وجه سعادة السفير أحمد يحيى الكبسي انتقادات لاذعة لحشر السياسة في كل شئون الحياة والتسبب بإفساد آمال الشباب وفرصهم في الحياة، في نفس الوقت الذي دعا إلى إنعاش تلك الفرص بتعميق الولاء الوطني، وترسيخ القانون ليسمو فوق الحزبية والقبيلة، كونه يمثل الحماية الحقيقية لكل الممارسات، معززاً الرأي بأن مشاكل اليمن كثيرة وأن أبنائها لن يكونوا قادرين على حل تلك المشاكل إلاّ حين يكون العهد الذي يحملونه حب الله والوطن بعيداً عن أولئك الذين ينظرون إليها على أنها "كعكة" سيأكلونها!! جاء ذلك في محاضرة بعنوان (الشباب العربي.. الآمال والصعوبات- شباب اليمن نموذجاً)، ألقاها في المركز الثقافي العربي السوري، وحضرها الدكتور محمد أبو بكر المفلحي وزير الثقافة، والأستاذ معمر الارياني وكيل وزارة الشباب والرياضة، وأعضاء الشورى الدكتور أحمد الأصبحي، وعبد الحميد الحدي، ومحمد الخادم الوجيه، ودبلوماسيون عرب، وعدد كبير من نخب الفكر والثقافة والمهتمون في الشأن الشبابي من بلدان عربية مختلفة. الأستاذ أحمد الكبسي- الذي يعد الأب الروحي للحركة الشبابية اليمنية، ومؤسس أول هيئة يمنية تعنى بالشباب- استهل محاضرته باستذكار كوكبة الشهداء، من يمنيين ومصريين وسوريين وعراقيين، الذين صمدوا لإرساء النظام الجمهوري في اليمن، وضحوا بأرواحهم، مبيناً أن هناك حوالي (25) ألف شهيد مصري سقطوا على أرض اليمن، وأن نسور الجو السوريين حموا سماء صنعاء في حصار السبعين وسقط منهم شهداء، معرجاً على "عميد الشهداء" على حد وصفه- الرئيس جمال جميل قائد ثورة 1948م، ثم استذكر الاجتياح الصهيوني للبنان وكيف توقفت الدراسة في جامعة صنعاء والتحق الطلاب بقوافل الدفاع عن لبنان، مؤكداً أن عدد الشهداء اليمنيين الذين سقطوا في معارك الدفاع عن لبنان وصلوا إلى حوالي (700) شهيداً.. ثم دعا الحاضرون للوقوف دقيقة وقراءة الفاتحة لأرواح الشهداء اليمنيين والعرب الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للأوطان.. بتلك المقدمة المقتضبة، وجد الأستاذ احمد الكبسي مدخلاً مناسباً للإيحاء للشباب المشاركين بحجم القيم الوطنية التي حملها ذلك الجيل، وحجم التضحيات التي بذلوها من أجل حماية الأوطان، أو تحريرها، راسماً بذلك ملامح التحدي الأول أمام شباب اليوم والمتمثل بالولاء الوطني، ومدى عمقه في النفوس. وتطرق الكبسي إلى التطورات التي شهدها العالم العربي عقب الحرب العالمية الثانية، وما آلت إليه الأوضاع من إنشاء جامعة الدول العربية، والذي وجه انتقادات لاذعة لأدائها، وقال أنها فشلت في تقديم أي شيء يخدم الأمة، كنتيجة حتمية لآليات عملها. ثم تناول التطورات السياسية التي شهدتها الساحة اليمنية، وكيف تأثر أبنائها بالفكر والثقافة العربية للبلدان التي كان يدرس فيها اليمنيون، وكيف حملوا تلك الأفكار إلى اليمن لتتحول إلى أحد مصادر الصراع السياسي الداخلي. واستعرض بعض التجارب الأولية لنشأة الحركة الشبابية في اليمن، وما جرى في عام 1968م أبان عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني من تحضيرات لشباب الحديدة وتعز وصنعاء وإب، والذين نظموا مؤتمراً حضره ما يزيد عن 500 شاباً وشابة كانوا متحمسون لعمل شيء ما لمستقبل الشباب والرياضة، والذي تمخض عنه إنشاء أول هيئة شبابية برئاسة المتحدث (احمد الكبسي)، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن كثيراً من المعاناة التي كانت قائمة سببها التباينات الناشئة بين النخب الشبابية والطلابية نفسها التي وقفت في بعض المراحل تحارب بعضها البعض. وأكد الكبسي أن نشوء الأحزاب في شطري اليمن (الشمال/ الجنوب) وجنوح كثير منها إلى العصبيات المناطقية والمذهبية كان سبباً في محنة اليمن وجر على الشباب أنفسهم الويلات.
وعند تناوله الحقب الحديثة، التي أعقبت الوحدة اليمنية، أعرب الكبسي عن أسفه الشديد من أن يتم حشر السياسة في كل مكان حتى أفسدوا بها كل شيء، وكل طموح للشباب.. مستشهداً بما يحدث في بعض المؤسسات من توظيف الخريجين الجدد على خلفية الانتماء الحزبي، بل وبلغ الأمر النظر إلى الاسم، وتحميل صاحبه وزر ما لا ذنب له فيهن منوهاً الى خطورة نشوء اعتقاد لدى الشباب بأنهم ما لم يكون لديهم واسطة فإنهم لن يحصلوا على شيء، رغم حقهم الثابت في شغل المواقع التي تناسبهم وفق المعايير الموضوعة، إلاّ أن عدم العمل بتلك المعايير، وعدم احترام القوانين تحول الى صدارة المشاكل التي تواجههم، وتحبط تطلعاتهم نحو المستقبل. وقال أن ما يخيف اليوم هو أن المواطن لم يعد يحس بوجود القانون والنظام الذي يحكم الجميع وفق حقوق المواطنة المتساوية.. ودعا إلى رفع هذا القانون فوق رؤوس الجميع، محذراً من أن الذين يشذون ويحاربون القانون غداً سيندمون وسيكرهون أنفسهم لانها سيحتاجونه ليحميهم.
وقال ايضاً: علينا أن نطالب بتفعيل النصوص الدستورية ، ورفض التعاطي مع القوانين بمزاجية ، منوهاً إلى هذه المزاجية أصبحت كالمرض وقد انتقلت حتى إلى المؤسسات الصغيرة.. داعيا الشباب إلى رفض كلل ما هو بعيد عن الحق، والى تعميق الولاء للوطن فوق الحزبية والقبيلة، ولتكن اليمن قبلتنا بعد قبلة الله، وحينئذ سنستطيع حل مشاكلنا، وشق طريقنا إلى المستقبل. وبعد تقديمه المحاضرة دار حديث ونقاش واسع من قبل المشاركين، الذين أثروا المحاضرة بمادار في خلدهم من رؤى وتصورات للواقع الشبابي وطبيعة المعاناة والهموم التي يقاسيها الشباب العربي بشكل عام والشباب اليمني بشكل خاص.