استمع مئات المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني أمس الأحد إلى كلمة الأخت العزيزة سميرة علي قناف زهرة التي تحدثت بلسان حال مئات النساء من أسر المختفين قسريا. كانت الكلمة موجزة ومعبرة عن محنة اليمنيين جميعا جراء استمرار جرائم الأختفاء القسري التي لا يريد الرئيس هادي ولا حكومة باسندوة ووزير داخلية المشترك وغالب القمش ورجال النظام السابق الأوفياء لصالح والمنشقون عنه, الاقتراب من تفاصيلها أو وضع حد لها بالكشف عن مصائر المختفين قسريا في العقود الماضية. دوى تصفيق حار بعد أن قدمت سميرة نفسها وقالت بإباء وفخر لم تخف عذابات سنين, أنا إبنة علي قناف زهرة! كان علي قناف زهرة لحظتها تجسيدا لكل المختفين قسريا في اليمن قبل الوحدة وبعدها. ارتبط اسم هذا الوطني اليمني النادر باسم رفيقه الرئيس ابراهيم الحمدي. في ظهيرة 11 اكتوبر 1977 تم تنفيذ مؤامرة اغتيال الرئيس الحمدي. وبعد ساعة او ساعتين تم استدعاء علي قناف زهرة (قبل أن يعلم بالمؤامرة) الى القيادة (أو إلى منزل رئيس هيئة الأركان أحمد الغشمي), ولم يظهر بعدها قط. خطر في بالي وأنا أتابع كلمة سميرة زهرة, وحضور والدها المهيب رغما عن القتلة المنتشرون في القاعة, الشاعر العربي الراحل أمل دنقل الذي لخص معنى تمسك الإبنة بأبيها المختفي قسريا (أو إبنة أي شهيد, وبالطبع أي رفيق لشهيد) في مجموعته الشهيرة "أقوال اليمامة ومراثيها", وقصيدته المذهلة "أبي .. لا مزيد", واليمامة هي إبنة كليب الذي قتل غدرا, فرفضت ابنته كل عروض الصلح وقالت: لا أصالح! هنا قصيدة أمل دنقل التي تشرح للمتهاونين من المتحاورين وغير المتحاورين معنى الولاء للشهداء والفادين. والصورة المرفقة هي لوحة للفنان القدير والصديق شهاب المقرمي. أبى .. لا مزيد !! __________- أريد أبى .. عند بوابة القصر ، فوق حصان الحقيقة منتصبا من جديد .. … … … ولا اطلب المستحيل ، ولكنه العدل : هل يرث الارض الا بنوها .. ؟ ولا تناسى البساتين من سكنوها .. ؟ وهل تتنكر أغصانها للجذور .. ( لان الجذور تهاجر فى الاتجاه المعاكس ؟ ) هل تترنم قيثارة الصمتِ .. الا اذا عادت القوس تذرع أوتارها العصبية ؟ والصدر !! حتى متى يتحملُ ان يحبس القلب .. قلبى الذى يشبه الطائر الدموى الشريد .. !! هى الشمس ، تلك التى تطلع الان .. أم أنها العين – عين القتيل – التى تتأمل شاخصة : دمه يترسب شيئا فشيئا .. ويخضر شيئا فشيئا فتطلع من كل بقعة دم : فم قرمزى .. وزهرة شر .. وكفان قابضتان على منجل من حديد ؟ هى الشمس ؟ أم أنها التاج .. ؟ هذا الذى يتنقل فوق الرؤوس الى ان يعود الى مفرق الفارس العربى الشهيد ؟ … … … … أقول لكم ايها الناس كونوا أناسا !! هى النار ، وهى اللسان الذى يتكلم بالحق إن الجروح يطهرها الكى .. والسيف يصقله الكير .. والخبز ينضجه الوهج .. لا تدخلوا معمدانية الماء .. بل معمدانية النار .. كونوا لها الحطب المشتهى والقلوب : الحجارة ، كونوا .. الى ان تعود السماوات زرقاء .. والصحراء بتولا .. تسير عليها النجوم محملة بسلال الورود … … … أقول لكم : لا نهاية للدم .. هل فى المدينة يضرب بالبوق ، ثم يظل الجنود على سرر النوم ؟ هل يرفع الفخ من ساحة الحقل .. كى تطمئن العصافير ؟ ان الحمام المطوق ليس يقدم بيضته للثعابين .. حتى يسود السلام .. فكيف أقدم رأس أبى ثمنا ؟ من يطالبنى أن أقدم رأس أبى ثمنا .. لتمر القوافل آمنة وتبيع بسوق دمشق : حريرا من الهند ، أسلحة من بخارى ، وتبتاع من بيت جالا العبيد ؟