* بين يدي الكنز امامي (183 ) مجموعة قصصية يمنية تحتوي على (2000) قصة تقريبا هي حصاد اليمن السردي المطبوع منذ جنوحها الاشتغال بالقصة وفق مفهوم أوروبا الحديث للقصة .. جل هذه القصص اليمنية لم ينهل من الموروث الشعبي الثري (زامل ، اغاني ، أناشيد ، اهازيج...الخ ) كما نهلت أوروبا في بدايات عصر النهضة من موروثاتها بصورة ومضمون ربطها جذريا بقاعدة جماهيرية تعتز بموروثاتها وترفع من شأن كل نتاج أدبي جديد ينهل من هذا الموروث..على يد نخبة من كتابها من طراز الإيطالي بوكاتشو وساكيني.. في اليمن بدت القصة بعيدة عن الاستفادة من الموروث الشعبي والذي يتميز بالغنى والتنوع..ان الفرق الذي يتبدى كبركان هائج بين القصة الاوروبية واليمنية انها أي القصة اليمنية لم تنهل من موروثها كما نهلت القصة في اوروبا..اذ اكتفى كتاب القصة اليمنيين بنقل مفهوم اوروبا للقصة (novella)1 نقلا حرفيا يخلو من روح المفهوم من دون ان يلاحظ احد ان من اسباب ازدهار القصة الاوروبية وتأسيسها لقاعدة جماهيرية كبيرة وسوقا رائجة عائد إلى ان كتابها أدركوا مبكرا موضع الكنز !! هذا الحديث لا يساوي القصة الاوروبية باليمنية لان في ذلك حيفا كبيرا على القصة الاوروبية وبالقدر نفسه لا يعني حكما مطلقا باخفاق الكتاب في بلادنا الوصول إلى موضع الكنز في النهل من الموروث الشعبي لثلاثة اسباب جدير بنا تأملها:- الاولى :- الأثر البالغ الذي تركته الهجرات اليمنية في كتاب السرد ونفيهم عن وطنهم الام ..اذ لعبت ثقافة المهجر دورا رئيسيا في تذويب هذا الموروث المتوارث عند ما يعادل 40 % يمثلون نسبة كتاب السرد المهاجرين الثانية :- افتقار وعي السردي (غير المهاجر) الى ادواته..وهدف القصة في الرقي بالمجتمع واع الثالثة:- عمر القصة القصير اذ لا يزيد عمرها عن أربعة وسبعين عاما .. ومع كل ذلك لا يمكن تجاهل اشتغال مجموعة من الكتاب امثال اروى عبده عثمان ومحمد الغربي عمران واخرين وبدأب في القصة والنهل من كنز الموروث ورغم تحقيق بعض كتاب السرد للهدف المناط بالقصة في الارتباط المباشر بواقع الناس وتطويعها لتكون الصوت المعبر عن نبض المجتمعات الا انها وبسبب غربة كتاب المهجر عن موروث البلاد وافتقار وعي الكاتب المحلي الى اهمية الموروث تنسحب إلى القضايا الانية و المدنية ..كثيرها يقف كشاهد اخرس اقصى ما يستطيع فعله تسجيل الواقع من دون الالتفات إلى الموروث في اشارة إلى مدى قابليتها الابتعاد عن موروث البلاد وإلى ما لانهاية ..عاجزة عن مواكبة المتغيرات المحلية فخطابها كالمتبري من الموروث الشعبي .. كثير منها يهرول نحو تدويل القصة على حساب القضايا المحلية الاخطر ..منجرة عن قضايا البلاد ومطالب مجتمعه الحائرة كأنها موظفة لضرب الموروث في عقر داره .. ونتيجة حتمية لهذا الغبار غير قادرة على استيعاب مدى قدرة الموروث على توسيع القاعدة الجماهيرية للقصة توسيعا كميا ونوعيا ان نهوض القصة في أوروبا اقترن بتمسك كتابها بموروثات بلدانهم في حالة المحت بوضوح إلى مدى حاجة السرد لكتاب ينهلون من الموروث ومدى حاجة الكتاب لإعادة النظر في الهدف المناط بالقصة .. كتاب يعيدون للقصة دورها الريادي في التوثيق للمجتمعات عبر الارتباط الحر والمباشر بواقع هذه المجتمعات والتي ترتبط كليا بموروثها من اغاني واهازيج واناشيد وزوامل ورقصات والخ * محاولات اولى القصة اليمنية وعلاقتها بالموروث الشعبي ..