تسود المشهد السياسي اليمني حاليا حالة من الترقب لدى أطراف المعادلة السياسية مع اقتراب معركة الانتخابات المحلية المقرر تنظيمها بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في سبتمبر المقبل.ذلك ان انتخابات المحليات بالنسبة للقوى السياسية اليمنية تشكل معركة فاصلة وتحمل في طياتها الكثير من الدلالات بكونها عاملا مهما في تحديد ملامح الخارطة السياسية المقبلة في البلد . وبعيدا عن أجواء الانتخابات الرئاسية التي ارتكزت فيها معادلة الصراع بين الحكم والمعارضة على قضايا استراتيجية تتعلق بالنظام السياسي والإصلاحات فان الانتخابات المحلية تبدو أشبه بمعركة إثبات وجود بالنسبة لكل الوان الطيف السياسي تماما كما تعد المحك في اختبار قوة الحضور السياسي لها فضلا عن كونها ستحمل مؤشرا لخارطة الانتخابات البرلمانية . واستنادا إلى ذلك فقد ألقى قطبا المعادلة السياسية اليمنية حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك (5 أحزاب سياسية) بكل ثقلهما على حلبة المنافسة استعدادا لإحراز نجاح ما في المعركة السياسية المنتظرة . سباق محموم وبدأت استعدادات الأحزاب لهذه الانتخابات بصورة مبكرة للغاية في التحركات الميدانية التي تصاعدت وتيرتها مع إعلان لجنة الانتخابات فتح باب التقدم بطلبات الترشيح للأحزاب السياسية والمستقلين السبت الفائت. وعلى مدى الأيام الماضية شهدت الساحة السياسية حرب بيانات وتصريحات بين القطبين الأقوى في المعادلة الانتخابية (حزب المؤتمر الحاكم وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك)وصلت إلى حدود تبادل الاتهامات فيما بينها بصورة علنية . وشهدت المحافظات حراكا سياسيا كبيرا تزامن مع تقديم الأحزاب قوائم مرشحيها إلى المجالس المحلية في المديريات والمحافظات والتي لم تخل من مؤشر بأن جميعها حرص على الخوض في لعبة المناورة الانتخابية بدفعها بالعشرات من المرشحين تحت يافطة المستقلين والذين سيكونون وقودا لمعارك اللحظات الأخيرة بين الأحزاب . وطبقا لتصريحات المسئولين في اللجنة العليا للانتخابات فقد بلغ عدد المتقدمين بطلبات الترشيح للانتخابات المحلية حتى اليوم السادس (الخميس) من الفترة المخصصة لاستقبال طلبات الترشيح نحو 10 آلاف مرشح بينهم 750 مرشحا تقدموا بطلبات الترشيح للمجالس المحلية في المحافظات وحوالي 9 آلاف و250 مرشحا لمجالس المديريات وذلك للتنافس على 301 مقعد لمجالس المحافظات و5620 لمجالس المديريات . وتصدر مرشحو حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم قائمة المتقدمين للترشيح في دوائر المحافظات والمديريات بحوالي 4 آلاف مرشح ثم أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك بحوالي 2400 مرشحا ثم المستقلين بحوالي 2451 مرشحا ثم بقية الأحزاب . تغيير موازين القوى ويعكس الحراك الذي تشهده الساحة السياسية أن الأيام المقبلة ستكون عنيفة للغاية في سباق التنافس بين أطراف المعادلة السياسية وهو ما بدا واضحا في الخلافات وحال التوتر الذي ساد العديد من الدوائر الانتخابية بين مناصري الأحزاب وبين كوادر الأحزاب نفسها والتي وصلت إلى حد المواجهات المسلحة وتوقف العملية في أكثر من 100 مركز انتخابي في 9 محافظات . وثمة اعتقاد لدى مختلف ألوان الطيف السياسي في اليمن أن الانتخابات القادمة من شأنها التأثير بقوة على مستقبل الحياة السياسية اليمنية كما ستؤسس لمستقبل جديد محكوم بمدى مشاركة القوى السياسية في إدارة الحكم المحلي مستقبلا . ويقول نائب رئيس الهيئة العليا لأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك محمد الصبري إن الانتخابات القادمة تختلف عن كل التجارب السابقة في كونها ستجسد مبدأ التنافس بشكل حقيقي وجاد بين الأطراف السياسية يجعلها بداية لتاريخ جديد لليمن وأداة للتحول والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لليمن . ويشير إلى أن» موازين القوى السياسية تغيرت وأصبح الحراك السياسي مختلفا عما كان يجري في السابق بتحالف قوي للمعارضة في تكتل سياسي واحد وبرؤية برنامجية مشتركة للإصلاح السياسي فضلا عن أن هذه الانتخابات ذات طابع حزبي بعيد عن الطابع الشخصي والقبلي الذي كان يسود الانتخابات السابقة». مواجهات على أكثر من جبهة وبقراءة متأنية لخارطة الملعب السياسي تبدو أحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك( 5 أحزاب سياسية) ماضية في خوض المنافسة كقوة واحدة وفقا للبرنامج الذي أعلنته سابقا والذي تم بموجبة التقدم بمرشح وحيد للانتخابات الرئاسية . وقد بدأت هذه الأحزاب تحركات واسعة على المستوى المركزي وعلى مستوى فروعها في المحافظات استعدادا للمعركة الانتخابية إذ اعتمد حزب الإصلاح الإسلامي المعارض على قوته الانتخابية في معظم المحافظات الشمالية والجنوبية في حين سعت الأحزاب المؤتلفة معه في إطار تكتل اللقاء المشترك إلى استغلال قوتها الانتخابية في مناطق معينة وتنسيق جهودها في مناطق أخرى لضمان فوز مرشحيها . وبالنسبة للمحافظات الجنوبية التي تعد دوائر صعبة بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم فان العديد من الدوائر تتحدث عن سيطرة وحضور للحزب الإشتراكي اليمني المعارض في هذه المناطق بالاستفادة من تاريخه السياسي فيها خاصة وأنه حكم المناطق الجنوبية قبل الوحدة بين الشطرين لعقود . وبالمقابل فقد بدت التحركات التي باشرها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم قوية فيما اعتبره محللون توجها جادا لحسم نتيجة الانتخابات بصورة مبكرة . ودشن حزب المؤتمر الحاكم برنامجا كبيرا سعى إلى التخفيف من حدة التأثير السياسي عبر منابر المساجد التي يقول ان حزب الإصلاح المعارض يسيطر عليها من خلال دورات تدريبية للخطباء والمرشدين ودورات للعاملين في الجهاز التعليمي الذي حظي هو الأخر بحملة تعبوية استهدفت التقليل من الحضور القوي للمعارضة ونشاطها في هذا الميدان . ويتهم حزب المؤتمر الحاكم حزب الإصلاح الإسلامي المعارض وهو أكبر الأحزاب السياسية في تكتل اللقاء المشترك بتجييش خطباء المساجد وعناصره في الجهاز التعليمي للعمل في معركته الانتخابية الأمر الذي دفع بقيادات حزب المؤتمر إلى التحرك في هذا الميدان . وبانتظار ما ستسفر عنه تداعيات الأيام المقبلة فان المؤكد أن معركة التنافس في هذه الانتخابات ستكون شرسة للغاية لكنها بالمقابل ستضع الأساس الذي ستقوم عليه الخارطة السياسية اليمنية مستقبلا