برس : تقرير للوسط اليمنية لا شيء يطمئن في ظل وضع وصل إلى الانسداد السياسي، بعد أن وصل موضوع شكل الدولة في اللجنة المصغرة (8+8) إلى قسمين بين من يرى دولة اتحادية من إقليمين، وهو الحراك، وبين دولة فدرالية من عدة أقاليم وهي القوى السياسية الأخرى، ولا مؤشر لحل القضية إلا بعد أن يرجع جمال بنعمر إلى اليمن وتقديم قرارات تفصل بين الطرفين، غير أن الرئيس هادي في كلمته الأخيرة يوم الأحد الماضي، يعبر عما يدور في الحوار وكأن الوضع في معزل عن أي تأزم حاصل، وهو ما يتنافى مع توقف أعمال الحوار بسبب تصلب الحراك بموقفه دون الحصول على أي مؤشر للتوافق. ففي الاجتماع الذي عقده الرئيس هادي مع رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الاثنين الماضي فقد تم مناقشة تقديم الفرق الفرعية لتقاريرها النهائية، في الوقت الذي ما تزال اللجنة المصغرة المنبثقة عن فريق القضية الجنوبية معلقة أعمالها حتى عودة مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" أنه جرى خلال الاجتماع مناقشة المراحل الأخيرة قبيل تقديم التقارير النهائية، ومناقشة تحديد الجلسات الختامية بمواعيدها المتفق عليها، إضافة إلى مقترح حول تنظيم الجلسة الختامية واستكمال الإجراءات المطلوبة من أجل ذلك. وفي الوقت الذي أصبحت رئاسة الحوار تصدر تصريحات متواصلة عن قرب موعد تسلم تقارير اللجان التسع من الحوار، فقد دعا هادي إلى ضرورة الإسراع في تقديم التقارير حتى يتسنى بدء الجلسات الختامية، وقال هادي "إن الأمور تمضي على ما يرام وكل شيء بات جاهزا بصورة كاملة أو على وشك ذلك خلال اليومين القادمين"، مؤكداً أنه "لا مجال إلا للنجاح الكامل". ويصر هادي على إصدار التطمينات رغم ما يشهده الوضع السياسي عكس ذلك، وهو ما جعله يقول "لقد قطعنا أشواطا كبيرة لا يستهان بها والشعب اليمني كله يتطلع إلى مخرجات الحوار التي سيتم إنجازها وتمثل مرحلة مهمة بكل الأبعاد والمقاييس وسينطلق اليمن بعدها نحو آفاق واسعة ومستقبل وضاء". وفيما استكملت ست فرق من أصل تسع إعداد تقاريرها النهائية لا يزال فريق الحكم الرشيد يستكمل تقريره، وعلق فريق "بناء الدولة" أعماله بناء على طلب رئاسة مؤتمر الحوار حتى يستكمل فريق القضية الجنوبية صياغة شكل الدولة القادمة. وفيما يتعلق باللجنة ال16 المنبثقة عن فريق القضية الجنوبية فقد علقت أعمالها حتى عودة المبعوث الأممي جمال بنعمر إلى صنعاء، الذي يشرف على جلسات اللجنة منذ أن شكلت بداية سبتمبر الماضي. لم تقتصر دعوات التطمين لوضع مأزوم من قبل الرئيس هادي، بل أعلن الأمين العام للحوار الوطني أحمد بن مبارك أنه لا شيء يدعو للمخاوف فيما يتعلق بالوحدة اليمنية. وقال بن مبارك الأحد الماضي إن الثوابت والوحدة في مأمن وأيدي أمينة، مشيرا إلى أن الوحدة ثابتة وأجمع عليها المؤتمر تحت مشروع الدولة الاتحادية، ويجب أن تنقل هذه الرسالة إلى جميع أبناء الوطن كما يجب الابتعاد عن كل ما يثير مخاوف الناس أو يقلقهم في هذا الخصوص، مؤكدا أنه تم الاتفاق نهائيا على معظم موضوعات المؤتمر وبقي موضوعان فقط سيتم الاتفاق النهائي عليهما اليوم أو غدا حسب قوله. وفي نفس الوقت أكد جمال بنعمر في حوار أجرته "قناة الجزيرة" الأحد الماضي، أنه لا تمديد لعبد ربه منصور، والأمور تسير في مسارها الصحيح، وأن شكل الدولة سيكون دولة اتحادية من أقاليم وولايات ومحافظات، وقال إن الجنوبيين متفقون على موضوع الأقاليم ولا يوجد شيء اسمه فدرالية بين دولتين شمال وجنوب وليس هناك شيء اسمه فدرالية بين إقليمين شمال وجنوب. وكانت المحافظات الشرقية حضرموت وشبوة والمهرة قد اتفق بعض