رغمك صالح وحزبه وهما يحتفلان بذكرى ما يسمونه تسليم السلطة سلمياً بميدان السبعين أن تعتصر ذاكرة الزمن وتعود بالتاريخ إلى الوراء لتذكر بطريقة الصعود لصالح كمقدمة لنتيجة حتمية لطريقة السقوط طبقاً لمبدأ ما أخذه صالح بالقوة لا يسترده الشعب إلا بالثورة.. في غفلة من التاريخ صعد صالح إلى السلطة وفق ما أعلنه الرجل الثاني بعد صالح اللواء علي محسن الأحمر وذراعه الأيمن، وفي صحوة من الشعب سقط صالح، وبين الصعود والسقوط وما تخللهما من أساليب وطرق الاحتفاظ بالسلطة على مدى ثلاث وثلاثين عاماً تتجلى لنا مصداقية تسليم السلطة سلمياً من عدمه.. طريقة الصعود نام صالح كقائد لمعسكر خالد في تعز ليستيقظ على رئيس جمهورية في صنعاء حال أن أصبح كرسي السلطة شاغراً بعد اغتيال رئيسين (الحمدي ومن بعده الغشمي) في فترة أقل من عام.. كابوس يرتسم أمام من توسوس له نفسه بتولي السلطة غير صالح الذي ما زالت أصابع الاتهام تتوجه إليه في اغتيال الحمدي، ولم يستطع صالح نفي تلك التهم عنه بسبب وجوده ساعة عملية الاغتيال بشهادة الكثير ممن عاصروا تلك الفترة وبحسب روايات العارفين بأساليب وحيل صالح في الوصول للسلطة، وهي الروايات التي تحدث عنها أقرب المقربين للشهيد الحمدي الوالد محمد الحمدي للقنوات الفضائية وعدد من الوسائل الصحفية بأن صالح هو من أطلق الرصاص على الشهيد إبراهيم الحمدي.. والأهم من ذلك وذاك تأكيد العميد نصار الجرباني، ذي التوجه الناصري، ما تحدث به شقيق الحمدي؛ حيث أكد العميد الجرباني في برنامج /''بصراحة/'' بقناة سهيل أن صالح هو من نفذ عملية اغتيال ابراهيم الحمدي. ما يعزز تلك التهم ضد صالح قيامه بالإخفاء القسري لعدد من الناصريين الذي قاموا بالانقلاب على صالح لاسترداد السلطة، إضافة إلى صعوده إلى السلطة تحت مبرر الانتقام للغشمي حسب رواية الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر، ما دعا إلى تحليل البعض أن صعود صالح وفقاً لهذا المبرر يضعه في دائرة الاتهام باغتيال الحمدي وعلاقته الوطيدة بالغشمي. صالح أيضاً لم ينج من اتهام نجل الغشمي الأكبر بأن والده ضحية صالح.. وهذا ما كشف عنه في رده على أسئلة القراء في صحيفة اليقين قبل عدة أسابيع. حينها لم يكن الجو مهيئاً بالقدر الكافي لصعود صالح حيث أن قائد القوات المسلحة آنذاك أحمد الشيبة هو من كان يجب أن يتولى السلطة بعد الغشمي لكن صالح وحسب روايات العميد الجرباني، وهي روايات طالما ترددت في الخفاء بين أوساط الشعب اليمني ورفع الستار عنها الجرباني، بقوله: إنه بعد اغتيال الغشمي، وكان أحمد الشيبة قائد القوات المسلحة حينها مهيئاً لتولي السلطة بموجب الدستور، قام صالح بإرسال حقيبتين: الأولى مليئة بالدولارات، والثانية تحوي كفن ورصاصتين مع مسدس.. في تهديد واضح بضرورة رفض الشيبة للسلطة.. لكن السلطة لم تتهيأ لصالح لتولي رئيس ما يسمى بمجلس الشعب أو المجلس التأسيسي عبدالكريم العرشي السلطة طبقاً للدستور، ما دفع صالح للانتقام من العرشي بإرسال عدد من الدبابات لمحاصرة منزله.. وحينها سرعان ما تخلى العرشي عن السلطة لصالح في مسرحية انتخاب صالح عام 1978م من قبل مجلس الشعب التأسيسي. صعد صالح السلطة بعد أن خلق مشاهد وشواهد التخويف