يمكن القول إن عملية «عاصفة الحزم» حالت بين تنظيم «القاعدة» وبين تحوله إلى حالة شعبية وجماهيرية في اليمن عقب سيطرة جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة في هذا البلد أواخر العام قبل الماضي. فبعد أن امتنعت المؤسستان العسكرية والأمنية عن التصدي لجماعة الحوثي، وبعد أن اتخذ حزب الإصلاح (إخوان اليمن) قرارا بعدم الانجرار إلى أية مواجهات، بحجة أن ذلك مسئولية الدولة، تصدر تنظيم القاعدة المشهد ببيان أعلن فيه عن بدء معركته مع جماعة الحوثي، داعيا «أهل السنة» إلى الالتحاق به، قبل أن يترجم ذلك عمليا بعدد من العمليات، إلى جانب قيادته للمعارك في محافظة البيضاء. وبدت معارك تنظيم القاعدة ضد جماعة الحوثي في بلدة رداع بمحافظة البيضاء، وسط اليمن، كما لو أنها التعبير العملي لقهر العاجزين أو القادرين الممتنعين عن قتال الجماعة، لأسباب شتى، أهمها أن الجماعات وصلت إلى السلطة بضوء أخضر أمريكي، لحسابات تتعلق بملف الحرب على الإرهاب. وبرغم وصول جماعة الحوثي، المسنودة بقوات «الحرس الجمهوري» الموالية للرئيس السابق صالح، إلى معظم ملاذات تنظيم القاعدة الآمنة في مناطق القبائل، بعد أسابيع من سيطرتها على مؤسسات الدولة، إلا أن التنظيم تحول إلى ملاذ لكل أبناء القبائل المقهورين من هذا التمدد ومن صمت الجهات المعنية تجاهه. ومن هنا بدا تنظيم القاعدة كما لو أنه يقوم بواجب تخلت عنه الدولة التي حاربت التنظيم بكل جدية قبل أن تصبح في خبر جماعة الحوثي وتصبح الجماعة حليفا بديلا يمكن الاعتماد عليه في مجال الحرب على الإرهاب. سياق طائفي وإلى جانب مكسب تحول تنظيم القاعدة إلى حالة جماهيرية، تحولت الحرب عليه إلى حرب طائفية، حين أوكلت مهمتها لطائفيين. ويعني هذا أن «الحرب على الإرهاب» في اليمن بدأت تخسر التجاوب الشعبي معها، على اعتبار أنه كان تجاوبا مع سلطة تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، أما سلطة الأمر الواقع الحوثية البديلة، فمجرد طرف. غير أن وضع الحرب في سياق طائفي بدأ في وقت مبكر، حين ذهبت سلطة ما بعد التوقيع على «المبادرة الخليجية» إلى محافظتي أبينوشبوة، جنوب شرقي اليمن، لإخراج تنظيم القاعدة منها، ولم تذهب إلى محافظة صعدة لإخراج جماعة الحوثي منها. لكن الحديث عن إمكانية تحول جماعة الحوثي إلى حزب سياسي، على خلاف تنظيم القاعدة، كان مبررا مقنعا لاستمرار التجاوب الشعبي مع نظام الرئيس هادي في موضوع الحرب على الإرهاب، قبل أن تسيطر جماعة الحوثي على السلطة وتقصي باقي الأطراف، باستثناء الطرف الشريك، حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقود الرئيس السابق صالح. ويشير ما حدث إلى أن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تخدم حربها على الإرهاب، بل تدعم خصمها في هذه الحرب، رغم تجربتها السابقة في العراق، على اعتبار أن تعاملها مع جماعة الحوثي كحليف في هذه الحرب سيفقدها جهود باقي ألوان الطيف السني، التي ستجد نفسها في خندق واحد مع تنظيم القاعدة لقتال خصم طائفي مشترك. وقد رأت الولاياتالمتحدة نتائج سياستها في العراق في حربها الأخيرة مع «الدولة الإسلامية» من خلال تواضع التجاوب السني معها، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قبل أشهر، إن ما يجري في «عين العرب» السورية نموذجا مرعبا على عدم رغبة الناس في التعاون مع من يحاربون الإرهاب. ويعني هذا أن «عاصفة الحزم» حالت بين تنظيم القاعدة وبين تقارب حد الامتزاج مع باقي ألوان الطيف السني في اليمن، حين قدمت المملكة العربية السعودية نفسها، من خلال هذه العملية العسكرية، كمدافع عن المذهب لا يترتب على تأييده من قبل المحسوبين على السنة أية تصنيفات ذات صلة بالتطرف، على النقيض من تأييد تنظيم القاعدة أو التجاوب معه بأي شكل، وإن أعلنت المملكة أن الهدف من حربها هو إعادة الشرعية للرئيس المنقلب عليه، عبد ربه منصور هادي. نفوذ شكلي وبرغم أن تنظيم القاعدة استغل انشغال أطراف الصراع في اليمن بالحرب ليسيطر على حضرموت الساحل كاملا، وعلى مدن رئيسية في محافظات، أبين، لحج، شبوة، بجنوب وشرق اليمن، إلا أنه خسر ريادة الحرب ضد جماعة الحوثي، بعد أن دخلت المملكة العربية السعودية على الخط. والحديث عن استفادة «تنظيم القاعدة» في اليمن من عملية «عاصفة الحزم» في توسيع دائرة نفوذه، أمر غير دقيق، لأن النفوذ الحقيقي كان في تحوله إلى حالة شعبية وجماهيرية، وفي وجوده كمدافع وحيد عن أهل السنة. ويسعى تنظيم القاعدة إلى إقامة علاقة جيدة بالمواطنين من خلال سيطرته على تلك المناطق وإدارته لشؤون الناس فيها، لكنه لن يقاتل للاحتفاظ بتلك المناطق تحت سيطرته إن قررت الحكومة استعادتها، على اعتبار أن القتال سيحول تلك المناطق إلى ساحة حرب قد ينتج عنها دمار كبير، ومن شأن هذا أن يقضي على مكسب التنظيم الوحيد من السيطرة. ومن هنا قد لا يبدو الحديث عن «سيطرة» التنظيم على تلك المناطق دقيقا أيضا، لأن الحاصل هو عبارة عن استغلال لحالة الفراغ الناجمة عن الحرب، أو «احتساب جزئي» وليس «تمكينا»، حد وصف فرع تنظيم القاعدة في اليمن لوضع «الدولة الإسلامية» رغم سيطرتها على أجزاء واسعة من سورياوالعراق وليبيا ونيجيريا ومصر.