ممثليها في الحوار على أن تكون هذه المحافظات مندمجة في إقليم واحد لعودة لحمة حضرموت التاريخية بإقليم واحد يتفق الجميع تقريبا على أن يكون اسمه إقليم حضرموت كون شعب هذه المحافظات شعبا حضرميا واحدا تاريخيا، وأن فرقته كان سببها اليمن الجنوبي الذي احتل في عام 67 هذه المناطق وفرق بينها جغرافيا وديموغرافيا. تقرير يشكف عن تقسيم مطروح في ظل ما تشهده اليمن من انفلات أمني وسير يتجه نحو التشظي ليس بين شمال وجنوب بل بين كل شطر، وهو ما أظهره تقرير يكشف ليس عن تقسيم لليمن بل دول المنطقة والعربية بشكل عام. فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية خريطة تقسيم جديدة للدول العربية في الشرق الأوسط، تظهر تقسيم سوريا والعراق والسعودية واليمن وليبيا إلى عدة دول. ووفقاً للخريطة التي نشرتها "النيويورك تايمز" الأسبوع الماضي فقد أكدت أن اليمن هو البلد العربي الأكثر فقرا ويمكن فصله مرة أخرى إلى قسمين بعد إجراء الاستفتاء في جنوب اليمن بنتيجة واحدة هي الاستقلال، لتعود دولة جنوب اليمن من جديد. وأما السعودية فقالت الصحيفة سيتم تقسيمها إلى خمس دول، وفقا لاعتبارات قبلية وطائفية، ونتيجة خلافات الجيل الشاب من الأمراء . ووفق الخريطة ستقسم السعودية إلى دول: شمال السعودية، غرب السعودية، جنوب السعودية، شرق السعودية ، وفي الوسط العربية السعودية. إلى ذلك نشرت تقرير غربي تحت عنوان "قضية اليمن الجنوبي تجبن الانهيار"، والذي أكد أنه يجب أن يتفق اليمنيون على بنية دولتهم، بما في ذلك وضع الجنوب، من أجل صياغة مستقبل مستقر، ولا يمكن فرض اتفاق نهائي من قبل مؤتمر الحوار الوطني؛ والمفاوضات المستمرة والأكثر شمولاً في سياق إجراءات بناء الثقة يمكن أن تنجح. وفي أحدث تقاريرها، "قضية اليمن الجنوبي: تجنُّب الانهيار"، تتناول مجموعة الأزمات الدولية المرحلة الانتقالية - التي تمر الآن في لحظة مفصلية - في بلد لا يزال يحاول التكيّف مع إرث الوحدة والحرب الأهلية وفي نفس الوقت يخوض صراعاً مع القاعدة في شبه جزيرة العرب، يشارف مؤتمر الحوار الوطني على الانتهاء؛ وستصوغ توصياته عملية كتابة الدستور التي سيتبعها استفتاء دستوري ومن ثم انتخابات. ويرغب الدوليون وبعض المحليين الالتزام بصرامة بالحدود الزمنية الموضوعة، لكن الاندفاع لإكمال قائمة تحقق المرحلة الانتقالية يمكن أن يعني فرض حصيلة تفتقر إلى شرعية ذات قاعدة واسعة. وتتمثل النتائج والتوصيات الرئيسية للتقرير على أنه يمكن حل أية قضية في المجتمع غير أن حل قضية اليمن الجنوبي، أصبحت المشكلة والأكثر تعقيداً وتسبباً في الانقسام في المحادثات الراهنة، وينبغي أن تكون مكوّناً رئيسياً في أي دستور جديد وأية تسوية سياسية دائمة. من المرجح أن يؤدي فرض تسوية نهائية في الظروف الراهنة، في غياب حد أدنى من الثقة، والشرعية والإجماع، إلى تقويض مصداقية العملية الانتقالية، وأن يعزز التشدد في الجنوب ويدفع إلى أفعال خطرة تدفع البلاد إلى حافة الهاوية، وعلى المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني والشركاء الدوليين أن يعرّفوا نجاح المؤتمر بأنه التوصل إلى اتفاق على بعض القضايا وفي الوقت نفسه وضع الأسس لاستمرار النقاشات حول قضايا أخرى، بما في ذلك بنية الدولة. وأكد التقرير أنه ينبغي أن يتم تحديد الترتيبات الانتقالية الموسّعة التي تتضمن تأجيل محدود لإجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات التي تليه؛ إجراءات بناء ثقة للجنوب (تعالج المظالم المتعلقة بالوظائف والأراضي، وتحسين الأمن وتفويض المزيد من المسؤوليات المالية والإدارية إلى الحكومة المحلية)؛ ووضع إطار تنفيذ محدد بوضوح من حيث جدوله الزمني، وآلياته، وتمويله والرقابة عليه؛ وإشراك مجموعة أوسع من النشطاء الجنوبيين، خصوصاً قادة الحراك الجنوبي داخل وخارج البلاد، في مفاوضات مستمرة حول البنية المستقبلية للدولة. وتقول إيبرل آلي، كبيرة المحللين لشؤون شبه الجزيرة العربية، "على مدى العامين الماضيين، قاد التحركات السياسية اليمنية اتفاقية انتقالية غير مثالية، تمكنت حتى الآن على الأقل، من تفادي العنف، وأطلقت عملية سياسية وحققت بعض التقدم حول قضايا محورية. ثمة حاجة للمزيد من الوقت والعمل للتوصل إلى حل على قاعدة واسعة يكون مقبولاً لمعظم الجنوبيين والشماليين على حد سواء". ويقول روبرت بليشر، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "إن البديل المتوقع لتأجيل محدود لبعض العناصر، وخصوصاً الاستفتاء وخارطة الطريق الجديدة للمرحلة الانتقالية، سيكون في أفضل الأحوال اتفاقية تحظى بدعم محدود وتفتقر إلى الدعم الشعبي ودعم النخب. وستكون النتيجة النهائية على الأرجح مزيداً من عدم الاستقرار وعملية خطيرة من الانقسام الجغرافي". كلمة بنعمر وردود الفعل وبما أن ثمة خوف من إيجاد منفذ للحراك الجنوبي للانفصال مستقبلا فإن المرحلة أصبحت حرجة لاسيما واستمرار الاحتجاجات في الجنوب لازالت متواصلة في حين سرد بن عمر تقريره الأخيرة أمام مجلس الأمن أثار ذلك التقرير ردود فعل واسعة في وسط الحراك، وانتقدت قيادات بارزة في فصائل الحراك الجنوبي التقرير بشدة وتهمته "بمحاولة اختزال القضية الجنوبية وإساءة التوصيف لها، وتصويرها على أنها مجرد خلاف بين فريق تم اختياره ليتحاور بشأنها حول عدد الأقاليم لدولة يريدون تفصيلها". ووصف بيان صادر عن حزب "رابطة أبناء اليمن" تقرير بن عمر الأخير بأنه "كان مسيئاً للقضية الجنوبية وحاول دفن إرادة الشعب الجنوبي"، في حين استهجن "تجمع القوى المدنية الجنوبية" في بيان مشابه ما أورده التقرير بشأن القضية الجنوبية، معتبراً أنه "حمل تضليلاً متعمداً وحجباً لحقائق الأمور في الجنوب". القيادي في حزب رابطة أبناء اليمن فضل محمد ناجي يقول "إن التقرير الذي قدمه بن عمر "كان مخيباً للآمال ومتحاملاً على القضية الجنوبية وجانب الحقيقة، وإن التقرير تجاهل عدم المشاركة في الحوار من قبل الأغلبية العظمى من فصائل الحراك الجنوبي والقوى السياسية والشبابية الفاعلة في الجنوب، ولم يوضح مطالب تلك القوى المعلنة بالتحرير والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية المستقلة على كامل تراب "الجنوب المحتل". وتحدث فضل محمد حسب ما نقل عنه "الجزيرة نت" أن انتقاد هذا التقرير يأتي لأسباب موضوعية أهمها أنه "كان مسيئاً لتوصيف القضية الجنوبية، بالإضافة إلى تبنيه مفردات مراكز القوى في صنعاء واختزال القضية وحلولها في الخلاف على موضوع الفدرالية والأقاليم وعددها وحدودها". من جهته اعتبر الأمين العام "للمجلس الأعلى للثورة الجنوبية" قاسم عسكر جبران أن التقرير "لم يكن أميناً لمشاهداته لوقائع الأحداث والتطورات الموجودة على ساحات الجنوب، ولم ينقل الحقائق كما هي بالفعل". وقال جبران للجزيرة نت إن الحراك الجنوبي عبر عن رفضه للحوار منذ انطلاقته، وأن المشاركين فيه من الجنوبيين "لا يمثلون إلا أنفسهم، وكان يتوجب على جمال بن عمر أن ينقل رأي وإرادة الشعب الجنوبي التي عبر عنها في كل الساحات". وأضاف "نحن في مجلس الثورة الجنوبية لم نفاجأ كثيراً بهذا التقرير والنتيجة التي خُلص إليها، وكنا على يقين بأن الحوار تحت سقف الوحدة اليمنية سيكون حواراً فاشلاً وسيرفضه شعبنا رفضاً قاطعاً مهما كانت الأحوال"