من تولي السلطة بالقضاء على أربعة من الحكام، إما بعملية الاغتيال أو التهديد به.. ليصعد صالح السلطة وهو حاملاً كفنه على يده كرسالة تحذيرية للحالمين بالسلطة. لم يكتفِ صالح بانتهاج سياسة عملية التصفية للخصوم لمن ينافسه على السلطة بل مارسها أيضاً مع من عارضه في طريقة إدراته الفاشلة للبلاد، ولم يكن وزير الداخلية الأسبق الشهيد يحيى المتوكل والشيخ مجاهد أبو شوارب والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلا شهداء الكلمة الحقة في وجه السلطان الجائر.. الاحتفاظ بالسلطة سخر صالح كل إمكانيات البلاد والعباد للاحتفاظ بالملك المغصوب من الشعب لعلمه بعدم أحقيته بتولي الحكم من ناحية ولعلمه بأنه سيأتي اليوم الذي ينتفض فيه الشعب لاسترداد الحكم من غاصبيه، ما دفع بصالح أن يطوق فترة حكمه بسياج أمني وسياسي واقتصادي واجتماعي منيع. ففي الجانب الأمني ولّى صالح أبناءه أحمد علي قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وخالد قائد للمشاه جبلي.. كما مكّن أبناء أخيه محمد عبدالله صالح؛ فعيّن يحيى أركان حرب الأمن المركزي وطارق قائداً للحرس الخاص وعمار للأمن القومي، فيما مكّن أخيه غير الشقيق محمد صالح الأحمر من قيادة سلاح الجو قيادة الطيران والدفاع الجو.. هذا في الجانب العسكري والأمني. في الجانب الاجتماعي اتخذ صالح الاسترضاء كسياسة مغايرة لأسلافه في الحكم وخاصة إبراهيم الحمدي الذي ضحى بنفسه من أجل شعبه، ليأتي صالح يضحى بشعبه من أجل نفسه فقرب كل المشائخ والأعيان وصاهر أصحاب النفوذ والتاثير بكل ما أوتي من قوة لكسب الولاءات فوزع الهبات والعطايا من أموال الشعب وحقه من المناصب على كل الموالين له .. في الجانب الاقتصادي اعتمد صالح سياسة ( جوع شعبك يتبعك) فكان تجويع الشعب اليمني وتجريعه الفقر والعوز عامل انكسار وخمول للتفكير بالسلطة، لتكون لقمة العيش الشغل الشاغل للشعب المغلوب على أمره، بل وصل الأمر حد أن يتم سرقة بيوت الله من مساجد ودور تحفيظ للقرآن الكريم .. في الجانب السياسي دأب صالح على التذكير بعبارة /''الحاكم في اليمن كالراقص على رؤوس الثعابين/'' في كل كلمة يلقيها على آذان الطامحين بالوصول إلى السلطة، كما تعمد انتقاد الخصوم باصطياد أخطاء المعارضة كلما لاحت فترة استحقاق دستوري بتولي السلطة وفق انتخابات رئاسية.. فكانت انتخابات 2006م بين صالح وبن شملان شاهداً على أعظم حراك سياسي لم تشهده اليمن ورغبة جامحة للشعب اليمني بانتخاب شملان لا لشخص بن شملان بقدر ما كان لانتخاب تغيير صالح، ما أفقد صالح صوابيته في توجيه التهم والانتقاص من منافسه من جهة والسعي إلى تزوير نتائج الانتخابات من جهة أخرى، إلى درجة أن الفوز كان قبل الفرز باعتراف رئيس اللجنة الإعلامية للجنة العليا للانتخابات عبده الجندي ليعلن فوز صالح بنسبة 88% كصفارة بدء بالتزوير لإيصال النتائج إلى هذه النسبة، ولكن الصدمة كانت على غير ذلك حينما فُوِّز صالح بنسبة 77% رغم توجيهاته بالعبث وإغلاق الدوائر الانتخابية المحسوبة أو المؤيدة لمنافسه بن شملان.. طريقة السقوط بعد سنوات حكم مثلت الضغط الذي ولد الانفجار لم يدم صبر الشعب اليمني طويلاً حتى لاحت في الأفق فرصة التغيير فانتهزها الشعب