً مبهوراً ومعجباً. ثم يعود ليؤكد إنه ليس عضواً في الإخوان المسلمين بل في حزب الإصلاح، وأن كثيرين من أعضاء الحزب ليسو أعضاء في الإخوان.كل ما يجري في العالم هو نتيجة مباشرة لإرادة الله، هكذا يحدثك حميد الأحمر. الثورة التونسية أيضاً، ومصير بن علي. بالنسبة لحميد فإن الله يترصد الأعداء وسيوقع بهم. لكنك لا تنتظر كثيراً حتى تكتشف إن الذين يوقع بهم الله هم أعداء مشتركون للطرفين: الله، وحميد الأحمر. وتتساءل: ما إذا كان الله سيوقع بك أيضاً فيما لو أخطأت التقدير.يتمتع الأحمر الشاب بذكاء غير عادي، من ذلك النوع الذي تبدو فيه الخبرة أكثر حضوراً من الوراثة. يوقف كلماته ثم يتدخل ليشرح لك طبيعة الأعداء الذين يكمن الله لهم بالمرصاد: من ينتهكون الحريات والحقوق ويحبسون الشعوب. كالعادة، كما في الخطاب الإسلامي الكلاسيكي، فالشعوب هم الإسلاميون في المقام الأول، ومعهم باقي الناس. كنت أستمع إليه وأتذكر التنظير الإنشائي الشهير الذي كتبه مراقب الإخوان في اليمن "ياسين عبد العزيز" حول الحرية. في صفحاتعديدة امتدح الحرية مستخدماً كل فنون المجاز الكلاسية، متحاشياً الإشارةإلى طبيعتها. فالحرية حق طبيعي للبشر، لكن تعريفها مسألة أخرى. هو ضد أن ينتهك ذلك الحق الطبيعي، لكنه يضمر تعريفاً للحرية ينطوي على درجات عديدة من مصادرة الحرية، تلك التي هي حق طبيعي للبشر. وكالعادة: فمصادرة الحرية هنا لن تكون طغياناً، بل امتثالاً لإرادة عليا سماوية.ينتمي حميد الأحمر، أو كلماته التي سمعته منه، إلى ذلك اللون من التفكير الإسلامي الكلاسيكي.عبر امتدادات عديدة حاز حميد الأحمر عناصر تأثيره: فهو الشيخ القادم من مملكة اقطاعية ممتدة في التاريخ. أبعد من ذلك، فهو لا يرى نفسهشيخاً وحسب بل صانع الشيوخ. يشير إلى بعض شيوخ قبيلته مثل جليدان، وغيره، قائلاً إنهم كانوا جنوداً مع جده ووالده، وأن العائلة نصبتهم شيوخاً. لا يتعاطف معهم ولا يحتقرهم. فقط يصفهم، معتقداً أنهم يفتقرون إلى العزم التاريخي للاستمرار كشيوخ في المستقبل.على نحو أفقي اخترق المجال الاقتصادي وصل حدد تأسيسه لبنوك وشركات عملاقة وامتلاكه مؤسسات إعلامية ضخمة. جمع ثروة عظيمة قال إنها كانت حلماً في صباه. ذلك عندما سمع والده يخاطب أميراً سعودياً، وكان الشاب يبلغ 18 عاماً، بلغة فيها تبجيل بلغ حد استفزازالنجل المغرور بذاته ووالده. عندما سأل والده مستنكراً الطريقة التي خاطب بها الأمير، يروي حميد، أجابه الوالد برضا "لأنه يدفع لي المعاش". "قررت أن أصبح رجلاً حراً لا يدفع لي أحد المعاش ولا أقول فيه لأحد يا سيدي" يكمل رجل الأعمال سرديته.كانت صندقته، كما يتحدث عنها، قد استوت على الجودي. وما إن أرسلالحمامة الثالثة، إذا استعرنا من التوراة، حتى عادت له تحمل الأغصان وتخبره إن لا أحداً في الطريق، لا أحداً في الطريق. فسلكه. ولم يكتف، فيما يبدو، حتى قال له عشرات الآلاف يا سيدي. كان بحاجة إلى أن يسمع تلك الكلمة من عشرات الآلاف عشرات المرات، فيما أتخيل، حتى يطمر صوت والده القادم من عشرات السنين. وقد نالذلك. ها هو يمشي مطمئناً بعد أن سوى حساباته مع تاريخه وصار يبحث عن المستقبل. من التجارة إلى السياسة، وكانت تلك عجلته الثالثة. عثر على الإصلاح أو عثر عليه الإصلاح، وتحركا معاً على طريقة فرسان ألكسندر داموس: الواحد للكل، الكل للواحد.عندما حاصر الحوثيون صنعاء زاره اليدومي وقاله له بلهجة مليئة بالحنان والحزم "غادر، نحن نخشى عليك ونحبك، ونريد توقيع تسوية مع الحوثيين ولا نريد لهم أن يختلقوا الذرائع. فغادرت صنعاء." تلك روايته، بدا متأثراً وهو يرويها. غادر اليمن ودخل الحوثيون صنعاء يبحثون عن فساده. وبدلاً عن أن يعثر الحوثيون على ملفات فساده فقد عثروا على أمواله. ولكي يحاربوا الفساد قاموا بسرقتها.