شكّك نائب ورجل دين سوري بارز بصحة التفاسير الموجودة في المصاحف الأكثر انتشاراً للآية الأخيرة من سورة الفاتحة "غير المغضوب عليهم ولا الضالين". مشيراً إلى عدم دقة هذه التفاسير في تلك النسخ التي تنص صراحة على أن الضالين هم أتباع عيسي والمغضوب عليهم هم أتباع موسى. ورأي الشيخ الدكتور محمد الحبش عضو مجلس الشعب السوري ورئيس مركز الدراسات الإسلامية أن الكارثة تكمن في أن هذه النسخ هي الأكثر انتشاراً في العالم الإسلامي وأنها ممهورة بأكثر الأختام قوة ونفوذاً. وأضاف أن ما هو أشد إيلاماً من ذلك هو أن الترجمة النصية للقرآن الصادرة عن عدد من المؤسسات المحترمة في العالم الإسلامي بما فيها مجمع المدينةالمنورة لطباعة المصحف الشريف وقعت في الخطأ نفسه حين حنطت مدلول الآية في أتباع دين بعينهم دون الاكتراث بمنطق القرآن الكريم الذي صرح عشرات المرات بأنه "لا تزر وازرة وزر أخرى"، وأن "كل نفس بما كسبت رهينة"، وأن "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون". وعُرف عن الحبش اجتهاداته الفقهية الجريئة، وقد كفّره بعض رجال الدين المسلمين في سوريا بسببها. وقال الحبش إن من المؤلم أن يكون ذلك في ترجمة نص الفاتحة، لأن من شأن المترجم أن ينقل بأمانة وليس من حقه أن يضيف على النص أدنى زيادة مهما كان مقتنعاً بها، ولكن ذلك لن يكون على الإطلاق في خدمة المعرفة ولا في خدمة الحقيقة، مستغرباً كيف يسوغ تفويض لجنة متعصبة مغلقة التفكير بإقحام رؤاها الخاصة على هامش القرآن الكريم ثم اعتماد ذلك كتفسير رسمي لنص القرآن الكريم. وأضاف أنه لا يوجد في القرآن الكريم حكم كلاني تتصف به أمة من الأمم، مستشهداًً ببعض الآيات الواردة في القرآن حول تكرار لفظ: "ثم يتولي فريق منهم، وإن منهم لفريقاً، ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك"، ورأي أن تكرار صيغة التبعيض جاء لأن القرآن يرفض منطق الحكم الكلاني على الأمم والشعوب بدعوى أخطاء الآباء والأجداد. وأكد الحبش أن القرآن الكريم كان واضحاً غاية الوضوح عندما تحدث عن فساد طائفة من اليهود والنصاري من أهل الكتاب، وبعد أن عدد مخازيهم وفضائحهم وما قاموا به من قتل الأنبياء والمرسلين وارتكاب جريمتي الزنا والربا.. لافتاً إلى أن القرآن قال بعد ذلك بوضوح: "ليسوا سواءً.. من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون"، وأضاف أن القرآن بعد أن أثنى على الصالحين منهم أطيب الثناء نص صراحة بقوله "وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين". وتساءل الحبش كيف يمكن إذن أن يكون في القرآن حكم يصف أمة بحالها إلى آخر الدهر بالضلال مع أن القرآن نفسه ينص مرتين بصريح العبارة: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". و "من أوفى بعهده واتقى من أهل الكتاب فإن الله يحب المتقين". وأشار الحبش إلى أن كلمة الضلال وردت في القرآن الكريم بصيغ متعددة 29 مرة، ورأى أنها كانت في كثير من المرات خطاباً للمسلمين من أتباع النبي الكريم: "ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل"، وتساءل هل يسوغ القول بأن الأمة كلها ضالة بدلالة هذا؟. وأضاف أن القرآن استعمل هذا اللفظ في وصف حال النبي الأكرم قبل أن يبدأ الرسالة بقوله: "ووجدك ضالاً فهدى" متسائلاً فهل يسوغ القول إن هذا وصف قرآني سرمدي للرسول؟. وأوضح الحبش أن الضالين لم يعرفوا الحق أصلاً، أما المغضوب عليهم فقد عرفوه وأصروا على استدباره، ورأى أن بالإمكان بقراءة بسيطة اكتشاف أن كلاً من الآفتين موجودتان في سائر الشعوب، بين المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والشنتويين والطاويين والشامانيين والهندوك والزرادشتيين والعلمانيين والأصوليين والاشتراكيين والرأسماليين. وخلص الحبش إلى أن الصلاح والفساد والهدى والضلال والنجاح والخسران ألقاب أطلقها القرآن على مستحقيها بغض النظر عن أديانهم ومللهم.