تاريخ مجهول ..بعض كتاب القصة أنفسهم لا يعرفونه ..ولو من باب تجنب كارثة الاصطدام عمدا بالنص ان فتح الابواب التاريخية وازاحة الركام الرابض كجثة فوق تاريخنا الابداعي وخاصة علاقة السرد بالموروث واخراجه إلى جمهورنا الذي لايعرف عن القصة سوى اسمها وفيما ندر بعض الاسماء ..صار هما يدفعني لاعادة قراءة تاريخ القصة عموما وعلاقتها بالموروث خصوصا من زاوية الحاضر ..هذا من شق ..ومن شق اخر ..ازاحة ولو بعض الركام الجاثم عن الادب اليمني عموما والذي يحتاج إلى الكثير من الجهد لانه ومنذ نشأته حرم من التوثيق * بدايات قصصية بشيء من الحكمة وبثوينات من التمعن ولحظات من الصدق مع النفس يمكن اصلاح الخطاء لكن بدون توفر هذه الشروط الثلاث لا تتوقع ذهاب الخطاء محملا فوق سيارة اسعافية إلى المستشفى من دون ان يدفع مرتكبيه الثمن.. والخطاء المميت الذي ارتكبته هيئات تحرير الصحف والمجلات ومنذ سبعة عقود في حق القصة القصيرة فادح ..فهذه الوسائل قامت بحشو الخطاء في سيارة اسعافية وذهبت به إلى المجنة وليس إلى المستشفى من دون ان تلاحظ الفرق الهائل بين اسعاف مريض على يد طبيب ماهر واسعافه بانتظار رحمة الله.. لقد فتح الأستاذ احمد البراق صاحب قصة اللصان قبل 74 عاما الباب اذا لتمر قصته التي تفتقر للبناء اللغوي والسردي وغربتها عن موروث البلاد ومضى من دون ان يدري انه توج مسيرة القصة بتغريبها عن واقعها إلى المشنقة معتقدا ان التأريخ الذي توجه رائدا للقصة سيتجاهل افتتاحه لعهد القصة القصيرة بقصة هي بحاجة ماسة الى مايربطها بالمجتمع. لقد غرس البراق رأس محبرته في وعاء القصة الصحيح فعلا وطبق حرفيا مفهوم اوروبا للقصة من دون تطبيق روح المفهوم..ولذلك ظهرت كشكل وانهارت كمضمون لم يبرره ندم البراق على فداحة اثارها تركه لكتابة القصة والمضي إلى مشنقة الامام !! شٌنق البراق ..وربط بعض من اشتغل بالقصة من بعده مسألة اعدامه عقب فشل حركة 48م بالقصة في محاولة بائسة لتأكيد اسهام القصة في احداث التغيير السياسي من دون الحاجة الى النهل من موروث البلد الشعبي والذي لايستغني عنه كل مواطن ومواطنة يمنية على حساب بقاء القصة مجردة وعارية في الواقع من كل موروث وامام المجنة مضى من مضى ..هذا لايهم ..ما يهم الان ان القصة القصيرة مضت ايضا لكن بدون الموروث إلى صمت مؤقت تاركة الطاولة لوعاء الرواية في حالة اوحت للساكن قرب المشهد السردي بان توظيف الموروث في السرد سيناط بالرواية وبشرت البعيد عن المشهد السردي بان انتقال السرد من القصة إلى الرواية من دون قاعدته الملتصق روحيا بموروثه في قفزة خطرة لا ينفذها سوى محترف سيناط بالرواية لا بالقصة ..