لتكون الثورة الشبابية الشعبية السلمية في عموم محافظات الجمهورية التي أطاحت بصالح ونظامه من السلطة، ليعيش صالح فترة هذيان لم يستوعبها أو يتقبل أن يتخلى عن حجم الجهود الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بذلها طيلة تلك الفترة للاحتفاظ بكرسي الحكم. ولهذا فإن كل ما بذله صالح للاحتفاظ بالسلطة من جهة وكل ما يبذله من أساليب العرقلة والإحباط لعملية انتزاع السطة أو عملية التحول السياسي بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من جهة ثانية، وما عاناه الشعب اليمني من معاناة على مدى عامين متواليين بسبب تمسك صالح بالسلطة من جهة ثالثة، تجعل الحديث عن تسليمه السلطة سلمياً محض افتراء ودجل مزمن عهده الشعب من حاكم يعيش حلم الزعامة ولم يتخلَّ بعد عن مسمى رئيس حزب ناهيك عن رئاسة دولة! إن يوم الوفاء بالوعد والالتزام بالعهد يوم الأربعاء الماضي 27/2/2013م كذكرى لتخلي صالح سلمياً عن الحكم يوم 27/1/2012م ليس إلا أكذوبة القرن الواحد والعشرين وفرصة للتباهي الكاذب، خاصة بعد أن رسخ في ذهن الشعب اليمن أن قوله صالح يخالف فعله. وفي لحظة تجليِّ من نوع خاص ولشيء في نفس المدمن على الجلوس في كرسي الحكم أعلن صالح تخليه عن السلطة قبل شهور من انتخابات 2006م، وحينما كانت الدعاية الانتخابية له تطبع في دائرة التوجيه المعنوي قال صالح (لن أرشح نفسي للرئاسة وسأتخلى عن السلطة وسأسلمها للشعب.. دعونا نتبادل السلطة وبطرق ديموقراطية وحرية مطلقة)!! ولأنها مسرحية مألوفه من رئيس معروف بالدجل المزمن كان ميدان السبعين على موعد مع حشد بطريقة سلطان البركاني ويحيى الراعي وعبدالرحمن الأكوع وعلي الآنسي وعبده بورجي .. لمطالبة الربان بقيادة البلاد إلى بر الأمان! ختاماً، هناك مقولة تقول: تستطيع أن تكذب بعض الوقت لكن لا تستطيع أن تكذب كل الوقت.. لذلك واستناد على ما سلف ذكره من مراحل الصعود ومروراً بطريقة الاحتفاظ إلى لحظة السقوط لا يستطيع صالح مهما بلغ دهاؤه السياسي أن يثبت للعالم أنه سلم السلطة سلمياً في الوقت الذي يلوِّح مجلس الأمن بتوقيع عقوبات دولية على معرقلي العملية الانتقالية وأولهم المخلوع صالح رغم منحه الحصانة. وإذا كان مصراً على قوله أنه سلم السلطة سلمياً فعليه أن يثبت للعالم أنه لم يخرج بفعل ثورة شبابية شعبية سلمية شهدتها أغلب محافظات الجمهورية على مدى عامين كاملين وأن مجلس الأمن لم يجتمع في تاريخه منذ إنشائه مثلما اجتمع ضد صالح ونظامه وأن المبادرة الخليجية التي تقدمت بها الدول الإقليمية وباركها المجتمع الدولي ليست إلا لإنقاذ اليمن من معتوه يده على زناد إشعال حرب أهلية في اليمن. يحتاج صالح ليقنع العالم بأنه هو من وضع المبادرة الخليجية وأن حبسه لسفراء دول الخليج وأمينها العام في إحدى السفارات حين مطالبته التوقيع على المبادرة التي يدعي أنه وضعها ليس إلا كاميرا خفية! ما يحتاجه صالح ليقنعنا بتخليه عن السلطة بالفعل أن يثبت كفه عن استهداف حزبه لنظام هادي، الذي لم يأمن حتى البقاء في دار الرئاسة، وكذلك الكف عن استهداف رئيس حكومة الوفاق، والكفّ عن دعمه القاعدة وفك الارتباط في الجنوب بمنع رفع أعلام الانفصال من على مقرات المؤتمر الشعبي العام.