كلمات صغيرة ومختصرة ولكنها في مضمونها الموجه للامه واضحة و كبيره بعظمه قائلها عليه أفضل الصلاة والتسليم فالعصبية بصورها وأشكالها المختلفة والمتعددة تعتبر من الآفات الخطيرة وعواقبها كما نعلم تمس جوانب عديدة من حياتنا سواء كانت على مستوى الفرد أو المجتمع , وبعبارة أخرى قد تتعدى هذه العواقب حدود الشخص أو الجماعة المصابة بهذا المرض ليعم السوء والضرر على الجميع. واتصاف الفرد أو أي جماعه بهذه الصفة المذمومة والمدانة في الشرع الإسلامي يعني بكل بساطه الخروج عن القيم والأخلاق والآداب والأصول الإسلامية هذا من الناحية الدينية, أما من الناحية العقلية والمنطقية فإنها لا تبتعد كثيرا عن جوهر الدين و الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها. فالنفس البشرية السليمة تتوق دائما إلى كل الصفات الحميدة وتشمئز مما عداها إلا عند أولئك الذين يعانون من قصور أو ضعف شديد في إيمانهم أو معتقدهم أو أولئك الذين يتأثرون بفكر وحضارة الغير كمن يعتنق نظريات فكريه متعارضة مع الدين والقيم والأخلاق والمنطق أو أولئك الذين يجعلون من بعض الأعراف والعادات والتقاليد المكتسبة ( دينا يعبد ) حتى وان كانت متعارضة مع أصل الدين وغايته ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ). فعلى سبيل المثال عندما تحدث مشكله بين قبيلة ما وأخرى مجاوره لها حتى وان كانت قضيه قتل جنائية وتعاني هاتين القبيلتين من هذا المرض الخبيث فالنتيجة حتما اشتعال نار العصبية الجاهلية فتتحول تلك المشكلة إلى قضيه كبرى تمس في ظل الفكر المتعصب ما يعتقد انه شرف أو كرامة أو أعراف القبيلة الأخرى وبالتالي لابد من إخماد تلك النار بنار أخرى اشد وقعا وهي الثأر وحشد جموع القوم لتسيل بعد ذلك الدماء البريئة هنا و هناك وقد تستمر هذه النار في الاشتعال سنين طوال بفعل تبادل الموت بين الطرفين لا من اجل شئ سوى لإشباع تلك النفس الأمارة بالسوء والتي أصبحت أسيره لذلك المرض الخبيث الذي نتحدث عنه. وبذلك ألغينا عقولنا ونسينا أن هناك شرع وقانون وجنه ونار وحساب وعقاب ولكنها للأسف العصبية الجاهلية التي تحكمنا هنا وتطغى على سلوكنا وتبعدنا مسافات طويلة عن جوهر الدين والمنطق والعقل والحكمة في حل مشاكلنا, هذه الصورة من صور التعصب القبلي لا تقتصر على مجتمعنا فقط بل على الكثير من المجتمعات المتخلفة التي لا تزال تعتبر مسالة الثارات جزء من تكوينها وعنفوانها وان شاء الله سنتناول هذا الموضوع بشكل أوسع لما يحمله من أهميه كبرى في قائمه المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الوطن. أما عن التعصب الديني فهو من وجهة نظري الأخطر لأنه يسيطر على فكر معتنقه إلى أن يمتلك كل الحواس فيصبح المرء المصاب فكريا بهذا الداء في حاله تطرف سلوكي خطير على ذاته وعلى أسرته بل وعلى مجتمعه المحيط به, وهناك شواهد ووقائع كثيرة للفرق أو الجماعات الدينية المتطرفة التي اتصفت بالقسوة والعنف بل والمذابح المفجعة التي شوهت الصورة العظيمة لرسالة الإسلام التي جاءت لنشر ثقافة الحياة الإنسانية التي ارتضاها الله لعباده ( لان تهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من هدر دم امرئ مسلم ). أما عن التعصب الحزبي فحدث ولا حرج ولنأخذ فقط مواقف غالبيه أحزاب المعارضة في بلدنا وكيف أصبح الجمود الفكري والسلوك المتخشب والمواقف المتصلبة احد ( المكتسبات )الحزبية في قاموس تلك الأحزاب التي جعلت من هذا الفكر نبراسا لها في تحديد المواقف ورسم الخطوات و تحديد مستوى العلاقة مع السلطة, حتى الحزب الحاكم لم يسلم من هذا الداء فهو يبني في أحيان كثيرة مواقفه من تلك الأحزاب على قاعدة عصبيه تتمثل في الإصرار عند الكثير من القضايا المطروحة على عدم حلحلة الأمور أو الخروج برؤية مشتركه من بعض القضايا السياسية المطروحة إلا بعد تدخل الأخ الرئيس مباشره. أما عن التعصب في الوسط الصحفي فالكثير من الصحف والمواقع الإلكترونية تعاني أيضا من هذا المرض فبعض الصحف تدعي إنها تمتلك الحقيقة لوحدها وبدلا من انتعاش التنافس الصحفي المهني بين هذه الصحف للوصول جميعا إلى هذه الحقيقة الضائعة ولطرح قضايا الناس والوطن بموضوعيه مهنيه بعيده عن أي تأثيرات شخصيه أو حزبيه أو فئوية أو مناطقية نشاهد للأسف عند البعض عكس ذلك تماما ونزيد عليه ذلك التحاسد المتبادل بين بعض الصحف أو المواقع الإلكترونية الذي حل مكان التنافس المهني الشريف. ولا ننسى هنا التعصب الفكري لبعض الأقلام الصحفية فبعض الزملاء من الكتاب يعرفون تماما سبل الوصول إلى الحقيقة ولكنهم لتعصب ما يحرفون أحيانا ويزيفون أحيانا أخرى الحقائق ويبالغون في النقد إلى درجة القدح والتجريح وأحيانا الهجوم الغير مبرر على الرأي الأخر أو على الخصم السياسي المقابل لدرجه تدعو إلى الشفقة من حال هؤلاء الذين يعانون من هذه الحالة المتطرفة. صور التعصب متعددة وأماكن تواجد هذا المرض الخبيث متشعبة في الكثير من نواحي الحياة المختلفة لمجتمعنا لذلك ننبه في ختام هذا الطرح إلى خطورة هذا الداء على الذات المتصفة أو المصابة به سواء كانت على المستوى الفردي أو تمثل جماعه ما في المجتمع وعليه لابد من تفعيل دور العلماء والمشائخ والمثقفين والنخب لنشر التوعية الدينية والوطنية ما أمكن ذلك من السبل والوسائل المتاحة وذلك لدرء المخاطر الجسيمة التي يجلبها تفشي هذا المرض الخبيث ولابد أن يكون للإعلام دوارا أساسيا في هذه التوعية سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا ......إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.... صدق الله العظيم