لكن الغيوم كانت تتجمع وحسب في الافق * اثر المهجر في خلق الفجوة بين الموروث الشعبي والقصة لازمت المواطن اليمني صفة المهاجر ولالاف السنين فقد تركت الهجرة اثارا سلبية على المواطن ومني الوطن بخسائر فادحة ففي المجال الادبي -موضوعنا – خسر السرد ارتباط كتاب المهجر بأي علاقة بالموروث الشعبي اذ شهدت اليمن صدور اول نتاج سردي بعنوان فتاة قاروت لاحمد السقاف في اندنوسيا وهناك اعمالا عدة جميعها كانت بعيدة عن الاستفادة من الموروث وحتى ان ابرز كاتب سرد وهو الأستاذ محمد عبدالولي ولظروف نشأته في أثيوبيا وما لاقاه من عذابات في الو طن كأبن لمهاجر وظف قلمه السردي في اعمال سردية تناولت ظاهرة الهجرة باعتبارها خيانة ان الخاسر الحقيقي لنابغة في السرد كعبد الولي لم يكن سوى الموروث الشعبي .. الذي لولا عامل الهجرة وتأثره بموروث المهجر لما ابتعد عن موروث وطنه الام.
* الموروث الشعبي في قصص السردي المحلي لقد واجه الموروث حيفا من قبل كتاب السرد (غير المهاجر) أيضا لعل ابرزهم مكانة واشهرهم الاستاذ زيد مطيع دماج ان تاريخ السرد لن يتجاهل معالجة دماج واهتمامه الكبير برسم افضل صورة ممكنة عن زمن الامامة وظلمها لكن التاريخ نفسه لن يتجاهل عدم اهتمامه بالعودة إلى الموروث حيث بدى اعجابه بالغرب هائلا وفي كل نتاجه القصصي والروائي كافة. (...هجموا علينا في اطراف تهامة الشامية ببنادقهم المضلع الالمانية الصنع كانوا وهابيين وسعايدة وكما نحن يمانيون متوكليون وزيود نحمل بنادق الصابة والمورزر والسك الفرنسية مع ذخائر المعوضة كان والدي يقص علينا الاحداث بتفاصيلها الدقيقة ..الرهينة) * احلف واه عبده انفرط العقد ومازالت القصة تتنازع بين ثقافة المهجر وافتقار وعي الكاتب المحلي الى ان برز في منتصف الثمانينيات عددا من الكتاب أبرزهم الأستاذة أروى عبده عثمان ومحمد الغربي ومحمد احمد عثمان ومحمد مثنى والذين اشتغلوا بدأب في القصة ونهلوا من موضع الكنز كثيرا لدرجة ان ذهب عشق اروى للموروث وارتباط قصصها به الى التضحية بزهره شبابها في سبيل احياء هذا الموروث .. اذ ان كل ما كتبته سواء من قصة او انواع ادبية اخرى منذ عقد ونصف لم يخرج عن اطار الموروث.. لقد كللت اروى جهودها الحثيثة في الحفاظ على الموروث الشعبي اليمني من عوامل الاندثار والضياع بعد تلكم السنوات الصعبة بتأسيس بيت الموروث الشعبي والذي ادى انشغالها فيه الى التوقف عن الكتابة السردية ..صحيح ان البيت يعنى بنشر الوعي المجتمعي بأهمية الموروث لكن الخاسر الحقيقي كانت القصة اليمنية الظل العاري .. بذرة في الصحراء الكاتب السردي محمد الغربي عمران يعتبر اكثر من نهل من الموروث الشعبي ففي مجموعته القصصية الظل العاري ومجموعته القصصية حريم اعزكم الله ..اظهر قدرة فائقة على توظيف الموروث من اغاني واناشيد وزوامل واهازيج والخ توظيفا يزيد قصصه قربا من الشارع اليمني . * مريم الغربي .. الكاتب الموروثي واسوق لكم أنموذجا من نتاج الغربي في قصة مريم والتي تحكي عن فتاة تتهم بقتل ابن الشيخ وفي السجن بالزنا ..تدور أجمل أحداث القصة وأكثرها تعبيرا وصدقا أثناء جر العسكر لمريم إلى الساحة تمهيدا لتنفيذ حكم الرجم عليها اذ يردد العسكر زاملهم المعتاد بسم الله مفتاح السماء من فوق خلق الله دليتنا وهديتنا لأحسن طريق سلام بين المال ياللي طلعتك جنب الظلام يا ذروة الباهوت يا دولة عليه ان توظيف الغربي لهذا النشيد لم ينبع من فراغ حيث تتبدى المفارقة في مضمون الزامل الذي يعتبر الله دون احد من البشر هو الحاكم والعادل الشرعي والعسكر الذين ينفذون حكما بالرجم على انسانه بريئة يرددون ذلك الاعتبار عن جهل في قصة أمي بدا نهل الغربي من الموروث الشعبي مفرطا وهائلا لكنه الإفراط المدروس والموظف لخدمة القصة..