لا أستطيع أن أتناسى ذلك الرجل الذي باع مجوهرات زوجته وحليّها الثمينة من أجل الظفر بساعات من التخزين، ولا ذلك الأب الذي باع اسطوانة غاز أسرته للهدف نفسه، ولا تلك البنت الباكية التي ظهرت ذات مرة على أخبار المواقع الإليكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي تندب حظها العاثر وحظ إخوتها الصغار عندما وقع أبوهم الطيب في قبضة القات ثم تلاه تعاطي المخدرات ليتحول ذلكم الأب الحاني العطوف إلى وحش كاسر أحال حياة أسرته وأبنائه إلى جحيم لا يُطاق. لقد أصبح القات داءً مستفحلاً ينخر في جسد مجتمعنا الحضرمي بعد أن كان في عافية منه، وازداد انتشاراً وطغياناً بعد اتساع رقعة اليمن أضعافاً إبان الوحدة اليمنية، إذ وقع الكثير من الشباب والرجال والنساء والأطفال ممن في سن المراهقة ضحية التقليد الأعمى، فأدمنوا تخزين القات وتعاطيه مُهدين عصارة جهدهم وكرائم أموالهم إن كانت حلالاً بالطبع لعصابة دنيئة من تجار الموت، ممن يسعون إلى الربح السريع والكسب الماراثوني وإن لو على حساب القضاء على زهرة شبابٍ و تدمير أسر كانت آمنة مطمئنة حتى عكّر صفوها ذلكم الكابوس المرعب . في محاولة للهروب من واقع مرّ وبائس، مع انعدامٍ للبديل النافع، يستتبعه بُعدٌ عن تعاليم الدين الذي ينهى عن كل شر ومسكر وفتر ومخدر، ولا ننسى توجهاً سلطوياً قد شاب على المداهنة والمهادنة والنفاق، مع تواطؤ رسمي مقيت، يرفده جهل مُطبق وأمية شائعة كل ذلك ساعد على أن يستحكم القات ويسيطر بكل قوة وأنفة على مفاصل المجتمع، وصارت له الكلمة المسموعة والصوت الطاغي الذي لا يُعلى عليه، وصار فيضاناً مجلجلاً قوياً قاهراً لم يستطع أحد إلى الآن إيقافه أو التقليل من امتداده الكاسح سوى من محاولات خجولة هنا أو هناك لا تلبث أن تتلاشى أو تضعف على أكثر تقدير مع مرور الزمن وكرّ الأيام . القات .. بين الحياة البائسة .. أوالموت البطيء : إن تعامل المجتمع بكل فئاته ومكوناته بروح سلبية قاتلة مع القات هو الذي مكّن له أن يضرب بأطنابه ويقوَى بغرز جذوره في أعماق كثير من ضحاياه، وهم في ازدياد مطّرد أفقياً ورأسياً، فكم من أموال تُقدر بمئات الملايين تُهدَر كل يوم ؟!، وما عدد صرعى السرطان الذي يسببه تعاطي القات الذين يتساقطون في كل ساعة ؟!، وهل يدري أحدٌ أننا على حافة جفاف فظيع في حين يستمر مسلسل استنزاف المياه لأجل شجرة القات الخبيثة ؟!، وكم من المساحات الزراعية الخصبة التي تقلّصت وقد كانت نافعة بما فيها من أشجار البن اليمني على حساب زراعة القات ؟! . لقد أصبحت زراعة القات والمتاجرة به وتعاطيه بيننا صناعةً للفشل بعد أن كنا فيما مضى صنّاعاً للنجاح، أما آن لنا أن نقف وقفة حازمة لا هوادة فيها من أجل اجتثاث تلك الشجرة الشيطانية بشكل نهائي ؟!، أما آن لنا بعد التخلص من القات بلا رجعة أن ننعم بالراحة ونرى تصاعد مؤشرات التنمية على كل المستويات ؟!، أما آن لنا أن نُحيل حياتنا وأرضنا إلى واحات خضراء ذات ظلال وارفة ؟! بلى قد آن، قد آن .