من كابول إلى بغداد، والرياض فصنعاء ثم دمشق يشد الإرهاب رحاله في جولة تخريبية دامية أودت بأرواح ما يصعب حصره من المسلمين حصرياً، فيما ظل الشعار المرفوع، «الجهاد ضد أمريكا وإسرائيل» وظل الكاسب الوحيد في المواجهة مع الإرهاب هو «أمريكا وإسرائيل». هذه المعادلة المعقدة التي لم تغفل جميع الحكومات العلم بأطرافها مازالت تجد استخفافاً عربياً رسمياً في تحليل أبعادها، وإدراك حقيقة ارتباطاتها، ومراميها وكشف أسرار القوة التي يستمد منها الإرهاب قدراته المادية الهائلة، والحركية والمعلوماتية، والتخطيطية، رغم ان جميع الأسماء المتداولة في أروقة الأجهزة الأمنية العربية كزعماء لهذه التنظيمات لا تدل اطلاقاً على الخبرة التي يتم بها صنع المتفجرات، وإعداد المفخخات ورسم الخطط الهجومية، التي كشفت في حادث السفارة الأمريكية بصنعاء عن دهاء أمني نوعي بعقلية أجهزة احترافية . لقد اعتادت المؤسسات الأمنية في مختلف بلدان العالم في الجرائم والحوادث الجنائية ان تبحث عن الأهداف والدوافع وتسأل نفسها عن المستفيد إلا في العمليات الإرهابية نجد اصراراً غريباً لدى حكوماتنا على تجاهل ذلك اللون من البحث والتسليم بالفرضيات الجاهزة حول «القاعدة» والتنظيمات الجهادية المماثلة التي ترجع كل شيء إلى التطرف والتشدد الديني، وليس من شيء آخر. إن المشكلة التي ترشح بلداننا لمزيد من الأنشطة الإرهابية هي أننا نختزل المهمة الأمنية في مطاردة العناصر الإرهابية، ولا يمتد اهتمامنا إلى جهد موازٍ في محاولة كشف مصادر التمويل، والعقل المخطط للعمليات التي يتم تنفيذها.. لذلك لم تستطع أجهزتنا الأمنية قتل أو القبض على غير العناصر المشاركة في التنفيذ، والتي عادة ما تكون فقيرة المعلومات، وتتحرك على خلفية التعبئة الدينية الخاطئة.. وهو الأمر الذي يعزز الاعتقاد لدى السلطات بأن الجماعات الإرهابية هي جماعات دينية متشددة، متجاهلة أهمية التفكير بالمستوى القيادي الأعلى من المنفذين وبناء قدرات الاستعداد النفسي التعبوي للعناصر الإرهابية باعتبار الاعتقاد الديني يمثل بناء روحياً ووجدانياً يصعب زعزعته حتى ولو كان على عقيدة «الهندوس». إن الحكومات العربية معنية جداً بتطوير مناهج تفكيرها حول ظاهرة الإرهاب، فنحن واثقون بأنها لو راجعت ملفات الاحداث التي تعرضت لها بلدانها، ثم راجعت ملفات قضاياها السياسية الدولية لاكتشفت تزامناً عجيباً بين الحوادث الإرهابية والمطالب السياسية الدولية ذات العلاقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية. كما أنها لو تأملت في الظروف التي تولدت عن الإرهاب، وفكرت بالمستفيد الأول والأخير منها لوجدت ان الولاياتالمتحدة هي المستفيد الوحيد. وأنها كانت كلما تشددت حكوماتها بمواقفها الوطنية اشتدت ضربات الإرهاب الموجهة لها. لا شك أن هذا الافتراض رغم انه لا يلقى ترحيباً عند الحكومات العربية إلا أنه يفسر التمويل المالي الهائل للجماعات الإرهابية، والخبرات الواسعة في التخطيط والتنفيذ، والاختفاء أيضاً.. وكذلك يفسر العجز عن ضبط عناصر أعلى مستوى من مجموعات تنفيذ العمليات الإرهابية.