يقول حميد الأحمر إنه شارك في خلق الوظائف، وأن رجال الأعمال ينتظر منهم أن يخلقوا الوظائف وحسب. يتوافق هذا المنطق، بالطبع، مع الرأسمالية في فلسفتها المعاصرة. لكن الأحمر لا يترك جملته وحيدة: عملنا مدارس، ودفعنا القبيلة للتعلم، لكن القبيلة تقاوم ضد التعليم. روى لي قصة شاب من حاشد حصل على خمس دورات في اللغة الانجليزية، ثم ذهب إلى مدير منظمة دولية في صنعاء مهدداً إياه إذا لم يحصل على وظيفة رفيعة. "قطعت شهادته ورميتها في وجهه" يتحدث الأحمر عن ردة فعله عندما وصلته الشكوى. تعلم الأحمر من تلك الحادثة أن التعليم قد يكون خطراً على القبيلي المتعالي تماماً مثلالجهل، ولم يشغل نفسه بمزيد من الأسئلة أو الإجابات.عندما غادر صنعاء كانت قبيلته لا تزال في المهد، قبل التاريخ. يقولالأحمر أن أسرته فعلت الكثير، وأن الدولة قصرت في واجبها، وأنه لا يمكن أن يحل محل الدولة. يلمح إلى أن قبيلته بحاجة إلى زمن طويل،فهي لا تزال تواجه العلم وتنظر إلى المدرسة بشك عميق. البروفيسور فيصل الحذيفي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحديدة، حدثني البارحة عن جانب فانتازي التقطه بنفسه. قال إنه كان ماراً بنقطة تفتيش في سيارة أجرة. أثار مشادة مع جنود النقطة ثم عرف بنفسه "أنا دكتور في الجامعة". أراد، بحسب كلماته، أن يعلم الناس درساً في الرفض. لكن قائد الجنود في النقطة، وكان من عمران، نهره قائلاً:" ما خرب البلاد غير المتعلمين. كان في عندنا اثنين متعلمين من عمران ملأوا البلاد مشاكل، ولما قتلناهم هدأت البلاد".هذه الصورة الفانتازية لم ينتجها حميد الأحمر، بالطبع، بل الجمهورية التي ضلت الطريق. وليست تلك الصورة الميلانخولية حكراً على قبيلة الأحمر، بل على كل القرى. ففي اليمن 63٪ من الأمية، و80٪ من الفقر. وتلك ليست صناعة حميد الأحمر. لقد نجح الرجل إلى حد بعيد في تحولاته، وصار قادراً على خلق الوظائف. يحتاج البلد، أي بلد وكل بلد، لمن يخلقون الوظائف. واليمن في مسيس الحاجة، بالفعل،للقادرين على خلق المزيد من الوظائف. هي بحاجة إليهم ليخلقوا الوظائف لا ليصنعوا أموراً أخرى.يمكنك أن تلاحظ معاناته وشتاته وهو يتحدث كرجل متعدد الشخصيات والتجارب: كسياسي، كرجل أعمال، كشيخ، كشاب متعلم وطموح، وكمثقف ينتمي إلى حزب ديني. في مطعم ماكدونالدس جلسنا ثلاثتنا وأصر هو على أن يقف في الطابور ويحضر لنا القهوة. فعل ذلك. كان يحاول كسر صورة الشيخ الثري، صاحب أفخم قصر في الجمهورية اليمنية. بمناسبة قصره سألته: هل قصفت قصورك؟ أجاب: مرة واحدة، ضربت الأدوار العليا لقصري في حدة. تواصلت مع السعوديين فأخبروني أنهم حصلوا على معلومات مضللة من الأرض، هناك من طلب منهم أن يضربوا قصري.بمقدروك أن تفهم، ببساطة، إلى من يشير حميد الأحمر. غير أن ما أثار أسئلتي كان شيئاً آخر. فقد سألته: هذا يعني أن الحوثيين لم يحتلوا قصرك ولم يستخدموه كمخزن للسلاح؟أجاب: لا، وضعوا فيه بعض الحراسة فقط. ربما لأنهم "ناويين يديولوا" فهم بحاجة إليه.انطلق حميد الأحمر من السياسة إلى الثورة.ونحن نمشي قام الرجل بعمل مشهد تمثيلي، وكان يرتدي بنطالاً وجاكتة رياضية كحلية اللون، وقفز بعض الخطوات ليشرح فكرته:"كنا إذا أردنا أن نحرك الإصلاح مائة خطوة إلى الأمام نسحبه أولاً ثلاثخطوات، من هنا إلى هنا، حتى يطمئن ويتأكد أنه لا يوجد ما يدعو للخوف. ثم ننقله ثلاث خطوات، وهكذا".