في القصة يستعيد البطل بعضا من ماضيه ..ذكرياته ..وفي مشاهد عصية على النسيان يبرز دور الموروث في اذكاء هذا الماضي .. ألامسى مسي بسم الله رحمن رحيم .. ألامسى والسعادة والنعيم ألامسى عمرك يابو الولد .. ألامسى والولد شيخ البلد لقد ازدانت قصة الغربي بحضور كبير لمفردات ومكونات الموروث..غاية في الابداع ..زوامل ..اناشيد ..رقصات تعود بك الى جذورك الاولى ..حيث الأرض والمرعى والجد وأشياء وصور كثيرة.. لقد صوب الغربي في الاتجاه الصحيح ونجح فعليا في تحقيق قاعدة جماهيرية لا يستطيع احد انكارها .. * مخرجات عامة لمعت الحجرة في المجنة وبدت كالماسة اذا ..واضطر العشرات من كتاب السرد (غير المهاجر) طيلة اربعة وسبعين عاما دفع ثمن بُعد القصة عن الموروث لثلاثة اسباب الاول:- مضي كتاب القصة (غير المهاجر) في طريق الركاكة واجترار الماضي طمعا في رضا المؤسس وافتقارهم للوعي تجاه اسهام الموروث في تحقيق الارتباط الكلي بالمجتمع أدى إلى ان تخسر القصة قاعدة جماهيرية كبيرة اكبر من الموجودة الان .. ان جهد اروى عثمان والغربي عمران ومحمد عثمان لم يكن هينا الثاني :- ظهور طبقة طارئة من سياح القصة لم تولي القصة اهتمامها..فبمجرد كتابة قصة أو عدة قصص تعود إدراجها مثلها مثل السائح الذي يعود إلى بلده المرة الثالثة :- حصر هدف القصة من دون لغته الشعبية في اقامة الثورة والتي ما ان قامت حتى بدا عجزها عن الخروج من نفق القضية الام مستحيلا فما كان يسمى بالشمال ظل يجتر الماضي ويخوض جدالا عقيما حول تفاصيل هامشية وغير شرعية وغير ضرورية فيما الجنوب لم يخرج عن نطاق ادبيات الحزب الاشتراكي وطرد الانجليز.. بالنسبة لكتاب المهجر فقد ادت الاسباب التي ذكرتها سابقا إلى بعدهم عن الموروث كنتيجة طبيعية لوجودهم خارج الوطن وعيشهم فيه لسنوات طويلة كفيلة بطمس كل ما حفظوه من موروث.. * * * ان بدأ تاريخ القصة المكتوبة على هذه الشاكلة مرعب وقاس والنتيجة ان شابت المولودة في ظلام المجنة فالبعد عن الموروث خلق القطيعة واجترار الماضي ركنها جانبا... وغموض الهدف زاد من بعدها وانجرارها نحو الخطاب العالمي غربها وعجزها عن اكتشاف موضع الكنز ضيًق من قاعدتها الجماهيرية..و..و.. كلها كوارث طاردت ومازالت القصة والنهاية لا تبدو سارة مطلقا.. ان الموروث الشعبي بحاجة الى كتاب بحجم أروى عثمان ومحمد عمران لتعاد للقصة قاعدتها الجماهيرية.
توصيات •غياب النقد والدراسات عن المشهد القصصي عموما وعلاقة القصة بالموروث خصوصا خلق حالة من القطيعة بين السارد وموروثه ما ادى إلى حدوث فجوة بين الشارع الملتصق جذريا بموروثه والقصة ..لذا من الضروري دعوة النقاد والدارسين لتناول هذه المسألة .. • اقامة المحاضرات والندوات للتعريف اكثر بالموروث ومدى استفادة الادب منه.. في زمن يتضاءل عشقنا للموروث امام هجمة التغريب • تشجيع كتاب السرد تشجيعا ماديا ومعنويا ورفد مكتباتهم بالمطبوعات الموروثية ..