في البداية أقول ما قاله الحكماء في قديم الزمان وما نلمسه ونعيشه في بعض الأحيان، ولدي دليل وحجة وبيان، وعلى ما أقوله شاهد عيان ، لقد قيل: "إن كنت لاتدري فتلك مصيبة، وان كنت تدري فالمصيبة أعظم". نعرف جميعا وطبقا للعرف القبلي الذي نعيشه في اليمن، بل والذي يعيشه غيرنا في العالم الإسلامي جميعه دون استثناء، إن الدولة تدعم مشايخ القبائل، وأصحاب المراكز الاجتماعية الفاعلة في المجتمع، وتصرف مئات الملايين لكسب ودهم ووقوفهم إلى جانبها في كل الأحوال لتستطيع بسط نفوذها عليهم واحتوائهم. وأظن إن بعض الدول والحكومات والقادة ينجحون في كسب ود تلك الفئات، والبعض لا يحالفه التوفيق في طريقة الاحتواء. وهذه الوسيلة ليست غريبة أو جديدة على مجتمعاتنا، أو يعتقد البعض أنها من صنع هذا الحاكم أو ذاك. فقد كانت موجودة في ظل حكم التاريخ القديم، وفي عهد الاستعمار الأجنبي لشعوب المنطقة، وحتى في زمن التكتلات الدولية الذي نعيشه الآن- وكمثال يعرفه الجميع، فدولة عظمى كأمريكا لديها من يوصف ب"الحليف" وهناك من يوصف ب"الصديق"، وفي النهاية هي سياسة منتهاها كيف تدير دفة الحكم والسيطرة على مساحة بلادك ومن يعيش عليها بأمن وأمان. وإذا خلت بلادك من الشيوخ القبلية وأصبح كل أفراد المجتمع بدرجة عالية من الوعي والرقي والالتزام بالنظام، ولنقل مثلا كتونس وتركيا فان الحاكم لن يعدم في أن يستعمل وسيلة أخرى للاحتواء ولكنها بطريقة أرقى. وأميركا نفسها كدولة نظام وقانون ودستور يصرف حكامها مبالغ كبيرة، لكن ليس لمشايخ القبائل وما شابه ذلك عندنا. لكنهم يصرفونها لشركات ووسائل إعلامية تسخر كل أدواتها لخدمة الحاكم وحزبه. ليست الأحزاب المعارضة هنا هي المقصودة في كلامي هذا، فهي وان عارضت الدولة فان سياسة الدولة هنا هو تأسيس مناخ سياسي ديمقراطي ولا بد من دعم الأحزاب ماديا في هذه الحال، وان كان من يترأسها غير كفوا (مثلا) لكن الرهان على المستقبل السياسي للجيل القادم وليس لجيلنا الحالي، وهذا يبدو لي من صميم البناء المؤسسي للديمقراطية في اليمن. وفي النهاية هي مبالغ تصرف وبأية مسميات، والهدف هنا هو بسط نفوذ وسلطة الدولة، لذلك فأنا هنا ليس لدي أي اعتراض، لكنني أتوقف قليلا هنا، واعترض وأسأل: هل تدري الدولة اليمنية فعلا بالمبالغ التي تصرفها من أجل الاحتواء أين تذهب!؟ فيأتيني من يقول: إذا أنت تقبل أن تصرف تلك المبالغ هدراً، وفي غير محلها، ولرموز قبلية، فما فائدة معرفة إلى أين تذهب!؟ أرد وأوضح المبهم في تعليقي هنا، بأنه ليس من المنطقي والمعقول والمتعارف عليه والبديهي أن تصرف الدولة مبالغ لأطراف تسعى وتجاهد وتحيك المؤامرات لصناعة فتن واضطرابات وقلاقل تساهم في تدمير الدولة وتفكيك وحدة المجتمع. لذلك ليس من المعقول أن تصرف الدولة أموال لمن يساهم في تدمير الدولة وكيانها، فهل تعلم الدولة بذلك؟ المتابع للأعلام اليمني هنا، والذي لديه حدس إعلامي يتعجب وينبهر ويتألم للصورة المقلوبة لوضع الإعلام غير الحكومي في اليمن. ولا اعرف أنا هنا بأية صورة أسمي ذلك الإعلام في اليمن، هل هو مدعوم من الدولة أم هو معارض للدولة!؟ وبالتالي لا يمكن بتاتا ومنطقيا أن يكون الإعلام المعارض للدولة مدعوما ماديا من قبلها، والعكس هنا صحيح، ويجب أن يكون. عند الاطلاع على بعض الصحف والمواقع الالكترونية اليمنية الخاصة والأهلية، والتي تسخر كل جهدها وكل مواضيعها وأخبارها لقضايا ليست صحيحة ومبنية على الكذب والتزوير وإشاعة الفتن، ستجد وسائل دعم مالي بارزه أمامك، ألا وهي الإعلانات، والاشتراكات الحكومية، وهذا بحد ذاته دعم مالي ومعنوي، فهل الصورة مقلوبة!؟ وعند الالتفاف على الجهة الأخرى من الوسائل الإعلامية التي تنقل الحقيقة كما هي، ولا تبث أخبار كاذبة، أو مواضيع الهدف منها الفتنة وصناعة الاضطرابات والقلاقل، ستجد أشبه بالحصار ومحاربة من الدولة.. أليست الصورة مقلوبة هنا أيضا!؟ لا اخفي عليكم إنني هنا أشير إلى موقع "نبأ نيوز" في وصفي للجهة الأخرى، واطلب منكم مقارنة ذلك مع الوسائل الإعلامية الأخرى، وستعرفون بأنفسكم، ودون حاجة للحدس الإعلامي لدى المتابع صدق ما توصلت إليه. أعود فأقول إن المبالغ التي تذهب من خزينة الدولة إلى الصحف والمواقع الإعلامية هي أموال تصرف لتدمير وحدة المجتمع وليس لبناء المجتمع، وكأن المسؤولين عن صرف تلك الأموال وموجهينها يساهمون في صناعة ذلك العمل. فهل يعرف هؤلاء أنهم اتجهوا إلى طريق خاطئ؟ وهل يدرون ما يفعلون أم أنهم لا يدرون!؟ أم هناك مصالح شخصيه خفية!؟ وأضيف سؤالا جريئاً، ومخلصا هنا- وكعادتي أوجهه للأخ الرئيس وأقول: هل يعرف الرئيس كل ذلك!؟ وأؤكد هنا صدق من قال: "إن كنت لاتدري فتلك مصيبة، وان كنت تدري فالمصيبة أعظم". [email protected]