يعتقد حميد الأحمر أنه جر الإصلاح بتلك الطريقة إلى الأمام حتى صار الحزب جاهزاً للثورة. في واحد من المؤتمرات العامة لحزب الإصلاح حازالرجل أعلى الأصوات، قافزاً على شيوخ الدرجة الأولى. داخل الحزب الكبير صار الرجل يمارس لعبة ال. ون مان شو، أو استعراض الرجل الواحد، إلى أن جاءت توكل كرمان. لكن حميد يرفع يده معترضاً: "هناك فرق بين من صنع الثورة ومن صنعته الثورة، بين من خسر كل شيء في سبيل الثورة وبين من أعطته الثورة كل شيء".وتفهم، من كلماته تلك، كل ما يريد قوله.لا يزال يتحدث عن الثورة.ما يجري الآن، بالنسبة لحميد الأحمر، ليس سوى شكل من أشكال الثورة، وهي تستكمل بطريقة ما. لم يعد فخوراً بقبيلته، كما يبدو من كلماته. لكنه فخور بأمرين آخرين: والده والإصلاح.قال إن شيخاً كبيراً تربطه به علاقة اجتماعية صاح به قبل سنوات"صلي على رسول الله، هذا كرسي، هذا نار" ونصحه بالابتعاد عن طريقصالح. لم يكن يعلم الكثير عن حيل صالح ولا إمكاناته، ولا عن مستوى التعقيد في أدواته وشبكاته، ولا حتى قدراته. يبتسم، وينسب ذلك الجهل اللذيذ إلى الله. فلو كان يعرف حدود قدرة صالح، يقول، ربما لتردد قبل معارضته. لكنه انطلق في المواجهة مسنوداً بغريزته المحبة للخير،وبطاقة الشباب. هكذا يشرح الطريقة التي قفز بها إلى الواجهة والدوافعالتي جعلته أشهر خصم لصالح خلال سنواته السبعين.نصحه والده، وهو في السعودية، أن يتنحى عن طريق صالح."بعد سنة، وقد صار ما صار، وضع يده على يدي وقال لي: الآن أنا فخور بك" بهذه الكلمات المنتقاة يروي حميد الموقف الأخير لوالده، بينما يحاول أن يصرف نظره عني. "قلت للوالد رحمه الله هذه الكلمة هي أفضل ما أملكه وأفضل من كل ما أعطيتني إياه" يضيفُ الرجل.المقاومة/ الحرب هي الحقل قبل الأخير الذي وضع حميد الأحمر فيه قدميه. يعترف:"الإصلاحيون في الداخل والخارج يديرون المعارك بالهاتف".لم يقل إنه واحد من الذين يديرون المعارك بالتلفون، لكنه بدا على علم واسع بما يجري على الأرض، وعلى ثقة أيضاً..مر حميد الأحمر، ولا يزال في منتصف العمر، عبر تجارب ثرية، وفي كل تجربة كان في الواجهة. نادراً ما تجد رجلاً يتصدر حقولاً كبيرة ومتناقضة في الوقت نفسه، وكلها معاً: القبيلة، الأعمال، السياسة، الثورة، الحرب. ذلك الثراء والتنوع مكن حميد الأحمر من اختراق الطبقات والمجالات. بدأب لافت ونادر لم يكتف الرجل بالوجود بل
بالحضور،وكان في المركز. فالسياسة تلتف حوله لأنه يملك المال. ورجال المال يلتفون حوله لأنه يملك السياسة. القبيلة تحيطه وتحرسه لأنه يملك الحزب والمال والسياسة. أما الحزب فاختبأ خلفه وخلف والده لفترة طويلة، وإن قالت مدوناته الراهنة غير ذلك فهي تحاول أن تدفنتلك الحقيقة التاريخية في الظلام.خرج الأحمر الشاب بتجربة كبيرة، وبدراية شاسعة، وبأعداء لا يطالهم الحصر، وبأصدقاء كثيرين. جلب أعداءه خلف ظهره: من القبيلة، من الساسة، من مجتمع المال، ومن داخل الثورة.أخبرني مبتسماً: أعلم أن الناس يكتبون عني، ونادراً ما أقرأ أو أستمع لمايقال عني.لكنه البارحة أكد لي أن ما نشرته حول لقائنا وصل إلى هاتفه حوالي عشرين مرة. لقد تغير الزمن الذي كان يمنح حميد الأحمر فرصة للإفلات من الكتابات. إنها تصله، وهو يحسب لها حساباً، ويقيس ما يقوله الناس مع ما تقوله تجربته. في الحقول الخمسة التي خاضها سمع لغة غير اللغة التي تقولها الطبقات السفلى، المجتمع الأرضي، مجتمع الفيس بوك وكتاب المقالات. يدرك حميد الأحمر أن الذين يقفون له بالمرصاد، حالياً، لم يختبرهم من قبل.بينما هو يفكر بالعجلة السادسة، بالحكم، يحاول الآن أن يقول للطبقات التي في الأسفل أنه واحدٌ منها، أو على الأقل: إنه يفهم لغتها وحساسيتها..وتلك هي المعركة القادمة لحميد الأحمر، وذلك هو الحقل الأخير.. حقل العجلة السادسة، قبل أن تنطلق شاحنته الضخمة في طريقها الطويل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.