من كابول إلى بغداد، والرياض، فصنعاء ثم دمشق يشد الإرهاب رحاله في جولة تخريبية دامية أودت بأرواح ما يصعب حصره من المسلمين، فيما ظل الشعار المرفوع: «الجهاد ضد أمريكا وإسرائيل»، وظل الكاسب الوحيد في المواجهة مع الإرهاب هو «أمريكا وإسرائيل». في خطبة العيد، وفي كل عواصمنا العربية والإسلامية، رفعت مساجدنا الدعاء: (اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان والعراق..)؛ فهم "مجاهدون" أبطال عندما يكونون على غير أراضينا، و"إرهابيون" جبناء عندما يعودون إلينا، ويداهمون عواصمنا، ويسفكون دماء أبنائنا على أبواب المساجد، والمنشآت الاقتصادية، وفي الأسواق والطرقات.... في كل خطبة جمعة وعيد يفوز "الإرهابيون" بفضل دعاء المساجد لهم باسم "الجهاد"، ولا يجرؤ أحد من البلدان المنكوبة بالإرهاب على الاحتجاج، لأن هناك من سيرد عليه بأنهم "يدافعون عن شرف العراقيات الذي دنسه الأمريكان"!! ولأن هناك من سيعتذر عن إغلاق حدوده أمام "الإرهابيين" لأنهم "يجاهدون ضد المحتل"، رغم أنهم يرون بأم أعينهم قوافلاً جرارة تسوق يومياً مئات المسلمين الضحايا الذين تغتالهم أحزمة "المجاهدين" الناسفة وسياراتهم المفخخة إلى المقابر الجماعية.. فإستراتيجيتنا العربية في التعاطي مع الإرهاب تبدأ دائما بالدعاء: (اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان والعراق..)!! هذه المعادلة المعقدة- التي لم تغفل جميع الحكومات العلم بأطرافها- مازالت تجد استخفافاً عربياً رسمياً في تحليل أبعادها، وإدراك حقيقة ارتباطاتها، ومراميها، وحجم خطورتها، وكشف أسرار القوة التي يستمد منها الإرهاب قدراته المادية الهائلة، والحركية والمعلوماتية، والتخطيطية، رغم أن جميع الأسماء المتداولة في أروقة الأجهزة الأمنية العربية بوصفهم "زعماء" لهذه التنظيمات لا تدل اطلاقاً على الخبرة التي يتم بها صنع المتفجرات، وإعداد المفخخات، ورسم الخطط الهجومية التي كشفت في حادث السفارة الأمريكية بصنعاء عن دهاء أمني نوعي، بعقلية أجهزة احترافية، وليس مجرد شباب فقراء عاطلين عن العمل تم التغرير بهم- كما تردد حكوماتنا!! لقد اعتادت المؤسسات الأمنية في مختلف بلدان العالم في الجرائم والحوادث الجنائية أن تبحث عن الأهداف والدوافع، وتسأل نفسها عن المستفيد، إلا في العمليات الإرهابية نجد اصراراً غريباً لدى حكوماتنا على تجاهل ذلك اللون من البحث، وتمادي بالتسليم بالفرضيات الجاهزة حول «القاعدة» والتنظيمات الجهادية المماثلة التي ترجع كل شيء إلى التطرف والتشدد الديني، وليس أي شيء آخر..! إن المشكلة التي ترشح بلداننا لمزيد من الأنشطة الإرهابية هي ليس فقط استمرار مساجدها بالدعاء: (اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان والعراق..)، بل لأننا نختزل المهمة الأمنية في مطاردة العناصر الإرهابية، ولا يمتد اهتمامنا إلى جهد موازٍ في محاولة كشف مصادر التمويل، والعقل المخطط للعمليات التي يتم تنفيذها.. لذلك لم تستطع أجهزتنا الأمنية قتل أو القبض على غير العناصر المشاركة في التنفيذ، والتي عادة ما تكون فقيرة المعلومات، وتتحرك على خلفية التعبئة الدينية الخاطئة التي توهم سلطاتنا بأن الجماعات الإرهابية هي جماعات دينية متشددة، متجاهلة أهمية التفكير بالمستوى القيادي الأعلى من المنفذين، وببناء قدرات الاستعداد النفسي التعبوي للعناصر الإرهابية باعتبار الاعتقاد الديني يمثل بناءً روحياً ووجدانياً يصعب زعزعته حتى ولو كان على عقيدة «الهندوس». إن الحكومات العربية معنية جداً بتطوير مناهج تفكيرها حول ظاهرة الإرهاب، فنحن واثقون بأنها لو راجعت ملفات الأحداث التي تعرضت لها بلدانها، ثم راجعت ملفات قضاياها السياسية الدولية لاكتشفت تزامناً عجيباً بين الحوادث الإرهابية والمطالب السياسية الدولية ذات العلاقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية.. كما أنها لو تأملت في الظروف التي تولدت عن الإرهاب، وفكرت بالمستفيد الأول والأخير منها لوجدت إن الولاياتالمتحدة هي المستفيد الوحيد من العمليات الإرهابية، التي أصبحت عنواناً لتصفية كل حساباتها الشرق- أوسطية، سواء مع الأنظمة أو المؤسسات، أو منافسيها الاقتصاديين.. وعلى حكوماتنا أن تدرك أنها كلما تشددت بمواقفها الوطنية وشعاراتها السيادية اشتدت ضربات الإرهاب الموجهة لها.. فالجماعات الإرهابية ما هي إلاّ (جيش الظل الأمريكي)، الذي تديره شبكات الCIA عن بُعد، وتموله بعائدات البترول العربي، وترفع مساجدنا له الدعاء: (اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان والعراق..)! لا شك أن هذا الافتراض رغم انه لا يلقى ترحيباً عند الحكومات العربية، إلا أنه يفسر التمويل المالي الهائل للجماعات الإرهابية، والخبرات الواسعة في التخطيط والتنفيذ، والاختفاء أيضاً.. وكذلك يفسر العجز الأمني في شتى أرجاء العالم عن ضبط عناصراً أعلى مستوى من مجموعات تنفيذ العمليات الإرهابية.. ولأن لا أحد يصدق هذا الافتراض، والكل مجمع على أن راعي الإبل الأمي، العاطل عن العمل، الذي بلغ للتو العشرين من عمره، هو من فكر، وخطط، وصنع، ونفذ الهجوم على المدمرة "كول"، والناقلة "ليمبرج"، والسفارة الأمريكية بصنعاء.. فلنعذر إذن مساجدنا إن رفعت الدعاء بعد كل فرض: (اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان والعراق..)!! [email protected]