لم يكن التعليم – زمان – كله تلقينياً ، فقد كان فيه من الجانب العملي و الترفيهي الذي يمارسه التلاميذ أنفسهم الشيء الكثير .. فقد كان إلى جانب النشاطات اللاصفية التي تعج بها المدارس في الفترات المسائية ، نشاطات أخرى صفية ، ليس فيها للمعلم إلا جانب الإرشاد و التوجيه .. و ليس فيها شيء يؤثر على سير الدراسة ، أو جدول الحصص .. و مما يطفو على سطح الذاكرة ، و يتشبث بها : حين كنا صغاراً ، و تحديداً في الصف الثاني الابتدائي ، كنا في حصص المدوّنة ، حيث يُحضِر كل تلميذ دفتراً ( أبو ست عشرة ورقة ) ، ثم يقسم كل صفحتين متقابلتين إلى مربعات بعدد أيام الشهر ، يسجل فيها يوميا بالرسم ما يشاهده من أحوال جوية ، أو مزروعات ، كأن يرسم شمسا ساطعةً أو غيوماً أو مطراً أو باذنجان أو طيوراً أو غير ذلك .. و في دروس يُعنْوَن لها ب ( زيارتنا إلى ) كنا نزور بعض أصحاب المهن .. كالقاضي و الطبيب و الإسكافي و ….. و يتوجه إليهم التلاميذ بأسئلة معدة من قبل المعلم ، يتولى التلاميذ تقديمها ..( ما هي أعمالك ؟ ما هي صعوباتك ؟؟؟ ….) و مثل تلك التربية العملية التي يمارسها التلاميذ ، كنا في حصص الجغرافيا نتدرب على الجهات الأصلية و الفرعية و فرعية الفرعية ، من خلال موضوع : البحث عن الكنز .. و فيه يقسّم المعلم الفصل إلى مجموعات ( الأسد ، النمر الفيل ….) قوام كل مجموعة خمسة أو ستة تلاميذ ، و تسلم إليهم خريطة ، يُحدّد عليها سهم الشمال ، وتمتلئ بالرموز ، مثل رمز : ( المدرسة ،المسجد ، القبة، السقاية ، النافذة ، الشجرة….) و يحدد فيه الطريق إلى مكان الكنز الذي يتم البحث عنه ، على تلك الخريطة ، في ساحة المدرسة أو في خارجها ، في جو من المرح و التشويق و المتعة.. و هل تعلمون : ما الكنز ؟؟ إنه حبات من ( النعنع ) يتلذذ بها التلاميذ الصغار الحاصلون على الكنز .. و هي فعلاً كنز ثمين في تلك الأيام .. فما أحلاها !! و ما أحلى الرجوع إلى أيام زمان !